تشهد كوبا منذ يومين احتجاجات شعبية، خرج خلالها الآلاف إلى الشوارع، بعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير، جراء جائحة كورونا. فهذه الجائحة تؤثر بشكل أساسي على القطاع السياحي، الذي يعدّ الركيزة الأساسية للاقتصاد الكوبي. كما زاد من تفاقم الأمور، النقص الذي حصل في المواد الغذائية والأدوية، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي لساعات عدة.
لكن ما يلفت الانتباه، هو الاهتمام والتركيز الأمريكي الكبير على هذه الأحداث، ومن أغلب الشخصيات السياسية والإعلامية، التي شنت هجومها التحريضي ضد الحكومة المحلية، مسارعةً الى توصيف هذه الاحتجاجات بأنها ثورة على “النظام الحاكم والفاشل”.
فقد وصفها الرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” خلال حديثه مع الصحفيين بالأمس، بأنها “رائعة” مضيفاً بأن الشعب الكوبي “يطالب بتحريره من نظام استبدادي”. أما مستشاره للأمن القومي “جايك سوليفان” فصرح من خلال تغريدة له على تويتر، بأن بلاده “تدعم حرية التعبير والتجمع في جميع أنحاء كوبا، وستدين بشدة أي عنف أو استهداف للمتظاهرين السلميين، الذين يمارسون حقوقهم العالمية”.
الرئيس الكوبي: أمريكا هي السبب
هذه الاحتجاجات دفعت بالرئيس الكوبي “ميغيل دياز كانيل” لتوجيه خطاب، اتهم فيه الولايات المتحدة الأمريكية بالتسبب بهذه المشاكل الاقتصادية، من خلال ممارسة “سياسة الخنق الاقتصادي الهادفة إلى إثارة الاضطرابات الاجتماعية”. فإدارة “بايدن” ما زالت مستمرة بتطبيق العقوبات المعززة، التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي تمنع الواردات عن البلاد من مواد غذائية وأموال، كما تمنع السفر إليها. وشدد “دياز” على أن من يقفون وراء هذه التظاهرات “نالوا الرد الذي يستحقونه، وسيظلون يتلقونه كما (حصل) في فنزويلا”، التي وصفها بالحليف الكبير لكوبا.
ومن جهة أخرى، لفت إلى أن طلبات بعض المتظاهرين الصادقين قد تكون محقة، لكن يتمّ التلاعب بهم من الخارج، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال وجود “المرتزقة” في صفوفهم. معتبراً من وصفهم بال “مرتزقة” بأنهم معادون للثورة، وتدفع لهم الحكومة الأميركية أموالاً بطريقة غير مباشرة عبر وكالاتها الحكومية، لتنظيم تظاهرات كهذه. وموجهاً الاتهام إلى “المافيا الكوبية ـــ الأميركية” أيضاً، بالوقوف خلف هذه الاحتجاجات.
محاولات أمريكية سابقة في الحرب الناعمة
وللولايات المتحدة الأمريكية تاريخ طويل من محاولات زعزعة استقرار كوبا، من خلال أدوات الخرب العسكرية، أو من خلال أساليب الحرب الناعمة. ولعل أبرزها التي حصلت خلال العام 2010، حينما أنشأت تطبيق “تويتر الكوبي” والذي سمته ZunZuneo، لإثارة الاضطرابات وتقويض الحكومة.
وهذه المنصة هي عبارة عن شبكة اجتماعية، مبنية على تقنية إرسال النصوص، من أجل استخدامها في جهود إطلاق الربيع الكوبي.
فوفقاً لصحيفة الغارديان الإنكليزية، سافر المسؤول الحكومي الأمريكي “جو ماكسبيدون” إلى برشلونة، في شهر تموز من العام 2010، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على خطة سرية، لبناء مشروع لوسائل التواصل الاجتماعي، يهدف إلى تقويض الحكومة الشيوعية في كوبا.
وقد تألف فريق “ماكسبيدون” من خبراء تكنولوجيين قادمين من دول: كوستاريكا ونيكاراغوا وواشنطن ودنفر. وتلخصت مهمتهم بإطلاق شبكة مراسلة، يمكن لها أن تصل إلى مئات الآلاف من الكوبيين.
ولإخفاء هذه الشبكة عن الحكومة الكوبية، سيُنشئون نظام معقد من شركات الواجهة، باستخدام حساب مصرفي في “جزر كايمان”، بالإضافة إلى تجنيد مديرين تنفيذيين، لا يتم إخبارهم بعلاقات الشركات مع الحكومة الأمريكية.
ولم يعمل “ماكسبيدون” بتوجيه من وكالة المخابرات المركزية CIA، بل بتوجيه من وكالة USAID التي مولت وأدارت هذا البرنامج.
لذا وبما أن التخلص من النظام الكوبي الحالي، كان وما يزال يمثل حاجة استراتيجية للأمن القومي الأمريكي. إضافة إلى محاولات واشنطن السابقة والحالية، في زعزعة استقرار جميع الدول الأمريكية الأخرى المناهضة لها، مثل فنزويلا وبوليفيا والبرازيل. عندها تتقدم فرضية الثورة الملونة، على باقي السيناريوهات والأسباب الأخرى، خصوصاً لأن إشعال هكذا نوع من الثورات، يعد تخصص الإدارات الأمريكية التابعة للحزب الديمقراطي.