هل لبنان حيّ أم ميت؟!

يَروي الكاتب البرازيليّ الشّهير “بابلو كويلو ” تحتَ عُنوان : ” هل هذا الطّائر حيّ “…”:
” إنّ شابّاً بلغَ المرحلةَ الِنهائّية من التَدريس، وقريباً سَيغدو مُعلِّماً ، وكَكُلّ التّلاميذ المُجتهدين كان لا بُدَّ مِن أن يتحدّى مُعلِّمَهُ وأن يَبْتكر طَريِقة تَفْكيرٍ خاصّةٍ به .

إلتقط َطائِراً وَوَضَعه على إحدى كَفّتيه وتَوجّه نحو مُعلّمه : يا مُعلّمي هل هذا االطّائر حيٌّ أم مَيْت ؟
كان مُخطّطُه هو التالي : إذا أجاب المعلّمُ بأنّ الطّائر ميت، يفتحُ راحةَ يدِه ويُفلت الطّائر ، وإذا أجاب بأنّه حيّ يَسحَقه بأصابعه ، وهكذا يكون المُعلّم مخطئاً في الحالتين .
أعاد طرحَ السُّؤال: يا مُعلّمي هل هذا الطائر حي ّ أم ميت؟!
أجابَ المُعّلم : تلميذي العزيز، إنّ ذلك يعتمد عليك…!!”
وقياساً، هل لُبنانُنا حيّ أم ميت؟ فعَلى مَن نَعَتِمد على السُّلطة أمْ على الشّعب ؟
في ظلّ حُكومة مَمنوعةٍ من الصّرف والتّصرّف والتَّصريف، وتحت رحمةِ رئيسٍ مُكلّف ٍ ولا يُؤلّف ، وبِعِهْدَة رئيسٍ يَبحثُ عن الضّوابط بعد أن فقد ” الشّد والمَدّ وهَمزة الوصل” حتى باتَ الوطنُ يُنازع والمواطنون لا يملكون الاّ الصلاة كي يتعافى من دائِه وَوَبائه وبَلائه ومَسؤوليه…!
في الأزماتِ الكُبرى، يُؤتى بالكِبار لإيجاد الحُلول الكبيرة ، ومُصيبتنا أنّ ” الكبار” عندنا باتوا “صِغاراً “…!
هذا يَستجْدي كرامةً من قُوّة ، وذاك يَستشعِر خطراً على زعامتِه وسَلامته فيُدرج الوطنَ ضمن طائفتِه وذلك يلعبُ دورَ المُراوغ فيتَحدّى العالمَ بقبضته اليُمنى ويستجديه باليسرى…
تصوّروا أنّهم صوّروا لنا بأنّ القائِد عندنا أصبح نابوليون الشرق الأوسط وديغول الشرق الأدنى… جاء ليُحافظ ليس فقط على سويسرا الشّرق بل ليُحوّلها الى باريس الشّرق ايضاً… وفجأة أصبَحنا جهنم الشّرق والقائد العظيم غَلَبَه النُّعاس على بوّابتها …!
كان عِندنا قادةٌ، ذاكرَتُهم خزّانٌ للفكر والإبداع فكُنّا في عَهْدِهِم وعِهدتهم مُواطنين في وطن… فصار عندنا – وبغفلةٍ من الزّمن – قادة ، ذاكرتهم وعاء كالإمعاء والمثانة، لذلك تفوحُ من خطاباتهم روائح نتنة… السنتُهم طويلة وكذلك أيديهم… معهم نتذكّر المرحوم الوزير اميل لحود ، عندما كان يستمِع الى احدهِم يَخطب في احتفال ، فلما انتهى صفّق له البعض إعجاباً والبعض الآخر لإنتهائه من الكلام ، الاّ أن معالي الوزير ولِفرط انزعاجه ، فتح ” سحّابة بنطلونه” وسكبَ كأس العرق هناك ، فسأله احد الحاضرين، ماذا تفعل يا معالي الوزير فأجابه ” هيك خطيب بدّو هيك شرّيب”…!!
وماذا بعد ، فأيّ وطنٍ هذا؟ البعضُ مِنْ قادَتِه يَضعه ضمن قَبيلته والبعض الآخر ضمن عَشيرته وهناك من يُدرجه ضمن طائفته لا بل مَذهبه … بدلاً من وضع هذه المواضع كلّها ضمن الوطن…!

عندما يَسري الفَشلُ في الحكم ، فلا بدّ ان يلحقَ به الإنهيار والحِساب والمُحاسبة ؟!

في كلِّ دول العالم، المجرمون نوَعان ، واحدٌ يُخالف القانون وآخر يخالف الدّستور والإثنان مَصيرُهما المَحكمة والعقاب :
وفي دول عديدة ، نجحَ البَرلمان والمجلس الدّستوري والقضاء بكلّ أصُوله وفروعه في إقالة عددٍ من الرّؤوساء والمسؤولين، في حين أُجبر آخرون على تقديم استقالاتهم طوعيّاً خشية بَدء إجراءات إقالتهم… هناكَ المسؤولُ يُحاسَب عن أيّ خطأ مهما كان حجمه- حتى ولو قبّلَ عشيقته أثناء الدّوام الرّسمي …
أمّا عِندنا… فعندنا “الحصانة” المَانِعة للمُلاحقة وكمْ مِن جَريمة تُرتكب باسمك أيّتها ” الحصانة” ، لقد جعلوك أختاً للحريّة…!
هل تعلمون ، هل تذكرون ، هل تتذكّرون، هل تتابعون:
– أُسقطت وسُجِنَت رئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون-هاي، بسببِ َفضيحة فسادٍ أَضرّت بسُمعتها بعد إتهام الوَسَط السّياسي لها ولصديقتها المُقرّبة بإبتزاز مؤسّسات اقتصاديّة… أليس عندنا مَن يُشبهها مِنَ المسؤولين والسّياسيين والمُهَيْمِنين ولكنّهم يَرتفعون ولا يسقطون أو يُسجنون ؟
– في دولةِ الكيان الصّهيوني، رئيس حكومته ايهود اولمرت(2006-2009) أُدين بالفَساد وحُكم 18 شهراً بِتهمة تَلقّي “رشوة” !! حُكم … نَفّذ الحكم… ولم يجعلوا من حرب تموز2006، أسباباً تبريريّة له ؟
– في ليتوانيا ، أُقيل الرئيس رولانداس باكساس بسبب مَنحِه الجنسيّة الليتوانيّة لرَجُل أعمال من أصل ٍ روسيّ كان الدّاعم المالي الرّئيسي له وقد حُرِمَ من حقّ التّرشّح للإنتخابات… تصوّروا منحة واحدة ماذا فعلت !! وعندنا مراسيمُ مَنح الجنسيّة تتمّ ” دوكما” خِلافاً للقانون وأصوله ومسّاً بالدّستور ومبادئه فتُحدِث إختلالاً في الوزن والتّوازن الوطني… ومع ذلك لا مُلاحقة ولا مُعاقبة ؟؟
– في فرنسا، الرئيس ” ساركوزي” ، تلقى رشوة لحملته الإنتخابية ، فهو حاليّاً يُحاكَم بانتظار أن يُحكَم .
– في باراغواي، أُقيل الرّئيس فرناندو لوغو، لأنّه أساء القيام بمهماته بعد عمليّةٍ للشّرطة ضدّ حركة ” مزارعون بلا أرض” أسفرت عن سقوط سبعة عشر قتيلاً…أمّا عندنا فقد فُجّر المرفأ بما يُشبه تفجير هيروشيما وناكازاكي فسقطَ مئات الشّهداء والجرحى بالألوف وانهارت المباني وتشرّد الأهالي وضاع جنى العمر… وباتَ الوطنُ بأكمَله على صورة مأساة المرفأ المُدمَّر … ومع ذلك أرتاب السيّاسيّون المسؤولون عن الإنفجار من المُحقّق السّابق فأسقطوه خوفاً من أن يُسقِطهم… إنّها الحَصانة المَانعة … وعاد المُحقّق اللاحق وكرّر مآل مطالِب المُحقّق السّابق مع بعض الإضافات… والإنتظار سيّد الموقف … 

هي “عيّنة” خارجيّة على سبيل المثال لا الحصر، إنّهم يعلمون بأنّه ” متى قُطِع رأسُ الحيّة، يُصبح الباقي حَبلاً ” ؟!أمّا الجرائم عندنا فلا يرتَكِبها الاّ ” راجح” الأخوين رحباني وإذا اكتُشف ” راجح” فيتمّ تزويرُ الحقائق وتلفيقُ الوقائع على يد المُصابين “بالإنفصام” ، فنَسمعهم يُطالبون بالحقيقة والعدالة وبإلغاء المحكمة والمُحاكمة ، يُقرّون بوجود قتيل ويرفضون القبول باحتمال وجود قاتل، يُردّدون ليل نهار بمحاربة الفساد ولا يقبضون على فاسد واحد…
نحنُ ضَحيّة قِيادةٍ فاشلة بالشّراكة مع جَمهرة من التجّار غير الشّرفاء ، سَلَبونا السّيولة فأصبحنا مُتسوّلين ، منعوا عنّا الرّغيف فبُتنا جائعين ، أخفوا الدّواء فجَعَلونا مَرضى يائسين… صادَروا ، سرقوا ، نهبوا …! كُنّا دولةً في وطن ، فحوّلونا الى مزرعةٍ في غابة…! معهم بتنا ” نَبيت على خوف الإنشقاق ونفيق على ذاكرة الفِتنة “!!
شوهد كلبٌ يبكي، فسُئِلَ : ما الذي يُبكيك؟ أجاب : سمعتهم يقولون: إنّ الذي خان الوطن ، كلبٌ وانا لا أخون… وفوق ذلك أنا رمز الأمانة والوفاء… حتى الكلب رفض أن يُشبّه به الخائن السيء الأمانة والعديم الوفاء…؟!
فهل نعتمد عليهم ؟!
فيا شعب التغيير!!
ليست الثّورة أن نلتقي بعضناً مع بعض ، ولكنّها أن ننطلق معاً الى أهدافٍ مُشتركة بالإتحاد وليس بالإنفراد ، بالإتّفاق وليس بالإنشقاق …!
فلا تدعوا الهُواة الفاشلين والوصولييّن الزّاحفين والأصوليين الطّامعين والفاسدين المحترفين والحاقدين المُتسلّطين ان يتمكّنوا منّا …!
إنّ الإعتمادَ عليكُم ، فإمّا يبقى لبناننا حيّاً حرّاً سيّداً وطليقاً بإرادتكم وإمّا يُسحق بأصابِعكم ويموت على أيديكم كما مات على أيديهم …!!! والاّ لن يبقى أمامنا الاّ ان نُردّد مع ميخائيل نعيمه:” سألت ربّي مرّة أين أنت؟ فأجابني بل أين أنت …!!”

المصدر: Kataeb.org

الكاتب: المحامي انطوان القاصوف

Exit mobile version