السفر نحو المريخ اصبح ممكناً .
في يوم ما اضطر مواطن للسفر الى محافظة اخرى من اجل امر ما, فقرر ان يسافر عبر ارخص الوسائل كلفة فقام بمحاولة حجز تذكرة للسفر, فأستيقظ باكرا وخرج من بيته قبل الفجر قاصدا مكاتب الحجز, فهو مواطن بطيء الحركة و مماطل ويحب ان ينفق اوقاته بالقفز بين (السرافيس) و والحافلات ويتمتع جدا بالتعلق بها ويحب الوقوف تحت اشعة الشمس الحارقة لساعات يوميا حتى يحظى ( بلون برونز طبيعي), بعد ان وصل صديقنا المواطن لباب مكتب الحجز استبشر خيرا كونه اول الواصلين, وكون وجوه الموظفين نيرة مستبشرة تستقبله بابتسامة فقال في نفسه لا بد انها رحلة موفقة ان شاء الله, استقبلته الموظفة بوجهها البشوش و ابتسامتها التي تملئ المكتب بالبهجة والسرور, اقترب منها بثقة وسألها هل يوجد اماكن للحجز على المحافظة الفلانية؟. فأجابت بكل لطافة وزوق و بكلمة واحدة ( ما في ) فعاد بعد دقائق وسألها هل بإمكانك البحث فانا مضطر جدا للسفر من اجل استكمال اوراق ضرورية, فنظرت اليه نظرة ملؤها التعاون وأجابته بمحبة, اخي المواطن ( اصطبح هل جرى لعقلك شيء الم اقل لك ما في شوه العالم يلي ما بتفهم ) فاعتذر منها على ما بدر منه من قلة احترام وعدم تقديره لكلماته ولوقتها الثمين, و وقف خارج المكتب ينتظر ويراقب و يفكر كيف له ان يسافر وهذه الشركة الوحيدة التي تسيير رحلاتها للمحافظات في منطقته, مع العلم هناك العديد من الخيارات الاخرى و السيارات التي بإمكانه ان يسافر بها ولكن هذا المواطن بخيل بطبيعته ودائم المشاكل والازعاج.
وبينما هو غارق في افكاره وقف امامه شاب وقال له بسخرية وهو يبتسم ابتسامة صفراء ويلوي رأسه جانيا , لقد اخترت وقت الفطور لتأتي وتحجز مقعدك للسفر والله لو كانت الحافلة فارغة بدون اي شاغر لم تحجز لك الانسة, اقتنع المواطن بسخرية هذا الشاب وانتظر حوالي الساعة, ريثما يتناول الموظفين افطارهم وينهون احاديثهم الجانبية ثم يشربون الشاي, وربما وفق بعدها في المحاولة الثانية.
وبعد ساعة ونيف نظر المواطن المقدام واستجمع شجاعته وتوجه مجددا الى المكتب فوجد أن الموظفين قد انتهوا من انشطتهم الصباحية و جلسوا في أماكنهم بكل احترام.
فتقدم الى الانسة وسألها مجددا بصوت مرتجف ومرتبك, هل يوجد اماكن للسفر الى المحافظة الفلانية؟, نظرت إليه نظرة وكأنها تقول له ما أعندك اخي المواطن (وما ايبس رأسك) وكانت نظرات القرف بين سؤاله وجوابه لحظات ولكنه احسها دهرا, ودون اي مقدمات قالت له كلمة واحدة فقط: هويتك ….. أعطاها اياها ثم قالت له سعر التذكرة فدفع واخذ التذكرة وبطاقته الشخصية وخرج منتصرا سعيدا فهو لم يحلم ان يوفق هكذا وبهذه السرعة والمرونة واللطافة, ولم يسافر منذ وقت طويل, وقرر في نفسه ان هذه الرحلة ستكون بمثابة رحلة استجمام.
استيقظ في اليوم التالي باكرا وخرج من منزله قبل الرحلة بساعات فكما تعلمون هو من هواة تضييع الوقت بين السيارات وفي الطرقات ووصل الى الحافلة قبل موعد انطلاق الرحلة المكتوب على التذكرة بساعة ونصف ووقف بكل احترام ينتظر وهو يحلم بسفر موفق, وبعد مدة من الزمن سمح سائق الحافلة للركاب بالصعود فصعدت الحسناوات اولا وجلسن في المقاعد الامامية خلف السائق تماما عن يمينه وعن يساره, وجلس هو في مكانه المحدد اخر الحافلة بين الاكتاف العريضة.
وبعد مضي نصف ساعة من جلوسه في مقعده تحركت الحافلة اخيرا.
وبعد ان سارت الحافلة مسافة 10 دقائق توقفت, وهذا اعتيادي لأن المواطن وبحكم العادة يعرف انه بعد مكان الانطلاق بمسافة قصيرة يوجد مكتب اخر للشركة نفسها لإرسال الحوالات والطرود, فانتظر المواطن مع اخوته الركاب ساعة لحين الانتهاء من تحميل الطرود واطمئنان السائق على صديقه في المكتب الثاني ومن ثم تم الانطلاق مجددا.
هنا لم تكن الفرحة تسع قلب المواطن, ولكنه بعد فترة اصيب بحكة غريبة في يديه ووجهه وبعض الاماكن الاخرى, ولكنه لم يعر الموضوع اهتماما, وبعد مدة من الزمن انقطع الهواء و الأوكسجين في الحافلة واصبح الركاب يشعرون انهم في غرفة الساونا وليس في حافلة, فطلبوا من السائق اشعال المكيف وبعد ان رحب بهم السائق بوجهه البشوش ( كالعادة ) وتقبل فكرة إشعال التكييف بكل سلاسة ولطف, قام بإشعاله و يا ليته لم يفعل! فالتكييف معطل و يطلق الهواء الساخن الممزوج بدخان العوادم فقط, وبعد مرور وقت بدأ المواطن بالتعرق واحس بشيء غريب على ملابسه و يديه وكانه في منجم للفحم ولكنه ايضا لم يتذمر بل كان مثابرا ومجدا ومصرا و ممنونا للشركة على تسييرها هذه الرحلات, فلولاها لعزل عن العالم الخارجي ولم يستطع ان يسافر بهذه القيمة الزهيدة, فهو كما تعلمون بخيل جدا ولا يستطيع ان يدفع راتبه او اكثر قليلا ليسافر به لمحافظة اخرى.
وبعد مرور وقت ملئه الصخب والضجيج من صوت محرك الحافلة الى بكاء الاطفال ورائحة الدخان والحر الذي لا يطاق, وبعد الوقوف على الحواجز وتفتيش الباص اكثر من مرة واخيرا وصل الى وجهته المطلوبة.
وهنا كان عليه وقبل كل شيء حتى قبل ان يفكر بأكله وشربه ومنامته او ان يقوم بعمله عليه ان يحجز تذكرة من اجل العودة ………
فاتجه البطل المقدام فورا نحو مكتب الشركة نفسها ودخل بين الناس معاركا مزمجرا يدفع هذا ويدفعه ذاك لحجز تذكرته, وبعد محاولات عدة استطاع ان يحجز مقعد في رحلة اليوم التالي للعودة ولم تستغرق محاولاته اكثر من ساعة تقريبا ( يا للفرحة).
وخرج المواطن من مستنقع الجثث اما مكتب الحجز وبدأ برحلة البحث عن المكان الذي يقصده, وبعد ساعات من البحث والانتظار والحر الذي لا يطاق وجد ضالته و انتهى من توقيع اوراقه وختمها, وهنا تذكر انه لا يوجد لديه احد او مكان للذهاب اليه, فقام بشراء طعام وماء وذهب الى الحديقة ليجلس و يرتاح ويفكر اين سينام الليلة مع العلم انه هناك العديد من الفنادق ولكنه معروف ببخله.
قرر النوم على مقعد الحديقة بدل النوم على سرير الفندق المريح وفي اليوم التالي استيقظ باكرا مع شروق الشمس هو وكلاب الحديقة, وذهب وجلس امام الحافلة التي ستعود به الى مدينته وكما كانت رحلة المغادرة كانت رحلة العودة تملؤها المتعة والمغامرة و النظافة والانتعاش, وعند وصوله الى مدينته فرح جدا بعودته سالما مظفرا غانما, واحس بانه مواطن محظوظ لأنه غالبا ما يسمع من أصدقاءه ان الحافلات المخصصة للسفر تتعطل في الطريق بسبب قدمها ويطلبون من الركاب ان يواصلوا الطريق بمفردهم وبطريقتهم وعلى نفقتهم الخاصة, ولكنه وبسبب حظه الجيد لم يعاني من هذه المشكلة ابدا.
ومن خلال هذه القصة نرى ان المواطن لن يرضيه شيء وانه دائم الشكوى وانه بخيل بطبعه, وأن السفر اصبح سهل جدا ومليئا بالرفاهية والمغامرة, ضمن بلدي الذي اصبح العيش فيه سهلا ومريحا جدا.
كل رحلة وانتم بخير…..
ملك الموسوي