مركز الاتحاد للابحاث والتطوير
كُتب، وما زال، وسيبقى يكتب عن الحرب كأعقد نشاط بشري يُلجأ له عند انسداد أفق العمل السياسي والدبلوماسي أمام الحلول المطروحة من أجل تحقيق الأهداف وتأمين المصالح والدفاع عنها، حيث تعد الحرب آخر وسيلة من وسائل فرض الإرادة على الخصوم والأعداء ودفعهم إلى التسليم بما نريد.
إلا أن هذا النشاط على تعقيده واتصافه بالشيء ونقيضه في نفس الوقت، ولجوء مختلف الأطراف له كخيار مكروه (كتب عليكم القتال وهو كره لكم…)، وقبل أن يؤخذ قرارها السياسي الذي يحدد سقوف أهدافها ومجالاتها الجغرافية وجداولها الزمنية والأدواتية؛ تخضع في النهاية لمعادلة الجدوى والأكلاف التي تحدد هل تخاض الحرب أم تؤجل، فليس من العقل أن يخوض المرؤ حرباً أكلافها البشرية والمادية تفوق جدواها المرجوة؛ ما لم يكن صاحب القرار لديه ميول للانتحار. وعندما يؤخذ قرار الحرب في مستوياته السياسية ويحّول إلى الجهات الفنية صاحبة الاختصاص (قيادة القوات المسلحة)، تعكف هذه الجهات على وضع خططها التفصيلية، بدءاً من التصور العام للمعركة واتجاهاتها الاستراتيجية ومحاور جهودها الرئيسية والثانوية وتخصيص القدرات بناءً على تلك التعريفات، ثم تبدأ التحضيرات الميدانية لتعبئة القدرات العسكرية انتظاراً لساعة صفرها ويوم أزوفها. وهنا تحدد جهات الاختصاص نوع المعركة وجهدها الرئيسي الذي يقع على عاتقه تحقيق الأهداف وبلوغ الغايات. فبعض الحروب أثناء مراقبتها ورصد تطور الموقف فيها يُخلص إلى أنها كانت في مجمل جهودها معركة جوية لم يستخدم فيها العدو سوى سلاح جوه، وأن جهدها الرئيسي كان جوياً بامتياز، مما يجعلنا نطلق عليها معركة ” جو أرضية ” وهنا يمكن أن نستدعي معارك حرب الخليج الأولى 1992 التي تم فيها تحرير الكويت من القوات العراقية كمثال على هذا النوع من الحروب، وهناك حروب يُعِد فيها كلا طرفيها خنادق وتحصينات يتخندق فيها، ولا يقوم أي منهم بالتعرض للآخر، ويمارس كلا طرفي الحرب قصفاً نارياً من مختلف صنوف الأسلحة البرية، الخفيف منها والمتوسط والثقيل، وبمختف المديات، محاولين الحاق الخسائر ببعضهم البعض دون تحرك أو مناورة برية، وهنا يمكن أن نطلق على هذا النوع من الحروب “حرب الخنادق “، وغيرها هذا من أنواع الحروب، فالألمان مثلاً عندما طوروا أول سلاح دروع ودفعوا به في معاركهم في الحرب العالمة الثانية لاكتساح الجبهات وتدمير الدشم والتحصينات بشكل سريع، أطلقوا على حربهم تلك اسم ” الحرب الصاعقة ” فما أن تبدأ حتى تنتهي بشكل سريع وعنيف آتية على أخضر الجبهة ويابسها. إلا أن هناك نوعاً من الحروب يستهوي البعض اسمها ويظن أنه باللجوء لها يحسم معاركه ويتقي خسائر الحروب وآلامها الكبيرة، على اعتبار أن اسمها الحرب يدل على أنها لا توفر للعدو أهدافاً ثابتة ومراكز ثقل من الممكن أن تُستهدف فتقصم ظهر القوات، وأنها تطيل زمن الحرب بحيث ستنزف الأوقات والقدرات، كيف لا وهي ” حرب حركة “، لا ثبات فيها ولا سكون، بل حركة ومناورات ونقل وانتقالات!! إن هذه المقالة تحاول أن تشرح مفهوم هذه الحرب وأهدافها ومتطلبات نجاحها وضوابط خوضها، على اعتبار أن ما يخطط له في غرف العمليات، لن يتمكن الميدان أن ينهض بأعبائه؛ ما لم يكن قد تم تحديد الأهداف بشكل دقيق، وتصور كيف يمكن أن يكون تطور الموقف الميداني، ليحضّر لكل موقف إجراءاته، وتؤمن له قدراته.
مفهوم “حرب الحركة”
إن مقتضى مفهوم “حرب الحركة” يُستنبط منه أنها عبارة عن سلسلة من المعارك والاشتباكات واحتكاك القوات بالقوات، عبر مجموعة من المناورات محددة الأهداف معروفة الاتجاهات، تملك العديد من المسارات، تتنقل فيها الجهود من جهة إلى جهة، دون أن يفقد الهجوم زخمه واندفاعته وشدته، سالكة في ذلك مسلك مسيل الماء المنحدر من أعلى المرتفع قاصداً قاعه، فإن واجهته عقبة أو عرض في طريقه عارضٌ؛ التف عنه وسلك مسلكاً آخر، دون أن يحيد عن أصل هدفه، ألا وهو أسفل نقطة في ذلك المنحدر ليعيد تجميع نفسه، فيستقي منه من استقى ويسقي منه من سقى، هذا باختصار تعريف مفهوم ” حرب الحركة” الذي يمكن أن يفهم من الاسم، فلكل من اسمه نصيب.
أهداف “حرب الحركة”
أما عن أهداف هذه الحرب؛ فهي كهدف أي حرب أو نزاع عسكرياً تخوضه الجهات المتخاصمة والذي يتمثل في: تحقيق أهداف المهمة العسكرية المفوضة من قبل المستوى الأعلى للتشكيل الأدانى، بأقل الخسائر وأقصر المدد الزمنية، هذا في المجمل، أما تفصيلاً فأهدافها هي:
- تقليل الخسائر: إن كثرة الحركة وعدم الثبات في جغرافيا محددة والتنقل من مكان إلى آخر، تفرض على العدو حالة من عدم الاستقرار واللا يقين المعلوماتي الذي يحتاجه من أجل تشكيل بنك للأهداف ــ آني أو مستقبلي ـ يمكن من خلال تفعيل قدراته ضده، أن يشكل عامل ضغط علينا، كنتيجة طبيعية لما يمكن أن يوقعه في صفوفنا من خسائر، فتأتي الحركية والتحرك كوسيلة لتقليل الخسائر والحد منها.
- تحقيق المفاجأة: كما أن هذه الحركة وتلك المرونة في التنقل والتماهي مع الجغرافيا، كما أنها تحرم العدو من اليقين المعلوماتي؛ فإنها بذلك تؤمن لنا أحد أهم عناصر تحقيق المفاجأة ألا وهي السرعة، فتحقيق المفاجأة كأصل من أصول الحرب يحتاج إلى سرية وسرعة، لذلك نعتقد أن “حرب الحركة” إن أُحسن التدرب عليها وتأمين متطلبات خوضها وتوفر ظروفها الميدانية والموضوعية؛ فإنها تسلّم لقادة التشكيلات المقاتلة مفاتيح المفاجأة، المفضية إلى امتلاك زمام المبادرة.
- امتلاك زمام المبادرة: إن من تداعيات الضغط على العدو وفرض موقف قتالي غير مساعد له ومنعه من استيعاب الهجوم ومحاصرة تداعياته، ومن ثم تحوله ــ العدو ــ من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، من تداعيات هذا الموقف أن يمتلك التشكيل المهاجم زمام المبادرة القتالية أثناء المناورة، الأمر الذي يمكن أن توفره تكتيكات وإجراءات ” حرب الحركة ” فهي توفر للمهاجم ظروفاً ميدانية ومواقف قتالية تبقي زمام المبادرة بين يديه إلى حين انتهاء المرحلة العملياتية التي يقوم بها وينفذ مناورتها.
- تحقيق أصل الخداع العملياتي: كما أن ” حرب الحركة ” توفير بمناوراتها وحركيتها ومرونة التنقل فيها من جهد إلى آخر ومن سمت إلى سمت، توفر للمهاجم ظروفاً ميدانية تساعده على خداع عدوه عن أصل الهدف من مناورته، كما أنها تفرض عليه ميدان العمل الذي نريد، لا الذي هو يريد.
- تحقيق أصل المرونة في العمليات : إن ميدان المعركة يتصف بمواصفات معقدة جداً، ففيه من الغموض وعدم اليقين؛ ما يجعل أهم التحضيرات الركنية التي تتم قبله تتصف بصفة الـ (التقديرات)، لذلك فإن ما يضعه القادة من خطط وينظمونه من مناورات، إذا لم يتصف بالمرونة والحركية؛ فإن التشكيلات التي تعمل بمقتضى هذه الخطط، سوف تَجمُد في مكانها عند تعرضها لأي مفاجأة لم تلحظها تلك الخطط والتقديرات، وهنا يأتي دور ” حرب الحركة ” التي تدربت القوات على مقتضيات نجاحها لتوفر للتشكيل المناور المرونة المطلوبة للتعامل مع أي مستجد ميداني لم يُلحظ أو ينتبه له أثناء التخطيط والاعداد.
كانت تلك بعض الأهداف والمزايا التي يمكن أن يوفرها اعتماد أسلوب عمل قائم على إستراتيجية “حرب الحركة”، إلا أن استراتيجية العمل هذه تحتاج إلى مجموعة متطلبات ميدانية وإدارية لتنجح في تحقيق أهدافها بأقل الخسائر وأقصر المدد الزمنية، والتي يمكن إجمال أهمها بما يأتي.
متطلبات “حرب الحركة”:
- مساحة جغرافية تسمح بمثل هذا النمط من الأعمال: إن أول متطلب للعمل وفق هذا الاستراتيجية؛ توفر مساحة جغرافية مناسبة تناورها عليها وفيها القوات، فما لم تكن هناك مساحة عملياتية تستوعب حجم القوات والتشكيلات المناورة، فإن تطبيق هذه الاستراتيجية من الصعوبة بمكان، ولا تعد الحركة في تلك المساحات الضيقة سوى نوع من أنواع المناورة التي يتطلبها العمل التكتيكي الميداني، ولا نعتقد أننا يمكن أن نطلق عليها مصطلح ” حرب الحركة “.
- قدرات بشرية عالية الكفاءة والجاهزية (لياقة بدنية عالية): كما أن هذا النوع من الأعمال بحاجة إلى قدرات بشرية ذات كفاءة وجاهزية عالية، قادرة على العمل السريع والتنقل من مكان إلى آخر، والتعامل مع مفاجئات الميدان وتطور مواقفه، مستوعبة للمهمة منسجمة في التنظيم، متمرسة على مختلف المواقف ومتدربة عليها.
- منظومات نار صغيرة الحجم مثبتة الفاعلية : كما أن من متطلبات هذا النوع من العمل؛ توفر منظومات نار صغيرة الحجم مثبتة الفاعلية، قادرة على مواكبة حركة التشكيلات والتنقل معها بشكل سريع، تلبية لمتطلبات المواقف القتالية المختلفة، وهذه المنظومات تبدأ من منظومة القتال الفردي، مروراً بمنظومات نار الاسناد القريب، ولا تنتهي بنار الإسناد البعيدة والمركزية، كون جهود الإسناد هذه سوف تتنقل جغرافياً من مكان إلى مكان لتؤمن للتشكيل المناور غطاء ناري يتحرك تحته، فإن لم تكن صغيرة الحجم عالية الكفاءة، فإنها لن تستطيع أن تواكب تحرك القوات وتطور المواقف.
- التخطيط والقيادة المركزية والتنفيذ اللامركزي: كما أن من مقتضيات هذه الحرب أن يتم التخطيط لها بشكل مركزي، على أن تنفذ بشكل لا مركزي يعتمد على تطور الموقف القتالي، فالتخطيط المركزي والقيادة المركزية من خلال غرف العمليات المركزية التي ترى الصورة النهائية للمعركة التي تشن وتُخاض اشتباكاتها الآن؛ هو القادر على توجيه جهود الحرب الكلية نحو الهدف الرئيسي، أما التنفيذ اللامركزي فهو الذي يضمن ومن خلال اتصاله بغرفة العمليات المركزية أن يتعامل مع تطورات الموقف الميدان بما تقتضيه الحاجة، وأن يحّول الجهود من جهة إلى أخرى، دون الانحراف عن أصل الهدف المراد أو الخروج خارج الاتجاهات العامة للعمليات.
- نظام قيادة وسيطرة C2 آمن وفاعل وكفؤ: ومن أهم متطلبات تنفيذ الأعمال التي تخطط وتدار مركزياً وتنفذ بشكل لا مركزي؛ توفر منظومة قيادة وسيطرة آمنة وفاعلة، تؤمن للقيادة التواصل مع أصغر تشكيل مناور بشكل فاعل وآمن وتجعله على إحاطة كاملة بما يدور في أرجائه وما هو مقبل عليه من مخاطر، فلا يقع فريسة لمصائد وكمائن الأعداء.
- جهاز اسناد ناري فعال وخفيف وخطط نار إسناد مرنة: ومن متطلبات ” حرب الحركة “؛ توفر جهاز إسناد ناري خفيف وفاعل قادر على تكوين قواعد النار المطلوبة لإسناد المناورة البرية بشكل سريع وفاعل، وفقاً لما يتطلبه الموقف القتالي وحالة السيولة والمرونة الميدانية، وسرعة تنقل القطعات المقاتلة من بقعة جغرافية إلى بقعة جغرافية أخرى.
- جهاز دعم لوجستي فاعل: كما لا يمكن تصور تطبيقاً ناجحاً وناجعاً لمفهوم “حرب الحركة” دون توفر قدرات دعم لوجستي تمد المقاتلين في الميدان بمختلف الإمدادات النارية من ذخائر وأسلحة، وكذا الإمدادات الإدارية من الطعام والشراب، ويقوم ـــ جهاز الاسناد الإداري ـــ بعمليات الاخلاء المطلوبة للجرحى والشهداء والإصابات التي تتطلب عملية إخلاء سريع، حتى لا تعيق أو تضغط نفسياً على المقاتلين في الميدان.
- شبكات طرق طولية وعرضية تغطي منطقة العمليات أو منطقة المسؤولية تخدم الخطة القتالية: فالمرونة العالية التي تتسم بها “حرب الحركة” تتطلب وجود شبكات طرق على طول الجبهة وعرضها وفي العمق منها تساعد القوات على نقل جهودها من مكان إلى آخر بفاعلية وقدرة، كما تساعد أجهزة الدعم الناري والإداري على القيام بمهام عملها على أكفأ وجه وبأقل الخسائر في الزمان والمكان المطلوبين. وهنا قد يتبادر إلى الذهن أن هذه الطرق إن لم تكن مجهزة بشكل مسبق فهذا يعني عدم القدرة على العمل؛ وهذا في وجه من وجوهه صحيح؛ لكن ما هو أقرب منه للصحة هو أن تتوفر لدى التشكيلات المناورة قدرات هندسية قادرة على شق طرق ومسارات حركة تستوعب العديد المناور بالتركيب القتالي المتوفر متى تطلب الموقف القتالي ذلك، وهذه القدرات الهندسية تواكب حركة القوات وتنتقل معها من موقع إلى آخر ومن جغرافيا إلى أخرى، فتفتح الطرق وتعد المتاريس وتجهز المواقع المناسبة لقواعد النار بمختلف مدياتها وصنوفها.
كانت تلك بعض متطلبات نجاح العمل وفق استراتيجية ” حرب الحركة “، فما لم تتوفر هذه المتطلبات والمقتضيات، فإن تبني مثل هذه الاستراتيجية سوف يكون مكلفاً وغير ذا جدوى، كونه سوف يعرض التشكيلات المقاتلة الى مخاطر كبيرة جداً أثناء مناورتها وتحركها وانتقالها من موقع إلى آخر ومن محور إلى محور ثانٍ، نختم هذا المقال، بأهم ضوابط العمل وفق هذه الاستراتيجية والتي تجب مراعاتها حتى لا تتحول طريقة العمل هذه من نقطة قوة إلى نقطة ضعف ومقتل للقوات، فلا تحقق أهدافاً ولا تنتهي إلى غايات، ومن أهم هذه الضوابط ما يأتي :
التدابير القتالية لـ “حرب الحركة”:
- المحافظة على زخم الهجوم: إن أهم مواصفات العمل الهجومي هي السرعة والشدة والعنف، وهذا من أهم متطلبات أي عمل هجومي، بحيث توجِد لدى الطرف المدافع صدمة تمنعه من القدرة على معاودة تنظيم النَفس واستيعاب الموقف والتعامل معه بعد احتوائه، وهنا يأتي أصل المحافظة على زخم الهجوم بنفس الوتيرة لخلق مواقف قتالية متتالية ومتسارعة لا توفر للمدافع الفرصة الزمنية المطلوبة لإعادة التوازن. وإدامة زخم الهجوم لا يمكن أن يكون ما لم تواكب قوات المناورة أجهزة دعم ناري وإداري فاعلة وكفؤة توفر متطلبات بقاء زخم الهجوم إلى حين بلوغ المهمة القتالية أهدافها.
- السرعة في نقل وتبديل الجهود: حيث تعد السرعة والمرونة عاملاً حاسماً في تحقيق العمليات القتالية لأهدافها المرجوة منها، الأمر الذي يتطلب أن توزع محاور العمل ومسارات التقرب باتجاه الأهداف على التشكيلات المناورة بشكل يراعي القدرات وجغرافيات العمل، بحيث تكمل الجهود بعضها بعضاً، وبما يساعد على المحافظة على سمت الهجوم الرئيسي إذا ما اضطرت القوات إلى نقل الجهد من سمت متعثر إلى آخر يحقق نجاحات ميدانية ولدية أفضلية عملياتية.
- الإسناد والدعم المتقابل أثناء المناورة: إن كثرة محاور العمل ومسارات التقرب من الأهداف الميدانية للعمليات العسكرية، يتطلب من القائمين على عمليات التخطيط والإدارية المركزية أن يوفروا إمكانية الإسناد والدعم المتقابل لهذه التشكيلات أثناء الحركة، فإن تعثر أحدها سانده آخر، وإن واجهت قوة مناورة موقفاً قتالياً صعباً؛ وفرت لها قوة مجاورة أو موازية لها إسناداً ودعم يخرجها مما هي فيه من مخمصة وموقف خطر.
- توجيه الجهود كلها نحو مركز ثقل العدو الحقيقي: كما يجب أن توجه جميع الجهود القتالية باتجاه مركز ثقل العدو الحقيقي، فلا تنشغل القوات في مناوشات جانبية الهدف منها استنزاف القوات والفتّ في عضدها، فما لم توجه جميع الجهود نحو مركز الثقل الحقيقي للعدو، فإن قوات المناورة سوف تجد نفسها في موقف قتالي واشتباكات ميدانية لا تصب في أصل الاتجاه العام للعمليات، فيطول زمن العمليات وستنزق القدرات.
- استثمار النصر: نختم هذه التدابير بأهمها ألا وهو استثمار النصر، فكون الجهود كلها منصبة على مركز ثقل العدو، وكون التشكلات الميدانية تدار بشكل مركزي يرى كامل الموقف القتالي؛ فإن توجيه الجهود وتركيز القدرات على المحور أو المسار الذي يحقق انتصارات ويقطع المسافات باتجاه الهدف بوتيرة أسرع من غيره استثماراً لحالة النجاح والنصر؛ تعد من أهم التدابير القتالية التي تساعد على سقوط مركز ثقل العدو، الأمر الذي يعني انتهاء العمليات القتالية حكماً، حتى ولو بقيت بعض المناوشات والاحتكاكات هنا أو هناك، فإنها لا تلبت أن تخمد بعد سقوط مركز ثقلها وعقلها المدبر وقيادتها المركزية.
كانت هذه بعض الأفكار حول مفهوم “حرب الحركة” والتي تعد مفتاحاً لها يساعد على فهمها وإدراك متطلباتها، قبل أخذ القرار بتبني مثل هذا النوع من الاستراتيجيات أو طرق العمل، زاعمين أن هذا المقال لم يأتي على كامل متطلبات هذا البحث، الأمر الذي يتطلب جعله محل بحث ونقاش وورش عمل، ليبنى على الشيء مقتضاه. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع