شربل الخوري – صحافي لبناني
” اشترى كل البترون”.
جملة يتم تداولها علناً أحياناً وهمساً في أحيان كثيرة، يسمعها زوار المدينة الساحلية شمال لبنان.
جملة تعكس الجدل الكبير الذي يدور حول الوزير السابق والنائب جبران باسيل.
صهر رئيس الجمهورية والشخصية المسيحية الأبرز والأكثر اثارة للجدل سواء لجهة طموحه السياسي وقرابته من رئيس الجمهورية أو المناصب الرسمية التي تولاها من بينها وزارة الطاقة منذ أكثر من عشر سنوات.
لكن الجدل الأكبر يدور حول أملاك جبران باسيل الذي طالما رفع هو وتياره (التيار الوطني الحر) شعار محاربة الفساد.
هل يملك باسيل طائرة خاصة؟
هل لديه يخوت؟
هل لديه محطات بنزين؟
هل لديه عقارات باهظة الثمن؟
أسئلة وأخبار بقيت ضمن الكلام المتداول الى أن خرج برنامج “يسقط حكم الفاسد” على قناة “الجديد” مع رياض قبيسي وليال بو موسى، ليثبت ملكية باسيل عقارات، وقد أصبح ذلك موثققاً ويمكن الاضطلاع عليه عبر مبادرة “غربال“.
يملك باسيل 52 عقاراً، 51 منها في البترون، 16 عقاراً منها في السوق القديم.
فيما يملك فرنسوا بركات وابنه (وهما شريكا جبران باسيل) عقارات أخرى في السوق، كما يملك رمزي يزبك وهو محامٍ مقرب من باسيل 4 عقارات في السوق.
بحسب ما نشره برنامج “يسقط حكم الفاسد”، فجبران يشتري عقارات عبر يزبك.
اللافت أن باسيل رفع دعوى قضائية ضد “الجديد” وبرنامج “يسقط حكم الفاسد” في قضية عمولات البواخر، لكنه لم يفعل في قضية العقارات.
البترون… والسوق القديم
المثير للاهتمام هو مقاربة باسيل لمنطقة السوق القديم في البترون والتي تبدو بالنسبة إلى أهالٍ التقيناهم في البترون، مقاربة تستنسخ تجربة “سوليدير” التي اشترت أملاكاً وسط بيروت بأثمان بخسة لتحويلها إلى منطقة عقارية باهظة الثمن كما بات معروفاً.
فُتح موضوع السوق القديم بعدما اشترى باسيل وفرانسوا بركات ورمزي يزبك عقارات في السوق المهمل وشبه المقفل، ما عدا بضعة محلات صغيرة، وهنا يوضح أحد سكان البترون المتابعين للملف لـ”درج”، أن “السوق القديم أهمل عن قصد على حساب السوق الجديد أو ما يعرف بشارع البحر، والذي يضم فروعاً لمطاعم لبنانية مهمة ومحلات تأجير دراجات هوائية وأماكن للترفيه”، موضحاً أن “السوق أهمل عمداً وقد اشترى باسيل العقارات فيه بأسعار بخسة جداً”.
ويضيف، “منذ أكثر من عشر سنوات، كانت البترون معروفة بالملاهي الليلية، القريبة من السوق القديم، وعندما ترشح جبران باسيل على بلدية البترون عام 2004 كان على خلاف مع رئيس البلدية الحالي مرسيلينو الحرك، فكما الخلاف السياسي، كان الخلاف في الـbusiness، ولكن عندما اتفقا في الانتخابات البلدية، اتفقا في العمل أيضاً. فانتقلت التجارة فجأة من سوق البترون إلى شارع السان ستيفانو (السان ستيفانو منتجع معروف يملكه مرسيلينو الحرك)، فأصبحت الحياة والحركة هناك، حتى سيطرت العتمة على السوق القديم، بسبب إهماله، وتركه من دون إنارة حتى، في حين ازدهر شارع المطاعم القريب جداً من البحر والحديث نسبياً”.
إذاً ما حصل هو عملية خنق للحياة في السوق القديم، بالاتفاق مع البلدية واستغلال النفوذ، ونقل الحياة إلى شارع جديد في البترون، بموازاة شراء باسيل ورمزي يزبك وفرانسوا بركات عقارات في السوق القديم الميت.
كان بعض أصحاب المحال في السوق يعانون من مشكلة في الإيجارات القديمة، إذ كان المستأجرون وفق عقود قديمة يدفعون مبالغ زهيدة (200 ألف ليرة في السنة مثلاً )، وإذا كان أصحابها قد باعوها لباسيل لعدم تمكنهم من إخراج المستأجرين القدامى، فكيف سيخرجهم باسيل، أو كيف جاء محاميه ماجد بويز لإخراج جهاد ديب من محله (ملحمة البترون الحديثة) في 17 حزيران/ يونيو الماضي، مشيراً إلى أن لديه حكماً قضائياً في ذلك، وكيف استطاع جبران أن يفعل ما لم يستطع الملاك الأصليون فعله في هذا المحل تحديداً!
يقول جهاد ديب لـ”درج” وهو أحد المستأجرين القدامى في السوق القديم والذي يعاني من مشكلة عقارية يتصادم فيها مع باسيل منذ مدة.
ديب يستأجر عقاراً في السوق القديم ويتلقى عروضاً مالية مقابل الإخلاء: “أتى محامي جبران باسيل، ماجد بويز، ومعه شخص من المحكمة، وقال إنني لست مستأجراً هنا ويريد إخراجي بالقوة، في حين أن أبي لديه استثمار في المحل منذ عام 1951، وقد استأجره حينها من صاحبه جورج خباز، وانتقلت ملكية المحل، إلى إن اشتراه جبران باسيل، فماذا يريد جبران، هل يريد إخراج أهالي البترون من محالهم وأرزاقهم؟”.
المشكلة كما يصفها جهاد ديب أن جبران باسل اشترى محالاً في السوق القديم منذ أشهر، وأغلب الاستثمارات في السوق هي ايجارات قديمة، أي مقابل مبالغ رمزية في السنة، بسبب المشكل القانوني حول هذه الإيجارات، ويبدو أن جبران باسيل استطاع جلب قرارات من المحكمة لإخراج جهاد ديب وربما غيره من المستأجرين أيضاً.
“أتى فرنسوا بركات (صهر جبران) وفاوضني قائلاً: منعطيك مصاري بس طلاع من المحل. أنا أعيش من هذا المحل، فليدعني وشأني جبران”، قال ديب لبركات، وهو لا يزال في محله إلى هذه اللحظة، إنما على مضض.
“محلي يعيق جبران باسيل، لأنه يقع في وسط محال جنباً إلى جنب أصبح يملكها باسيل، إذا استطاع إخراجي، يمكنه أن يفتح المحلات على بعضها، على واجهة السوق القديم” يختم جهاد ديب حديثه.
عملياً، يحاذر كثيرون الحديث علناً عن التضييقات التي يمارسها جبران، وهو ما ظهر في جولتنا، ففي حين قبل البعض التحدث أو من دون ذكر أسماء، عمد آخرون الى نفي أي معلومات عن دور باسيل في التضييق على أصحاب المحال في السوق القديم. ففي بلد مثل لبنان، يتحاشى كثيرون الصدام مع ذوي النفوذ والسلطة.
والتضييق ليس وليد اللحظة، وليس محصوراً بالسوق القديم وحسب، بل بدأ منذ أشهر، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حين مورست ضغوط على محلات على البحر، مثل O glacee، بسبب نيات “قوى الأمر الواقع” في البترون إقامة منتجع كبير مكان المطعم ونادي اليخوت.
حركة شراء العقارات ناشطة في البترون، بقيادة باسيل وجماعته، إضافة طبعاً الى رجل الظل فرنسوا بركات، فهل ستكون البترون وملاكها القدامى ضحايا جدد لعملية استغلال السلطة والنفوذ، وهل نرى سوليدير جديدة قريباً؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع