د.وفيق إبراهيم
يوجّه الأميركيون حركتهم العسكرية العالمية من الانسحاب والتقدّم بما يخدم تطويق البلدان التي تمارس ضدهم سياسة عدائية علنية.
واحدة من هذه البلدان الأساسية هي افغانستان التي يحاول الأميركيون الخروج منها بعد سنوات خمس من احتلال فتك الجيش الأميركي فيها بالهزارة إنما من دون ان يتمكنوا من الحاق أذى كبير بهم ويتركون ما اطلق عليه الخبراء العسكريّون بسقف العالم أي افغانستان التي لم تعصَ على محتل. ألم يسبق لها أن سحقت الإيرانيين والمغول والهنود والإنجليز وأخيراً الأميركيين الذين لقنتهم دروساً عظيمة في فنون مقاومة الغازين الغادرين.
اليوم بعد عدة سنين من الاحتلال الأميركي الذي أصيب بيأس في عملية تطويع جبال افغانستان الضروس الملأى بمئات آلاف المقاتلين المدجّجين بكل أنواع السلاح، ما هو طريف هنا أن أبواب التسليح الأفغاني من روسيا مفتوحة في مرحلة الاحتلال الأميركي لها ومفتوحة أيضاً أميركياً عندما يكون المحتل روسياً، من دون أن ننسى الأدوار الانجليزية والباكستانية والصينية، فأفغانستان بلد عجيب تكرهه كل الدول المجاورة له وترتبط كل الدول المجاورة بعلاقة حميمة معه.
نحن إذاً في مرحلة انسحاب أميركي من سقف الأرض افغانستان أعلن عنها الأميركيون بوضوح غريب تاركين المنطقة لصراع روسي صيني باكستاني وربّما من جنسيات جديدة. ما هو مهم هنا أن أفغانستان لن يعتريها هدوء وهي المحاصرة بالصين من جهة وروسيا من جهة ثانية وإيران من جهة ثالثة وباكستان من جهة رابعة.
هذا بالإضافة الى جوارها لباكستان وبلدان أخرى في المنطقة.
إنها جبل من لبنان لا ينقصه إلا رمي النار على الوقود. وكان الله يحبّ المحسنين.
بداية تحتوي أفغانستان على الهزارة الإسلاميين أقوى قوة على طول مدى افغانستان والجيش الأفغاني الذي لا يصل الى قوتها، لكنه ليس ضعيفاً. ما يمنح الهزارة قوة اساسية هي تلك الجبال العمودية والسفوح القاسية التي تقطعها من الشمال الى الجنوب مع قدرة فائقة على اختراق الحدود المجاورة وبسهولة فائقة. هذا هو سقف العالم التي لم يسبق أن ألحق بها أحد هزيمة مدوية لا بل بالعكس فهو الذي أرسل هزائمه بالبريد الحربي الى كل دول الجوار، معلناً سلسلة انتصاراته على الجميع بما فيها الفتوحات الإسلامية التي توقفت عند سفوحه. الصين بدورها المجاورة لأفغانستان لم تتمكن مرة واحدة من احتلالها وظلت تقيم معها سياسات وتقارباً على حساب إلغاء كل مشاريع الحروب.
لجهة روسيا، فحاولت أكثر من مرة احتلالها، لكنها لم تفلح خصوصاً حين تلقت دعماً من الإسلاميين السعوديين والجيش الأميركي وحين احتلها الإيرانيون دعمها الأميركيون والسعوديون في عنف معارك وقعت في المنطقة حتى نجح الهزارة في طرد الإيرانيين من أعالي قمم جبالهم، وما كاد الإيرانيون يرحلون من تلك القمم حتى انتشر بدلاً منهم جيش أميركي لا يزال حتى اليوم يعبث بأجزاء من افغانستان، لكن شراسة الهزارة أدت الى تقلص الانتشار الأميركي الى المدن الافغانيّة الكبرى قريباً من مواقع انتشار الجيش الأفغاني.
لكن المقاومة الأفغانية أدت دوراً خالداً في تقلص الأميركيين العسكريين المحتلين وتمكنت بالعمليات البطوليّة التي شنوها على طول بلادهم وعرضها من دحر الجيش الأميركيّ ومعه القسم الأكبر من الجيش الأفغاني الموالي للأميركيين.
وفجأة أعلن الأميركيون عن بدء انسحابهم من أفغانستان في حركة أرادوا منها التخفيف من خسائرهم في هذا البلد وإعادة الصراع القديم الى حالته الأولى وهو صراع ثلاثي عنيف يبتدئ مع إيران حيث التنافس الأفغاني معها سني – شيعي اي انه مفتوح ويعود الى بدايات السبعينيات أما التنافس الأفغاني مع الروس فهو مدنيّ وقويّ جداً جرّبته روسيا ولم تربح وأخيراً وجدت نفسها مضطرة الى الانسحاب، أما مع الصين فهو صراع أفغاني مع الشيوعيين وصعب جداً لأنه يتطرق الى سفوح وتضاريس مفتوحة على بلدان تريد بكامل قناعة تسليح أفغانستان في وجه الصين وروسيا وربما باكستان وأيران بشكل أكيد.
هنا يعتقد الأميركيون أن أسواق إيران وباكستان قد تصبح مفتوحة أمام السلاح الأميركي في كل وقت شرط تمكّن الهزارة من إلحاق هزيمتها المعتادة بهم، وهذا امر ممكن لأن الهزارة يجيدون القتال الشعبي وسبق وانتصروا بواسطته على ثلاث قوى الروس، الإيرانيين والأميركيين من دون نسيان الجيش الأفغاني الذي تلقى درساً في فنون القتال الشعبي.
ما هي نتائج الانسحاب الأميركي من افغانستان؟
الأميركيون مقبلون على دعم الهزارة في حرب ضد إيران وربما ضد الروس وهم قادرون على الفتك بالطرفين.
والسؤال هو هل تفضل الهزارة بناء أفغانستان من جديد أو إعلان حروب جديدة؟
هناك مَن يعتقد أن السعودية بتحريض أميركي قد يموّلون هزارة قوية يتجه قسم منه نحو إيران وقسم آخر نحو المناطق الإسلامية في روسيا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع