ترجمة منى فرح
نشرت دورية “ميدل ايست آي” (Middle East Eye) تقريراً بعنوان “السعودية والإمارات: عندما يختلف وليا العهد”، يُقدم من خلاله أندرياس كريغ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في جامعة “كينغز”- لندن، تحليلاً موضوعياً للعلاقة بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، هذا نصه الحرفي. “أدى الاختلاف المتزايد والتباين المتسع في المصالح بين الجارتين الخليجيتين إلى حدوث تصدعات خطيرة في القشرة الرقيقة لـ”الوفاق الإستراتيجي” الذي تم الترحيب به في السابق. شكّلا ثنائي قوة الخليج في حقبة دونالد ترامب: وليا العهد والحاكمان الفعليان للإمارات والسعودية هزَّا المنطقة، وفرضا إرادتهما على جيرانهم. منذ أن أخذ رجل أبو ظبي القوي محمد بن زايد (MBZ) محمد بن سلمان (MBS) تحت جناحه في عام 2015، لم يبدُ أن هذا الأخير كان منزعجاً من أن يتم تصويره على أنه الشخص “المحمي” من قبل الأول. كانت الفكرة السائدة في الرياض أن شكل “التحرر السلطوي” السائد في أبو ظبي يمكن أن يكون نموذجاً يُحتذى به، ويُخرج المملكة من العصور الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين. ولكن، وعلى مدار العامين الماضيين، اتضح للدائرة المقربة من محمد بن سلمان أن الجار- الحليف المفترض لم يكن مهتماً بتحقيق مواقف مفيدة ومرضية ومربحة لكلتا الدولتين. بدلاً من ذلك، فإن العقلية التي تعمل بها الإمارات بشكل حاسم، والقائمة على معادلة “صفر خسارة” (الخسارة الصفرية) – شجعتها سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الشرق الأوسط – كانت غالباً تأتي على حساب المصالح السعودية. لحظة إنتخاب بايدن يُمكن القول إن صعود الإمارات العربية المتحدة، كأقوى دولة عربية على مدى العقد الماضي، كان ممكناً فقط لأن أبو ظبي تسعى بلا رحمة من أجل تحقيق مصالحها الخاصة فقط، دون أن تهتم كثيراً للصراع الذي تخوضه الرياض من أجل سمعتها في واشنطن، والمخاوف الأمنية في اليمن، والحاجة المُلحة للتنويع الاقتصادي والاعتماد الوجودي على أسعار مستقرة للنفط. منذ العام 2019، أدى الاختلاف المتزايد والتباين في المصالح بين الجارتين إلى حدوث تصدعات خطيرة في القشرة الرقيقة لـ”الوفاق الإستراتيجي” الذي تم الترحيب به في البداية. ففي السنوات الأخيرة، كانت العلاقة بين الرياض وأبو ظبي مضمونة بفضل التآزر الأيديولوجي على السرديات الإستراتيجية الكبرى المناهضة للثورة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك إضفاء الطابع الأمني على الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين، والمجتمع المدني على نطاق أوسع. لقد أصبح من الواضح أنه في عهد بايدن، ستسحب واشنطن تفويضها المطلق لكل من الرياض وأبو ظبي للقيام بما يحلو لهما في المنطقة. ما يعني أن كلا الدولتين بحاجة اليوم إلى شراء الإئتمان من الإدارة الجديدة والديموقراطيين في واشنطن وفي حين أن أوجه التآزر تلك لا تزال قائمة، فإن العامل الآخر الذي ساعد في الحفاظ على هذه العلاقة الثنائية بشكل تقليدي – أي الروابط الشخصية التي تجمع بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان – قد ضعف هو الآخر، فالعلاقة بين زعيم وزعيم تراجعت بشكل ملحوظ منذ انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن في كانون الثاني/يناير الماضي. شراء الإئتمان السياسي في حين عمل الزعيمان، في ما مضى، على توطيد علاقتهما وتقاربهما من بعضهما البعض من خلال التشارك في رحلات الصيد وتبادل الزيارات الرسمية والمكالمات الهاتفية، لم يتحدث بن سلمان وبن زايد مع بعضهما سوى مرة واحدة فقط منذ انتهاء عهد ترامب، وفقاً لتقارير صحفية (آخر لقاء عقد بينهما كان في جدة في مطلع أيار/مايو الماضي). لقد أصبح من الواضح أنه في عهد بايدن، ستسحب واشنطن تفويضها المطلق لكل من الرياض وأبو ظبي للقيام بما يحلو لهما في المنطقة. ما يعني أن كلا الدولتين بحاجة اليوم إلى شراء الإئتمان من الإدارة الجديدة والديموقراطيين في واشنطن. وبدلاً من الظهور كمتنمرين في المنطقة، يحتاج كلٌ من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد إلى إعادة صياغة صورتيهما كلاعبين بصفات ايجابية وبنَّاءة، حريصين على دعم سياسة إدارة بايدن الإقليمية الناعمة والمتمثلة في “القيادة من الخلف”، أي التوجيه فقط – مثل راعي يرعى قطيعاً. عندما تم انتخاب ترامب في عام 2016، قام محمد بن زايد شخصياً بزيارة فريق ترامب في نيويورك، ودفع بقوة باتجاه أن يكون “محميته” محمد بن سلمان الملك القادم للسعودية. بعد أربع سنوات، ومع انتخاب رئيس ديموقراطي لأميركا، تحاول الإمارات- وبشكل ملحوظ – خلق مسافة بينها وبين القيادة السعودية. لقد بات ينظر إلى أي ارتباط بمحمد بن سلمان على أنه تشويه محتمل للجهود التي تبذلها الإمارات لتغيير صورتها. دفع المملكة إلى مغامرات بعد الأعباء والضغوط التي وضعت نفسها تحتها، بانضمامها لمشاريع مشتركة مع موسكو في ليبيا، ومغامراتها مع المرتزقة في اليمن، وظهورها كمنافس للصين في مجال المعلومات العالمية، أثبتت أبو ظبي أن العقلية المستندة إلى معادلة “صفر خسارة” تعني أنها مستعدة للإلقاء بـ”الحليف الإستراتيجي”.. “تحت الحافلة”. مع خلع القفازات، يتوق محمد بن سلمان لإظهار أن أبو ظبي كانت تتفوق على وزنها، وأن هناك حدوداً للقوة الذكية في تعويض نقص الحجم كانت الحرب في اليمن، التي ساهمت الإمارات في تأطيرها على أنها “بقيادة سعودية”، هي الساحة الأولى التي تلقى فيها القادة السعوديون درساً مفاده أن سياسة الإمارات يمكن أن تكون في قمة القسوة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على مصالحها الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب المملكة العربية السعودية. وفقاً لمصادر مقربة من القصر السعودي، أثار البعض في دوائر محمد بن سلمان، مخاوف من أن محمد بن زايد ربما دفع المملكة إلى مغامرات محفوفة بالمخاطر من أجل إنشاء درع يمكن للإمارات من خلاله تعزيز مكاسبها في جنوب اليمن. ففي حين اضطرت المملكة لتحمل أعباء تشغيل العمليات العسكرية والسمعة التي تكبدتها جراء الحرب المكلفة ضد الحوثيين في الشمال، ضمنت أبو ظبي موطئ قدم لها على طول الساحل اليمني المهم إستراتيجياً عبر بديلها – المجلس الانتقالي الجنوبي. تُركت في العراء أدى الصعود الشبيه بالمذنب للإمارات العربية المتحدة وسط إقليم يعاني من فراغ السلطة، نتيجة فك الإرتباط من قبل الولايات المتحدة، إلى خلق وهم لدى أبو ظبي بأنها، وكـ”قوة وسطية جديدة في الخليج”، لن تحتاج إلى الإستسلام أو الخضوع لأي طرف. المواجهة المستمرة بين الإمارات والمملكة داخل منظمة (أوبك+) النفطية تُظهر أن أبوظبي واثقة من تمسكها بموقفها. فالإمارات لن تساوم على مصالحها الوطنية، حتى لو كان ذلك على حساب المملكة السعودية، كما هو الحال مع تجاهل أبو ظبي الصارخ لحصص إنتاجز “أوبك”. وبخصوص حصار قطر، الذي قاده محمد بن زايد وتبعه محمد بن سلمان عن طيب خاطر، فقد أبدت الإمارات استعداداً متواضعاً للغاية لتقديم تنازلات. وبرغم تكبد الحليفين الخليجيين تكاليف متزايدة من الناحية السياسية ومن ناحية السمعة – خاصة في واشنطن – جراء استمرارهما في هذا الحصار، إلا أن أبو ظبي كانت على استعداد لدعم بقاء هذا الحصار لصالح حملتها المضادة للثورة. إنتهى شهر العسل في النهاية، انشقت السعودية وتركت البراغماتية تسود. إنهاء الحصار كان الإشارة الأولى على أن القيادة السعودية في الخليج بإمرة محمد بن سلمان. اعتبرتها الرياض فرصة رابحة لكل من الرباعية المُحَاصِرة (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) وقطر المُحَاصَرة في آن. من ناحية أخرى، كانت أبو ظبي قلقة للغاية بشأن وتيرة وعمق التطبيع، الأمر الذي لم يضغط فقط على الإماراتيين للوقوف في الصف، بل سمح لمحمد بن سلمان بجني الرسائل الإيجابية من وراء ذلك. هذه كانت البداية فقط. فبعد أن تركتها جارتها مرة أخرى في العراء، شرعت السعودية، منذ ذلك الحين، في إستراتيجيتها الخاصة الأكثر حزماً للتنويع. فالسياسات الاقتصادية الجديدة للمملكة، التي تسعى لجذب الاستثمارات من شركات متعددة الجنسيات مقرها في الإمارات، تستهدف بشكل مباشر قصة نجاح دبي التي وقعت في مأزق اقتصادي منذ بداية جائحة كوفيد -19. إن الطبيعة غير البنّاَءة لهذه المنافسة تعني أنه أصبح من الصعب أكثر من أي وقت مضى خلق مواقف مربحة للجانبين. وبما أن محمد بن سلمان يجلس الآن بقوة أكبر في مقعد السائق في الرياض، فإن فترة شهر العسل بين وليي العهد قد انتهت بالتأكيد. مع خلع القفازات، يتوق محمد بن سلمان لإظهار أن أبو ظبي كانت تتفوق على وزنها، وأن هناك حدوداً للقوة الذكية في تعويض نقص الحجم. ومع ذلك، لا تزال العلاقة بين الطرفين مدعومة بأوجه التآزر الأيديولوجي بسبب مخاوفهما المشتركة من الإسلام السياسي، ومن جماعة الإخوان المسلمين، وأي حِراك من المجتمع المدني. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا كافياً لمنع وقوع أزمة خليجية أخرى”.
نقلاً عن Middle East Eye