قنبلة موقوته
مشاهدات يومية
نشاهد في الميكرو باص الناس يتكدسون فوق بعضهم البعض, والمشكلة الكبرى هي حين يتوقف السائق لانزال بعض الركاب, فيتزاحم ويتدافع الناس الواقفين في الشارع باتجاه باب السرفيس, وربما نزل احدهم ليفسح المجال للأخرين للنزول فيفاجئ الذي نزل ان السرفيس امتلئ واصبح هو على الارض, وعندما يطالب بمقعده تعم الفوضى ويصرخ السائق وهو غاضب ثم يتحرك مسرعا بمعنى انه ( يشفط) وربما رمى احدهم على الارض ولا حياة لمن تنادي.
في الميكرو او التكسي وبشكل يومي رغم هذا الحر الشديد والعرق والزحام يشعل احدهم سيجارته وينفخ الدخان بوجهك, واذا طالبته بأدب ان يطفئ السيجارة, يكون رد فعله الاقل ضررا والاكثر اخلاقا من جهته ان ينظر اليك شذرا ثم يلتفت ويكمل سيجارته مظهرا تمتعه بها وعدم اكتراثه بك, وبقية المشهد انتم تعرفونه لأنكم اكيد عانيتم من هذا الامر سابقاً.
اما على الفرن وعندما تصل ستلوح لك من البعيد الصفوف المتراكمة والمموجة والمتداخلة بحيث لا تستطيع فهم اين الدور على الخبز, وعندما تسأل ستسمع عدة تعليقات لاذعة من الناس قبل ان تحصل على الجواب, وهناك في طابور الانتظار ستواجه عقبات عدة تمس كرامتك ووجودك وكيانك بأكمله حين ترى مخترقي النظام ومتجاوزي الدور (المدعومين ) وهم يتقدمون الى منظم الدور المزمجر والذي كان قبل قليل ينظر علينا مفاعيل النظام واننا خراف ولن نصبح بشر ابدا, يتقدم نحوه ويتجاوزه وربما ضربه بجانب كتفه فيبتسم له هذا المنظم ويداعبه وذاك الحقير لا يرد عليه ولا يبتسم في وجهه حتى, ويأخذ هذا الثور خبزه ويذهب.
ونشاهد في دور القضاء المجازر التي ترتكب باسم العدالة تحت قبة قصر العدالة, ابطالها مواطن له اخ او ابن او قريب مسجون, ومحامون يمثلون قطعان من الذئاب تنهش لحم الفريسة بنهم وجشع وعدوانية دون اي رحمة او انسانية, وقضاة فاسدون لا يخشون شيئا محميون بحصانة تمنحهم حق اكل البشر احياء دون ان يرف لهم جفن, اتحدى ان يكذب هذا الواقع احد.
في المشافي والعيادات هنا ستتألم جدا وبعدة نواحي وطرق اثناء المشاهدة فأنت تعتبر انها مهنة انسانية وان الاطباء بزيهم الابيض ملائكة بأجنحة, الا ان الواقع ان الامر كله تجارة بتجارة وسيختلف سعر العمل الجراحي بين طبيب واخر وربما طعن بعضهم بظهر بعض, وفي الانتظار في العيادات والمشافي سيكون وقع الالم النفسي عليك اكبر من مشكلتك الطبية حيث سترى ايضا التبعيض و التجاوزات في المعاملة فيدخل قبلك اناس قدموا للتو الى العيادة ا المشفى وسيبرر لك الموظف او الموظفة اذا تجرأت وسألتهم, انه فلان الم تعرفه.
المشاهد كثيرة وربما سيطول الحديث عنها كثيرا, فما الذي يحدث وماذا خسرنا وماذا نحتاج؟
هذا هو السؤال المهم والجواب:
اننا خسرنا ما تبقى من المنظومة الاخلاقية بأكملها في نفوسنا واصبح واقعنا غابة والبقاء للأقوى.
اننا نحتاج الى علاج عاجل وشديد وصارم جدا لكي نتعلم العودة من هذا الطريق ونسلك جادة الاخلاق مجددا, فنتطور ونتجه نحو ان نكون بشرا بخلاف ما وصفنا اخينا منظم الدور في الفرن باننا خراف ونحتاج وقت طويل لنصبح بشراً.
الجميع مسؤولون عما يجري وما وصلنا اليه, وفي المقدمة تقع المسئولية على من يديرون الامور في كل مناحي الحياة في بلادي, وعلى علماء الدين من جميع المذاهب والديانات, فلقد تحول رجال الدين الى مسوقين لأفكار منحرفة تبرر انهم على حق والاخرون على باطل, وبالتالي يجب اتباعهم هم وحدهم لا شريك لهم, ويجب تقديم الطاعات والقرابين والنذور والزكاة والاتاوات و الهبات باسمهم ولهم فقط.
ان طرح الاشكال لوحده غير مفيد, بل يجب على كل من يتصدى لمواجهة التفكك الاخلاقي والاسري والمجتمعي ان يطرح الى جانب توصيف الاشكالية حلول لها.
وبنفسنا سنبدأ في هذا النهج فنقول:
ان العودة الى ما فقدناه من اخلاق ورحمة ومودة اجتماعية يحتاج الى علاج المشكلة الاساسية لا الى علاج المظاهر والاثار المترتبة عليها( بمعنى ان المخدر والمسكن لا ينفع في العلاج), وتتلخص المشكلة الاساسية بنقص حاد في الموارد سببه الحصار وبالتالي الشعور بالخوف, وعلى الحكومة والقيادة في بلدي ان تخاطب الناس وتضعهم في صورة الموقف تباعا وان تخاطبهم بلغتهم وكما يفهمون, صدقوني حين يخرج علينا وزير او مدير ما وينظر علينا ان الامور بخير وان الموارد تكفي وان المشكلة سببها المواطن وخوفه, فهو انما يصب الوقود على النار ولا يعالج شيئا من المشكلة, لماذا الجواب بسيط لأنه مقيد وغير شجاع وحريته في التصرف مصادرة وبالتالي فهو كبش محرقة يذبح حين الحاجة.
ربما اعطيتكم قبس من اشعاع الحل ولكم ان تكملوا بقية التفاصيل, وربما عرفتم اين المشكلة وما هو الحل.
ملك الموسوي