علماء الدين الشيعة ينكفئون بأمرٍ “إلهي” هل نجح “حزب الله” في ما فشل به العثمانيون؟
فلنترك لهم الكلام، فلنتركه للأكاديميين الشيعة، للسيّاد وعلماء الدين الذين خرجوا، أو أخرجوا، من قلب المعادلة لأنهم تجرأوا وقالوا أمام “حزب الله” والثنائي الشيعي: لا نقبل ولا نوافق. هؤلاء يتحدثون في السرّ والعلن عن أسوأ أنواع التنكيل والإضطهاد في حقّ علماء الدين الشيعة والنخب المثقفة. نتذكر لقمان سليم. نتذكر الشهيد لقمان الذي طالما حكى وأسهب في الموضوع وانتهى لقمة سائغة شهيداً. من قتله؟ سؤالٌ يستمر يتردد. لا نتهم بل نسأل.
علماء الدين المعارضون يبتعدون واحداً تلو واحد عن لبنان. الشيخ محمد علي الحاج موجود اليوم في فرنسا. والسيد علي الأمين يقال انه في فرنسا أيضاً. ومثلهما أمثلة. وهذا ما لم يجرِ حتى أيام التنكيل العثماني. وهذا ما جعل بعضهم يُشبّه حكم “حزب الله” فيهم كما حكم قراقوش. فهل يكمل “حزب الله” دور العثمانيين ضدّ شيعة لبنان؟
حكم الثنائي
هناك من قد يستفزه هكذا كلام لكن الإختباء خلف الإصبع، خصوصا في هذا الزمن البائس، أصبح أشبه بتدمير ذاتي. وهناك من ذهب أكثر من ذلك مردداً: أن ممارسات “حزب الله” في حق مشايخ الشيعة باتت أسوأ من ممارسات أحمد باشا الجزار بحق علماء جبل عامل. فهو ينهي بممارساته دور أصحاب العمائم الكبار لصالح بعض المعممين السطحيين الذين لم يصلوا بعد لمراتب علمية.
يتحدث هؤلاء عن إنصياع المعممين الصامدين في لبنان للثنائي الشيعي في شكل شبه كامل “فقلما نجد أصحاب آراء حرة وأصوات معتدلة في الوسط الديني الشيعي. فها هو العلامة السيد علي الامين، الذي درّس الكثير من قادة الحزب والحركة، وصاحب موقع متقدم في الساحتين العربية والإسلامية، في دائرة المحاكمة”. والتهمة الأسهل على الدوام : الإجتماع بالعدو والتحريض وإثارة الفتن. “فممنوع فتح ملفات لا يرضى عنها “حزب الله”، أو تكشف ممارسات “حزب الله”، وهو ما فعله الشيخ محمد علي الحاج العاملي، بمعاونة الشهيد لقمان، حين فتحا ملفات حساسة في المجلس الشيعي والمحاكم الجعفرية وأداء “حزب الله” وحركة أمل”.
شاهدنا الوزير السابق إبراهيم شمس الدين يقف أمام نصب لقمان سليم في حديقة منزله ويتلو آيات قرآنية. هو صلى له وعلى الأرجح الى كل القلقين. فهو إبن الراحل الإمام محمد شمس الدين، رفيق الإمام موسى الصدر، الحيوي، الذي طالب الشيعة دائما بتأكيد إنتمائهم الى لبنان وولائهم له.
ماذا فعل “حزب الله” بلبنان؟ ماذا حصل بلبنان في زمن الشيعية السياسية؟
المفكر السياسي أنطوان نجم تناول الموضوع فقال: “خرج شيعة لبنان من مستوى حضورهم السابق بعدما انتشر فيهم “حزب الله” بنفوذه وقدراته التنظيمية والمالية المستمدة من مبتدعه الإيراني، ورعاية آل الاسد حكام سوريا، لذا ارتقت إمكاناته على اختلاف أنواعها. وتزايد نفوذ الشيعية السياسية بعدما تمكن “حزب الله” من إيقاف عمل مجلس النواب في العام 2008 وتجميد الحياة السياسية والإقتصادية في احتلاله وسط بيروت، ومحاصرته سراي الحكومة، وفرض شروطه على الدوحة، بعد “اليوم المجيد” (كما وصفه حزب الله نفسه) في العام 2008. نحن الآن إذاً في قلب زمن الشيعية السياسية التي تهيمن عليه سلطة “حزب الله”، زمن يكاد يمحو إتفاق الطائف في جوهره. واللافت أن الشيعة أنفسهم، على الرغم من كل ما حققه “حزب الله” متوترون، غير مطمئنين الى المستقبل، يشعرون بأن عداوة بعلوّ الجبال تضيّق عليهم الخناق في الداخل والخارج، على الرغم من تصور “حزب الله” الراسخ أنه قادر على الإمساك بزمام المصير نهائيا”.
إذا كان الشيعة، أولاد البلد، الناس العاديون، قلقين من المستقبل فما بالكم برجال الدين الشيعة، المعممين، الذي دورهم ينتهي عند حدود مشيئة ذاك الحزب؟
إحتواء
“حزب الله”عمل على إحتواء أكثر من نصف المشايخ الشيعة في لبنان وهو يدفع الى الحوزات التي هي بمثابة الإكليريكيات عند المسيحيين، مبلغ 5000 دولار شهرياً. وهو نجح الى حدّ كبير في إلغاء الحيوية الشيعية. فحتى صبحي الطفيلي، أول أمين عام لحزب الله، الذي طالما حذر من أن زج إيران للحزب في المعركة في سوريا سيفتح الباب أمام حرب بين السنة والشيعة، وقام بإعلان ثورة الجياع في 1996، إتخذ الحزب قراراً بفصله من صفوفه. وللطفيلي ملف قضائي مفتوح دائما يُمسك الحزب به ويشد كلما حلا له ذلك. وتكرّ أسماء رجال الدين الذين اختفوا من الساحة لمصلحة “المعممين” التابعين للحزب. ومن هؤلاء الشيخ زهير كنج الذي يكتفي اليوم في إدارة محل غاز في منطقة الشياح. ولم ننس ذاك الشيخ الذي صلى على ضريح لقمان سليم فأنّب وتراجع. كثيرة هي الأسماء التي كانت أمام أمرين لا ثالث لهما: إما المهادنة أو التكفير. فالحزب لا يقبل بوجود شريك له في البيئة الشيعية. مثله مثل ممارسات السلطنة العثمانية. ويعود بعض هؤلاء الى ذاك الزمن الذي “هشل” فيه من لبنان أكثر من ألف عالم ديني من كبار رجال دين جبل عامل الى إيران وساهموا في بناء الدولة الصفوية والنهضة في الدولة الفارسية.
فلنعد الى العلامة السيّد علي الأمين. ماذا عن ملفه المفتوح؟
إبن العلامة السيد حسن الأمين يقول “أجّلت جلسة العلامة لسببين: إضراب المحامين والسبب الثاني هو عدم إستكمال المدعين مواردهم. وفي الحالتين يرتاح الحزب الذي يبقي على سيف القضاء مصلتاً على الرقاب. ويستطرد بالقول: “من لا يقبل بالرأي الآخر خارج طائفته كيف سيتقبله داخل الطائفة الشيعية. وهو الذي اعتاد أن يُمسك بكل الدولة على اختلاف طوائفها”.
دقيق هو كلام السيد حسن الأمين لكن أجمل ما فيه هو الأمل الذي يستمر ظاهراً بقوله “الإضطهاد مصيره الى انتهاء. ولن يستمر. فمشروع حزب الله غريب عن لبنان واللبنانيين وطرحه ولاية الفقيه ليس أبداً كما يصوّره حزب الله بأنه كما دور الفاتيكان. فالفاتيكان لا ترسل صواريخ وأسلحة”. يضيف: “نحن لدينا في الدين الأصول الدينية والفروع الدينية وليست مذكورة لا في الأصول ولا في الفروع ولاية الفقيه. والوالد (العلامة السيد علي الأمين) سبق وقال: ولاية الفقيه ليست عابرة للطوائف والقارات. وحدودها إيران فقط. والمشكلة الأخرى أن الحزب أراد من علماء الدين الإنكفاء. فليس مسموحا لأحد من اللبنانيين أن يبني علاقة مع الشيعة خارج الحدود التي يحددها هو. لذا المطلوب اليوم وبإلحاح كسر هذه الحلقة بين اللبنانيين، حتى ولو كان الحزب أراد من تلك الحلقة أن يقول أن ما يحصل شيعياً لا يخص إلا الطائفة والمذهب”.
غياب الديمقراطية
الأمر الثابت الذي لا يختلف إثنان حوله هو غياب أية ديموقراطية في الوسط الشيعي. وما يحصل منذ أعوام وأعوام في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أفضل مثال. ونستذكر هنا نص الدعوى التي تقدم بها ذات يوم كل من الشيخ محمد علي الحاج وراشد حمادة ولقمان سليم أمام مجلس شورى الدولة، في شأن التسيب القانوني في مؤسسة المجلي الإسلامي الشيعي الأعلى. لقمان قتل والشيخ العاملي في فرنسا حالياً وراشد حمادة ما زال ينتظر. والتسيب يستمر. وما يريده حزب الله ما زال يحصل. نعود الى النص ونقرأ فيه: “إن السعي الى إصلاح واقع حال الطائفة الشيعية، واستطراداً الى إصلاح مؤسساتها العامة، وفي الطليعة منها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إنما هو سعي لتصحيح المشاركة الشيعية في الحياة اللبنانية. من هنا، فإن التصدي لواقع الحال هذا لا يكون إلا بتتبع مواطن الخلل وتشخيصها والعمل الإيجابي الجاد على إحتواء هذا الخلل.
رجال الدين الشيعة ممن أبوا ان يكونوا حملانا في دائرة “حزبُ الله” قالوا “الساكت عن الحق شيطان أخرس”. وهناك من زاد “البناء يحتاج الى مخاض. والخوف الذي يعتري كثيرين ويمنعهم من الكلام سيتحول الى غضب والغضب لا بد أن يثمر”.
نحن في الزمن الصعب، في أسوأ زمن، فهل الغضب ما زال مجدياً؟ سؤالٌ يبقى مطروحاً.