“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
لم تعد الأزمة الإقتصادية في لبنان، تقتصر على جهة أو طائفة دون أخرى، ولا على حزب دون آخر، فجميع اللبنانيين أصبحوا في خندق واحد يواجهون عدوّاً إسمه الفقر. أمّا ما يخرج من تطمينات من هنا أو هناك عبر جهات سياسية أو حزبية، تبقى مُجرّد مُحاولات للتخفيف من حدّة الإحتقان الشعبي داخل كل طائفة ومذهب، وبالتالي، هي أشبه بحبوب مُسكّنة يذهب مفعولها بمُجرّد إنتهاء صلاحيتها، ليعود بعدها المريض إلى واقعه ومُعاناته مع أمراضه المُتشعّبة.
ما سبق، وإن كان ينطبق على جميع اللبنانيين من دون استثناء، إلّا أنه يُوصّف الحالة الشيعية في لبنان من كافة الجوانب، إذ أن الوعود التي تُطلقها الأحزاب، وتحديداً “الثنائي الشيعي”، أصبحت وعوداً ظرفية تنتهي بمجرد انتهاء الخطاب، وبالتالي لم تعد تُسمن ولا تُغني من جوع، لدرجة أن البعض أصبح يرى فيها، مُجرّد محاولات لإسكات البيئة الشيعية، وعدم انجرارها نحو المطالب الشعبية في الشارع، خشية أن يؤدي هذا الإنجرار، إلى قلب الموازين لمصلحة الشارع في وجه السلطة التي تتألّف في الأصل، من “الثنائي الشيعي”.
يبدو أن التعويل اليوم على جزء من الطائفة الشيعية بانضمامه إلى الحراك في الشارع، أصبح كصلاة “الإستسقاء” التي يرتجي فيها الناس نزول الغيث (المطر) بعد فترات طويلة من الجفاف. واليوم، وفي ظل الجفاف المتنوّع الذي يُهيمن على اللبنانيين ويتحكّم بمصيرهم الحياتي، تحوّلت هذه الصلاة إلى أمل لهؤلاء، علّها تفكّ أسر الجزء المغلوب على أمره من الطائفة الشيعية، ليُعبّر كبقية اللبنانيين عن وجعه في الشارع، بعد كسر بوّابات الحصار المفروضة عليه داخل بيئته.
بالأمس، جاءت الدعوة للخروج على الأمر الواقع الذي يُهيمن على حياة اللبنانيين من قلب المناطق “المطوّبة” ل”الثنائي الشيعي” وتحديداً من جنوب لبنان، ففي موقف متقدّم لإمام بلدة عيناتا السيد علي عبد اللطيف فضل الله، فقد دعا إلى رفع الصوت في كافة المناطق، وتحويل دور العبادة إلى أماكن للإعتصامات، لأن هذه الأمكنة برأي فضل الله، ليست للصلاة فحسب، بل لرفع الصوت ضد الظلمة الكذّابين والخدّاعين من الطبقة السياسية الفاسدة.
وبطبيعة الحال، كما هو حال وحدة المسار والمصير بين اللبنانيين، فإن الأمر نفسه بالنسبة إلى السلطة الفاسدة، إذ كل من هم في السلطة يُشكّلون جزءاً من هذا الفساد، بما فيهم وزراء ونوّاب “الثنائي الشيعي”.
كما هو معلوم حتى الساعة، بأن لا التعاونيات على أنواعها، ولا المُساعدات والهبات الحزبية والشخصية، ولا الوعود المتكرّرة داخل الطائفة الشيعية قد أثبتت جدواها لجهة رفع الوجع عن فقراء الطائفة، مما يدلّ على أن فشل السياسيين في إدارة مؤسّسات الدولة، يُقابله فشل مُماثل داخل الطوائف. لذلك، فإن الحلّ بحسب العديد من المثقّفين الشيعة، لا يكون إلّا بانتخابات نيابية مُبكرة، يُطيح من خلالها الشعب بكل هذه الطبقة الحاكمة، وتثبيت المواطَنة بدل الطائفة. وما يخشاه “الثنائي الشيعي” اليوم، قيام ثورة شيعية فعليّة، تُطيح بهما، وعندها ستنقلب كل المُعادلة وسيكون ذلك بمثابة المدماك الأول لبناء دولة المواطن والقانون.
سياسي شيعيّ بارز، يصف الحالة الشيعية حاضراً بأنها “الأقرب إلى حراك الشارع على الرغم من التهويل والتخويف الذي يُفرَض عليهم ترهيباً وترغيباً، إذ لطالما كان الشيعة إلى جانب المظلوم، وهذا ما يدلّ عليه تاريخهم منذ ما قبل ثورة الحسين بن علي”.
ويُضيف السياسي: “على الرغم من الدور الذي يلعبه الثنائي الشيعي لجهة تخدير جماعاتهم والحروب السياسية ـ الشخصية التي تُخاض تحت إسم الشيعة، إلّا أننا بدأنا نشهد اليوم، حركات إعتراضية من قلب الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، لم نكن نشهدها من قبل، وهذا يدلّ على وجود إرادة لدى أصحاب الرأي، بكسر الطوق المفروض عليهم، خصوصاً وأن آمال الجزء الأكبر من اللبنانيين في تحرّكاتهم وحركة اعتراضاتهم، لن تتحقّق بالشكل المطلوب، إلا بوجود بصمة شيعية على الأرض”.