محمد بلوط-الديار
سيناريو حكومة الانتخابات مرتبط بتسوية اعتذار الحريري وتفادي الانفجار
تنذر وتيرة الانهيار السريع في البلاد بتداعيات خطرة من الصعب بل من المستحيل التعايش معها لشهور طويلة، لذلك فان الخيارات البديلة عن تشكيل حكومة مهمة اليوم، كما عبرت المبادرة الفرنسية، هي خيارات غير واقعية ولا تشكل أي شكل من أشكال الحلول ولو الجزئية منها.
ومن بين السيناريوهات التي يحكى عنها في ضوء انسداد آفاق تشكيل الحكومة، سيناريو ادارة الازمة بالحكومة المستقيلة. ويبدو أن رئيس الجمهورية وفريقه السياسي أي التيار الوطني الحر وربما قوى أخرى باتت مقتنعة بهذا السيناريو، لا بل ان الرئيس عون متمحس له كما ظهر مؤخراً عندما استأنف اجتماعات العمل في القصر الجمهوري في الايام الاخيرة بعد استراحة قصيرة، اولا بسبب اشتداد الازمات الحياتية والخدماتية، وثانياً بهدف تسيير امور الدولة بالحد الأدنى بسبب الشلل الذي اخذ يمتد بسرعة الى كل عروقها ومرافقها.
ويقول مصد سياسي مطلع ان ضغط الوضع المعيشي على غير صعيد جعل رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب يتخذ موقفاً اكثر مرونة مؤخراً، ويشارك في بعض الاجتماعات التي ترأسها رئيس الجمهورية في قصر بعبدا في الأيام الاخيرة، لا سيما بعد تعهده للمجلس النيابي بترشيد الدعم مواكبة للعمل من اجل تسريع تطبيق البطاقة التمويلية.
ويضيف المصدر، حسب المعلومات المتوافرة له، ان دياب جنح مؤخراً الى تليين موقفه لجهة تحسين اداء تصريف الأعمال، لكنه ما يزال يبدي تشدداً قوياً تجاه المطالبة بعقد جلسات استثنائية لمجلس الوزراء لاتخاذ القرارات اللازمة والضرورية في التصدي لتداعيات الانهيار الحاصل لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
ويلفت المصدر الى ان الرئيس عون يضغط منذ فترة غير قصيرة لتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، وهو أخذ مؤخراً يزيد وتيرة ضغوطه، ما خلق جواً مكهرباً مع الرئيس دياب قبل أن يتدخل البعض لترطيب الاجواء بينهما.
ويشير في هذا المجال الى ان توجه رئيس الجمهورية هذا عكسته مواقف التيار الوطني الحر ايضاً مؤخراً على لسان رئيسه جبران باسيل والنائب ابراهيم كنعان في جلسة مجلس النواب الاخيرة وانتقادهما الشديد لاداء حكومة دياب وتكاسلها في التصدي للمشاكل المتفاقمة.
ووفقاً للمصدر، فان رئيس الجمهورية يحاول سد فراغ تمنع دياب عن دعوة مجلس الوزراء الى جلسات استثنائية بعقد سلسلة من الاجتماعات اكان على مستوى مجلس الدفاع الاعلى أم على صعيد اجتماعات العمل ذات الطابع الاقتصادي والمالي والخدماتي.
وبغض النظر عن صحة موقف كل من عون ودياب، فان سيناريو ادارة الازمة بواسطة حكومة دياب اجتماعات عمل بعبدا وتمديد مهمة هذه الحكومة للاشراف على الانتخابات النيابية في مطلع الصيف للعام المقبل، برهن على مدى سنة تقريباً (منذ استقالة حكومة دياب) على انه سيناريو فاشل ولا يمكن الاستمرار به خصوصاً بعد ان وصلت البلاد مؤخراً مرحلة حرجة جدا تهدد بانفجار كبير.
أما السيناريو الثاني الذي يحكى عنه فهو اعتذار الرئيس الحريري الخريف المقبل، وتكليف رئيس جديد لتشكيل حكومة مهمتها الاشراف على الانتخابات النيابية، غير ان هذا السيناريو ايضاً ليس بمتناول اليد أولاً، ولا يحاكي متطلبات مواجهة الازمة الضاغطة ثانية.
وبرأي المصدر ان هذا السيناريو دونه صعوبات ايضاً، ابرزها الحاجة الى تمرير مسألة اعتذار الرئيس الحريري والاتفاق على البديل من دون مضاعفات وتداعيات على الارض، خصوصاً ان رئيس الحكومة المكلف لم يعط بعد أي اشارة لموافقته او انخراطه في اتفاق مع رئيس الجمهورية وفريقه على تزكية مرشح بديل، لا بل لم يسقط خيار استقالة نواب كتلته من المجلس اذا ما اقدم على الاعتذار. وبالاضافة الى ذلك، فان هناك صعوبات ايضاً قد تنشأ حول تشكيلة هذه الحكومة ووزارتي الداخلية والعدل على وجه الخصوص، نظراً لدورهما في العملية الانتخابية. وربما تتكرر تجربة ومرارة عملية تشكيل الحكومة كما يحصل اليوم.
} ما هو السيناريو الأقل كلفة؟ }
يقول المصدر السياسي ان مثل هذا السيناريو فوتنا فرصة تحقيقه منذ 8 أشهر لأن ازمة تشكيل الحكومة كانت مكلفة جدا، وساهمت في تعميق وتسريع الانهيار الذي نشهد اليوم اصعب فصوله. لذلك فان كل يوم يمر من دون تشكيل حكومة انقاذية بكل معنى الكلمة يزيد الكلفة والأعباء على كاهل اللبنانيين.
وبرأيه ان لا بديل عن سيناريو تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، لكنه يستدرك ليقول ان الاسباب التي ادت حتى الآن الى تفشيل المساعي لتأليف الحكومة ما تزال قائمة، فالرئيس عون وصهره باسيل يراهنان على تغييرات وفرض توازنات معينة لتحقيق مكاسب ولو شكلية للعهد في جزئه الاخير، والرئيس الحريري يأمل في متغيرات خارجية تفرض وتحسن وضعه لتشكيل الحكومة، ويسعى في هذا المجال ايضاً الى رفع الفيتو السعودي المفروض عليه حتى الآن.
ووفقاً للمعطيات القائمة، فان فرصة نجاح اي سيناريو من هذه السيناريوهات الحكومية الثلاثة غير متوافرة حتى الآن، خصوصاً ان المساعي الاخيرة التي قام بها حزب الله وبالتعاون مع الرئيس بري بقيت تدور في حلقة مفرغة.
وتقول المعلومات ان الحزب ركز على محاولة حل عقد تسمية الوزيرين المسيحيين انطلاقاً من الصيغة التي كان طرحها الرئيس بري والتي تستند الى التشارك في التسمية والقرار بشأن الوزيرين المذكورين بين الرئيسين عون والحريري.
وتضيف أن الاقتراحات التي طرحت في هذا الصدد لم تلق جواباً واضحاً لدى الطرفين، لا سيما ان الحريري مدد وجوده في الخارج وترافق مع عودة الكلام على وضعه ورقة الاعتذار على الطاولة من جديد.
وتنقل مصادر مطلعة ان الحزب اعتبر في تحركه الاخير انه اذا ما حلت عقدة الوزيرين المسيحيين وتم التوصل الى التشكيلة الحكومية، فان معالجة عقدة منح التيار الوطني الحر الثقة للحكومة تصبح أقل صعوبة ويمكن تسويتها بشكل أو بآخر.
وتلفت المصادر الى ان الحزب ابلغ من يهمه الأمر أنه لا يقدم الحلول الكاملة الجاهزة ولا يضع الحلول المتكاملة بقدر ما يسعى في اطار مبادرة الرئيس بري الى المساهمة في فكفكة العقد وحلها.
وتقول هذه المصادر ان حزب الله هو طرف من الاطراف اللاعبين في الشأن الحكومي وليس اللاعب الوحيد، وان الكلام عن انه قادر على تغليب وفرض الحل الحكومي نظراً لحجم تأثيره بشكل عام هو كلام تضليلي يريد أصحابه تصوير الأمور وكأن الحزب يحمل او يشارك بشكل أساسي في استمرار الازمة الحكومية ولا يريد تأليف الحكومة.
وتضيف ان هذه نغمة قديمة جديدة، لافتة الى ان الحزب عمل ويعمل لتسريع تأليف الحكومة، وبادر اكثر من مرة للمساهمة مباشرة في تذليل العقبات التي تواجه الحلول.