غسان ريفي-سير الشمال
″لم يعد ينفع لبنان إلا الصلاة″.. كلمات معبرة قالها رئيس المجمع الشرقي في الفاتيكان المونسنيور ليوناردو ساندري أمس لتدل على أن ″وطن الرسالة″ يرقد في العناية المركزة في حالة موت سريري بفعل ″إشتراكات″ سياسية ـ مصلحية، ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة ويحتاج الى معجزة إلهية لانقاذه.
خصص قداسة البابا فرنسيس يوما للصلاة والتأمل بحثا عن هذه المعجزة، فإستقبل القيادات الروحية المسيحية اللبنانية التي جاءت حاملة صلبانها ومباخرها وهموم المسيحيين ووجودهم وحقوقهم في لبنان لطرحها على بساط البحث في حاضرة الفاتيكان، فسارع البابا فرنسيس الى تصحيح وجهة اللقاء، مؤكدا أن الصلاة هي من أجل كل اللبنانيين وليست من أجل المسيحيين وذلك في رسالة تحمل بُعدين، الأول أن تخصيص الصلاة من أجل المسيحيين يعني أن لبنان يتجه للخروج من الشراكة الوطنية نحو التقسيم أو الفيدرالية أو الكانتونات الطائفية وهذا بالنسبة للفاتيكان يفقده سر وجوده كما ينزع عنه صفة الرسالة.
والثاني أن الصلاة من أجل اللبنانيين تؤكد على الشراكة المسيحية الاسلامية، وعلى المناصفة ورفض المثالثة والمؤتمر التأسيسي، ويشدد على ضرورة الحفاظ على إتفاق الطائف الذي يرسم التوازنات تؤمن إستقرار البلد على كل صعيد، فضلا عن الاشارة الى أن لا تهديد للمسيحيين في لبنان من قبل المسلمين سنة كانوا أو شيعة أو دروز، بل ما يهدد المسيحيين اليوم هو صراعاتهم الداخلية وتسابقهم الى الحكم من رئاسة الجمهورية الى إستمالة الشارع بالتحريض قبيل الانتخابات النيابية للحصول على الأكثرية.
لم يكن لقاء الفاتيكان لمجرد الصلاة والتأمل فقط، بل هو شكل رسائل سياسية واضحة في إتجاهات عدة لجهة التشديد على ضرورة تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، ودعوة أركان السلطة اللبنانية الى التخلي عن مصالحهم ومكاسبهم والاسراع في تشكيل حكومة إنقاذ، وحث المجتمع الدولي على التدخل والحؤول دون إنهيار لبنان والعمل على مساعدة شعبه، والتأكيد على أن وطن الرسالة ما يزال لديه دور يجب أن يلعبه في المنطقة.
هذه الرسائل من المفترض أن تحرك المياه الراكدة في الملف الحكومي، خصوصا أنها تزامنت مع اللقاء الذي عقد على هامش إجتماع وزراء خارجية قمة العشرين، وضم أنطوني بلينكن (أميركا) وجان إيف لودريان (فرنسا) وفيصل بن فرحان (السعودية) وتم التطرق فيه الى الأزمة اللبنانية والى ضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت.
اللافت، أن تغريدة بلينكن المقتضبة بعد الاجتماع لم تشر الى أن تكون الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، الأمر الذي أعطاه المراقبون تفسيرين، الأول أن لا داعي لذكر الحريري كونه رئيسا مكلفا ومن الطبيعي أن يشكل هو الحكومة، وبالتالي فإن مجرد مشاركة وزير الخارجية السعودي في إجتماع حول الملف الحكومي اللبناني هو إشارة إيجابية حول إمكانية نجاح أميركا وفرنسا في تليين الموقف السعودي تجاه لبنان عموما والحريري خصوصا.
والثاني، أن الوزيرين بلينكن ولودريان قد حرصا على مجاملة السعودية بعدم ذكر إسم الحريري إنطلاقا من إصرار المملكة على عدم القبول به لرئاسة الحكومة.
من هنا، يأتي الحديث المتنامي عن إمكانية أن يقدم الحريري إعتذاره، بعد الوصول الى قناعة بعدم التوافق أو التعاون مع رئيس الجمهورية الذي يتبنى كل الشروط التعطيلية لصهره جبران باسيل، حيث أكدت مصادر زرقاء عدة أن قرار الاعتذار قد إتخذ لكنه يحتاج الى إخراج جيد لكي لا يستثمره أحد ويحوله الى إنتصار طرف على طرف آخر بهدف تحقيق مكاسب شعبية، وما يعزز من هذا التوجه ما أعلنه نائب رئيس “تيار المستقبل” الدكتور مصطفى علوش عبر قناة الجديد أمس بأننا “ندرس مرحلة ما بعد الاعتذار”، ما يعني التفكير في شكل الحكومة المقبلة ومهامها، وكيفية تسمية رئيسها سواء بدعم من الرئيس الحريري أو من دون دعمه، فضلا عن كيفية الاستفادة من إعتذار الحريري في الانتخابات النيابية المقبلة في حال جرت في موعدها، وهو أمر يستبعده البعض.
تقول بعض المصادر: إن إعتذار الحريري بات حتميا، إلا في حال حصول المعجزة بوصول البركة الرسولية من الفاتيكان الى قصر بعبدا. علما أن هذا الاعتذار، من المفترض أن يؤدي الى تسوية تمكن الرئيس المكلف الجديد من التأليف السريع بعد تقديم تنازلات متبادلة، وإلا ما معنى الاعتذار إذا كان الرئيس ميشال عون ومعه جبران باسيل سيتمسكان بشروطهما لجهة الحصول على الثلث المعطل أو تسمية الوزراء المسيحيين، علما أن أحدا لم يعد قادرا على تجاوز السقف المرسوم سنيا في عملية التشكيل، وإلا فإن مصيره سيكون مشابها لمصير الرئيس حسان دياب.
في غضون ذلك، ما تزال تداعيات فشة الخلق الطرابلسية بإطلاق الرصاص إحتجاجا على الأوضاع المعيشية ترخي بثقلها على البلاد وتؤكد أن الأزمات التي تتوالد وغياب السلطة عن تقديم الحلول والمعالجات تجعل الأرضية اللبنانية عبارة عن قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة وفي أي مكان، وإذا كان الرصاص الذي أطلق في طرابلس هو من مخزون المسلحين فهذا يعني أن هؤلاء بدأوا يخرجون عن طورهم نحو خطوات تصعيدية أكبر قد تتمدد الى كل المناطق اللبنانية، أما إذا كان الرصاص الذي أطلق مدفوع الثمن فذلك يعني أن ثمة جهات بدأت تستثمر في معاناة الطرابلسيين لتنفيذ مشاريع مشبوهة يفترض بالدولة مواجهتها سريعا بحل الأزمات وإعادة بعضا من الأمل وليس بالعسكر.