نبيه البرجي-الديار
ماذا يعني أن ينسحب الأميركيون من العراق ؟!
السؤال الى أكاديمي عراقي، ينتمي الى عائلة عريقة في النجف، ولا غبار على ولائها التاريخي لأرض العراق ولأهل العراق.
قال «استوقفني، في وصفك لحالنا، تمثلك للوحة بابلو بيكاسو «غرنيكا» التي في نظري تختزل التراجيديا البشرية منذ آدم، لا مجرد اضاءة آنية لما فعلته غارة للقاذفات الألمانية على تلك القرية ابان الحرب الأهلية الاسبانية. اذا خرج الأميركيون من بلادنا أصابنا ما أصاب غرنيكا».
في نظره أن الولايات المتحدة «شر لا بد منه». هي الآن «تضطلع بدور ضابط الايقاع بين ايران وتركيا والسعودية على الأرض العراقية. اذا ما سقط هذا الدور، علينا أن نتصور أي فوضى سياسية، وأي فوضى أمنية، بالأحرى أي فوضى دموية، تنتظرنا، نحن الذين لا ندري ما اذا كنا قد ورثنا لعنة التاريخ أم لعنة الجغرافيا».
«ليس الشيعة وحدهم، بتلك القيادات الرثة، من أثبتوا مدى هشاشتهم، ومدى تأثرهم بثقافة الفساد، كما مدى تبعيتهم في ادارة البلاد، دون أن ننسى أن للسعوديين، وللاتراك، مثل الايرانيين، «حصتهم» من الشيعة الذين، بفعل التأثيرات الخارجية، يزدادون تماهياً مع الرؤية الجنائزية للطقوس الدينية، مع أن علي بن أبي طالب، بعبقرية العقل، وبعبقرية العدالة، وبعبقرية الشفافية، فتح أمامهم كل أبواب الله التي هي، بشكل أو بآخر، أبواب الحياة!».
قال «السنّة أيضاً، بتلك القيادات الشعبوية والزبائنية، موزعون، وعلى نحو درامي، بين سائر القوى الاقليمية. كثيرون منهم يعتبرون أن الأميركيين يتولون حمايتهم من «الوباء الجيوسياسي» للايرانيين الذين يريدون الاستيلاء على بلاد الرافدين وترميم ايوان كسرى على مقربة من بغداد».
ماذا عن الأكراد ؟ هنا الحديث عن «القيادات الغبية»، وعن «أهل الجبال الذين باتوا يفتقدون قيم أهل الجبال.» اذ لا تمتلك القيادات اياها البراعة التكتيكية للعب بين التضاريس السياسية والاستراتيجية، «أظهرت في أربيل، بوجه خاص، أنها أكثر ديناميكية من العرب، ومن بداوة العرب، في لم الشمل، وفي تقديم نموذج للانماء والتحديث بعيداً عن اللوثة الطائفية التي تقتل العقل العربي، وتجعله رهينة الغيب ورهينة كهنة الغيب».
الأكاديمي العراقي استعاد ما ذكرته حول قول أمبراطور الصين للرحالة القرشي، عقب ثورة الزنج، «ان الملوك خمسة، أوسعهم ملكاً من يمتلك العراق لأنه في وسط الدنيا والملوك تحدق به»، ليعلق «لعلنا، يا صاحبي، نعاني من لعنة الملوك الذين يحدقون بنا».
لا يرتقب مستقبلاً واعداً لبلاده. «اذا ما جمعت الأزمة في سوريا، والأزمة في لبنان، والأزمة في اليمن، والأزمة في ليبيا، لا بد أن تتبلور، بانورامياً، أمامك صورة الأزمة في العراق، بكل تفاصيلها، وبكل ويلاتها، وبطبيعة الحال بكل انكساراتها».
لا مجال للانقلاب العسكري «بسبب التشكيل الفسيفسائي للجيش، وحيث الجنرالات، أو أغلبهم، ظلال لأهل السلطة التي لا يتورع أركانها عن التأجيج المذهبي, وحتى التأجيج القبلي. ناهيك عن أن الناس سئمت من الديكتاتوريات العمياء».
«الحرب الأهلية هي البديل». المفتاح بيد أميركا. وأخشى ما أخشاه أن يحدث لبلادنا ما يحدث لأفغانستان التي تنتظرها أيام قد تكون اشد هولاً من الأيام السابقة. من يمنع البيت الأبيض من أن يطلق العنان لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ؟»، وبعدما أعلنت واشنطن أن قوات سوريا الديمقراطية التي تأتمر بأوامرها تحتجز 10 آلاف مقاتل من التنظيم؟.
«داعش» لن يكتفي بالموصل هذه المرة. لا بد من بغداد، «وهذا ليس مستبعداً، كما لو أنه كتب علينا، ونحن بلاد حمورابي، ونبوخذنصر، وهارون الرشيد، أن نكون الدولة ـ الحطام. كلنا، كعرب، الأمة ـ الحطام. مصيبة اذا مشينا مع الأميركيين، ومصيبة اذا مشينا ضد الأميركيين».
مثلما «طالبان» على أبواب كابول، «داعش» على أبواب بغداد.
الأكاديمي العراقي أنهى كلامه بالقول «كلنا في الهوى سوا. اذ حولنا الدولة الى جهنم، حولنا الدين الى … جهنم!!».