“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
عاد الكلام عن إعادة دفع عجلات التأليف الحكومي خلال اليومين الماضيين، ليتصدّر واجهة الأحداث السياسية في لبنان، وذلك من بوّابة التعويل على المساعي الخارجية، وتحديداً الروسية والفرنسية، مع ما يستلزمها من وجود قناعات لدى بعض أصحاب الرأي في الداخل بأن وجود حكومة في هذا التوقيت الصعب، من شأنه أن ينعكس إيجاباً في الحياة السياسية، وأن يوفّر على البلاد الإنفجار الأمني والإقتصادي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط ضخّ هذا الكمّ الهائل من الإيجابيات، يتعلّق بمدى اقتناع أصحاب الربط والنزاع في لبنان، بجدوى وجود حكومة لا يكون لهم فيها نصيب الأسد، أو حصّة وازنة يُمكن ترجمتها داخل الصناديق الإنتخابية.
يبدو أن إشاعة أجواء من التفاؤل في ما يتعلّق بتأليف الحكومات في لبنان، تحوّلت إلى “لعبة ذكيّة” بيد السياسيين، يتنصّلون عبرها من مسؤولياتهم تجاه ناخبيهم بالدرجة الأولى، وذلك من خلال رميها في ملاعب الخصوم. ومع استمرار التعطيل، تحوّلت هذه اللعبة إلى مادة أساسية تُدرّس ضمن حلقات وجلسات سياسية، تُمنح بموجبها شهادات لأكثر المُعطّلين خبرة ونفاقاً. وهذا ما ينطبق اليوم على عمل معظم أصحاب “الجهود” المبنيّة على إيهام الرأي العام بأن البلاد أمام فرصة أخيرة للخروج من النفق المظلم والنأي به عن انفجار موعود، أين منه انفجار المرفأ الممهور بدمغة السلطة مُجتمعة.
وسط حفلة “الزجل” التي نعيشها في لبنان، والتي يرتجل فيها السياسيون فنون ردود متبادلة تتراوح بين إشادات وقدح وذمّ، يخرج مرجع حكومي سابق عن صمته، ليُعبّر عن قناعة لديه يطرحها للمرّة الأولى، تقوم على “ضرورة حدوث إنفجار كبير، شرط أن تكون التوليفة الحاكمة أولى ضحاياه، علّها تحمل الأيّام للبنانيين بعد ذلك، الأمنيات التي يأملون بها، بعدما حالت هذه السلطة بينهم وبين تحقيقها”.
كل ما يجري في لبنان، مردوده إلى السياسة وكيفية إدارة السياسيين للأزمات، حتّى بما يتعلّق بالإصلاحات والتلزيمات والمشاريع التنموية، جميعها أمور يجب أن تتمّ تحت مظلّة “التسويات”، وإلا فإن المواطن سيظلّ يدفع من لحمه الحيّ طالما أن عقليةً بهذا السوء، هي التي تتحكّم بمفاصل حياته. وهذا يأخذنا بطبيعة الحال إلى انتخابات نقابات المهندسين التي وجّهت للمرّة الأولى، صفعةً لا تُنسى لكل هذه “البوتقة” الحاكمة، وذلك، بقرار حرّ وجريء من مُستقّلين أرادوا التعبير عن إرادة حياة مُختلفة كلياً عن تلك التي كانوا حتّى الأمس، يُجبرون عليها أو أقله، التأقلم معها.
في هذا السياق، يعود المرجع السياسي السابق، ليدخل إلى “لعبة” مضمون سياسية يصفها ب”الخرطوشة الأخيرة” بالنسبة إلى أهل السلطة مع ما تجمّع هذه الكلمة برأيه، “من فساد وهدر وسرقات وإجرام”. ويقول: عايشناهم عن قرب وكُنّا معهم في كافة الظروف، لذلك خبرنا من خلال احتكاكنا بهم بأن الضعيف يخرج من “المجموعة” ولا يعود إليها إلاّ بتسويات في ما بينهم، لذلك، فإن البقاء يكون للأقوى، خصوصاً وأنهم استمدوا من شريعة الغاب قانوناً خاصاً أهمّ مادة فيه “التوريث السياسي”.
المؤكد، أن حماية الرؤوس لدى حكّام لبنان، تنطلق أوّلأ من خلال اللعب على الغرائز المذهبية وإيهام الجماعات والأحزاب، بأن عنوان المعركة السياسية هو “حقوق الطائفة”. وهذا فعلاً ما جرى اتّباعه خلال المرحلة الأولى من قيام الثورة في لبنان، والتي تمت شرذمتها بعد حملها شعار “كلن يعني كلن”، فكان لا بدّ من تكاتف “الأقوياء” لإنهاء صحوة شعبية كادت أن تبلغ سلمّياً، ما بلغه “الربيع العربي” في بداياته، قبل أن يُشيطن ويتحوّل إلى “داعش” و”نصرة” وأسماء عديدة، لم تعد بالفائدة سوى على الحكّام وسلطتهم وسطوتهم.