بولندا تتحررُ من الكيان الصهيوني وتتخلصُ من قيودِه.. بوادر أزمة بين وارسو وتل أبيب بسبب قانون حول ممتلكات اليهود.
تبادلت “إسرائيل” وبولندا استدعاء السفراء بسبب قانون جديد أقره البرلمان البولندي ووصفته إسرائيل بـ”غير الأخلاقي” ويتعلق بطلبات إعادة الممتلكات اليهودية أو تعويض الناجين من المحرقة وذريتهم وكذلك الجالية اليهودية في بولندا.
وأقر مجلس النواب البولندي يوم الخميس الماضي مشروع قانون يقضي بتطبيق مبدأ التقادم على دعاوى إعادة الممتلكات، مما أثار غضب وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد الذي وصفه بأنه “وصمة عار”.
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية إن التشريع قد يؤثر على ما يصل إلى 90 في المئة من طلبات الناجين من المحرقة وأحفادهم بشأن استعادة الممتلكات. ونقل البيان عن مدير القسم السياسي في الوزارة ألون بار قوله “لم يفت الأوان بعد بالنسبة لبولندا لوقف عملية ستؤدي الى التنصل من مسؤولياتها”.
وأضاف بار أن معارضة إسرائيل “ليست بسبب جدل تاريخي حول المسؤولية عن الهولوكوست بل حول الالتزام الأخلاقي لبولندا تجاه أولئك الذين كانوا مواطنيها وسرقت ممتلكاتهم في ظل النظام الشيوعي”، بحسب وزارة الخارجية.
وكتبت السفارة الإسرائيلية في وارسو الخميس في تغريدة على تويتر “هذا القانون غير الأخلاقي سيؤثر بشكل خطير على العلاقات بين بلدينا”.
وفي هذا السياق كتب د.مصطفى يوسف اللداوي تحت عنوان “بولندا تتحررُ من الكيان الصهيوني وتتخلصُ من قيودِه” ما نصه:
جُنَّ جنون الإسرائيليين “اليهود”، وأصابتهم هستيريا شديدة، وانتابهم قلقٌ كبيرٌ، خشية تغير السياسة العامة الأوروبية التقليدية تجاه يهود أوروبا على وجه الخصوص، وتجاه رعايا ومستوطني الدولة العبرية على وجه العموم، الذين التزموا منذ منتصف القرن العشرين الماضي تماماً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، على مدى أكثر من سبعين عاماً وحتى أيامنا هذه، بتعويض ضحايا “الهولوكوست” المحرقة اليهودية الذين قتلوا في أفران “النازية”، وتعويض أبنائهم الناجين منها، واستعادة ممتلكاتهم وحقوقهم التي كانت لهم، والحفاظ على ما بقي من مؤسساتهم، وترميم ما دُمِّرَ منها وخُرِّبَ، خاصةً المعابد والمقابر اليهودية، والآثار والمزارات الدينية المقدسة التي كانت لهم في الدول الأوروبية.
هبت المؤسسات السياسية والقانونية الإسرائيلية وهيئات حقوق “اليهود” في مختلف أنحاء العالم، ومعهم المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية المحلية والعالمية لكبرى، والعديد من القادة والمسؤولين السياسيين الأوروبيين السابقين، للتصدي للتغيير العام في لخطاب الرسمي الأوروبي تجاه الكيان الصهيوني بصورةٍ عامةٍ ومواجهته، خاصةً تلك المتعلقة بالتراجع الرسمي عما التزمت به الحكومات الأوروبية المتعاقبة على مدى السبعين عاماً الماضية، التي اعترفت بمسؤولية بلادها عن المحرقة، وأقرت بــــ”الجريمة” التي ارتكبتها قوات بلادها النازية، وتعهدت بتعويض اليهود عموماً عما أصابهم وفقدوا، وإمداد الكيان الصهيوني خصوصاً الذي هاجر إليه الناجون من المحرقة وأبناؤهم، بكل ما يحتاجون إليه من سلاحٍ ومعداتٍ وتقنياتٍ وأموالٍ.
استمرأ الإسرائيليون العملية وأعجبوا بها، وحافظوا عليها ونظموا عملها، وأجبروا الحكومات الأوروبية على الالتزام بها، وإلا عدتهم شركاء في الجريمة، وأعداء للسامية، وقد درت عليهم هذه السياسة أمولاً طائلة لا تتنتهي، وعطاءاتٍ مادية ومعنوية لا تتوقف، ودعماً سياسياً بلا حدود، واستجلبت لهم تعاطفاً دولياً كبيراً ساعدهم في إنشاء كيانهم وتثبيته، ومكنهم من الحصول على أحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً، وأجبرت الحكومات الأوروبية على دعم سياستهم، والوقوف معهم وتأييدهم ضد الدول العربية التي تعاديهم وتقاتلهم، وتسعى إلى تدمير كيانهم وشطب وجودهم من الأرض العربية التي احتلوها وأقاموا فيها كيانهم.
لكن المزاج الأوروبي العام تغير، وتبدلت الأجيال وتعاقبت، وغاب الذين عاصروا الحرب العالمية الثانية والتزموا باتفاقياتها، وتعهدوا بالوفاء ببنودها، وظهرت أجيالٌ جديدةٌ أخرى، ضاقت ذرعاً بالابتزازات الإسرائيلية، واشتكت من الضغوط والمطامع اليهودية، وبدأت تشعر بأنها تدفع من جيوبها ومن قوت أبنائها ضريبةً لليهود الذين أفسدوا في بلادهم، وأساؤوا إلى شعوبهم، وشعرت الأجيال الأوروبية الشابة تحديداً، أنها تدفع ضريبة جريمة لم ترتكبها، وتلتزم بلادها بعقوباتٍ لا تنتهي، وتأنيبٍ واعتذار لا يكفي، وتضطر حكوماتها إلى تأييد الكيان الصهيوني في سياسته العدوانية تجاه شعبٍ أعزلٍ احتلت أرضه وطردته من دياره، وما زالت تمارس ضده العنف والعنصرية.
ليست بولندا هي الدولة الأوروبية الأولى، ولا أظن أنها ستكون الدولة الأخيرة التي تتحرر من الابتزاز الإسرائيلي، وتتخلص من الأطماع الإسرائيلية التي لا تنتهي، وتنجو بنفسها من سياستهم التي أضرت بالمنطقة وألحقت الأذى بمصالحهم، فالأوروبيون الذين يجاورون المنطقة العربية، وتقع بلادهم شمال أوطان ملايين المهاجرين العرب والمسلمين إليهم، يريدون سلاماً في المنطقة دائماً وعادلاً يحقق مصالحهم، ويجلب الأمن لهم، ويحقق العدالة والمساواة لشعوب المنطقة الأصليين ويضمن حقوقهم التاريخية فيها، إلا أن الكيان الصهيوني يفسد عليهم ويضر بهم، ويضغط عليهم ويبتزهم، ويريد أن يبقيهم أسرى الماضي وعبيد الخطيئة، التي لم يغفرها الاعتراف، ولم يشطبها من سجلاتهم التاريخية التوبة والندم، والتعويض والمزيد من الدعم.
لا نقلل من حجم التشريع البولندي الجديد، الذي لا أظن أنه سيتوقف عندها، بل ستحذو حذوها الكثير من الدول الأوروبية الأخرى، فهو تغيير كبيرٌ جديٌ وخطيرٌ، ولعل من أسباب هذا التغيير في الساسية الأوروبية تجاه الكيان الصهيوني، الحرب العدوانية الأخيرة التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وسياستها العدوانية ضد أهلنا في مدينة القدس وحي الشيخ جراح وغيره، وممارساتها العنصرية ضد المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى المبارك، الذي دأبت جموع المستوطنين على اقتحام باحاته وانتهاك قدسيته، فارتفعت أصواتٌ أوروبية معارضة لها، وأخرى تنتقد الحكومة الإسرائيلية وتدينها، وتحملها مسؤولية تفجر العنف في المنطقة واحتمال تدحرجها إلى حربٍ شاملةٍ تضر بأمن الجميع، وتعرض مصالح أوروبا للخطر.
إنها فرصةٌ كبيرةٌ تسنح لأمتنا العربية والإسلامية، للتأثير على قادة أوروبا لتغيير سياساتهم والتخلي عن الكيان الصهيوني الذي يسيئ إليه ويضر بهم، ولكن هذه المهمة تتطلب عملاً دؤوباً وجهوداً صادقةً، وسلوكاً حسناً ومثالاً مشجعاً، وعرضاً للقضية الفلسطينية جيداً، وبياناً للسياسات الإسرائيلية فاضحاً، فهل نستغل الظرف ونعيد قضيتنا الفلسطينية إلى أروقة العدالة الدولية، رغم أنها ظلمتنا كثيراً ولم تنصرنا قديماً، لكن السياسة تتغير والمصالح تتبدل، والمنافع تتقدم والمصالح تسود، والغلبة لمن انتهز الفرصة واستغل المرحلة، وأحسن العمل وأجاد فن السياسة وحافظ على الثوابت وتمسك بالأرض والحقوق.
المصدر: متابعات+ د. مصطفى يوسف اللداوي