باسيل لـ”المدن”: أؤيد المداورة بالرئاسات الثلاث


كتب منير الربيع في “المدن” مقالاً جاء فيه:

على مدخل بناء من ثلاث طبقات. فوق تلّة مشرفة على بيروت. يقف رجل بثياب مدنية محاط بمجموعة شبان. يشكلُ في خصره جهازاً لاسلكياً، على يده وشم باللغة العربية “جبران باسيل”. إنها الصورة الأولى التي تنطبع في ذهنك حول “الحالة الشخصية لباسيل” أو ارتباط أشخاص بالشخص واسمه. هذا أمر يحتاج إلى تمعن سيكولوجي يطال أفراداً وجماعة، وهو يشير إلى تكوين “الحالة الباسيلية” خلفاً للحالة العونية.

نقاش الشرعية
يعرف باسيل تماماً كيف يميّز نفسه في محطات كثيرة، خصوصاً لدى تناوله مسألة صراع العهد مع رؤساء أحزاب فترة الحرب، أو زعماء الميليشيات. لا بد من المقاطعة والتعقيب بأن الجيش الذي انقسم في الحرب الأهلية ينطبق عليه وصف الميليشيا بمعزل عن وجهة انتمائه أو توجهاته. يرفض ذلك، فلا يمكن اعتبار ميشال عون كقائد للجيش زعيماً ميليشيا، لأنه قائد مؤسسة. النقاش هنا يطول ويحتاج إلى جلسات طويلة، فيستقر الرأي على أنه لا بد من إعادة تعريف مصطلح ميليشيا. لا يوافق رئيس التيار الوطني الحرّ حتماً على ذلك.

يرفض باسيل مقارنة عون بالآخرين. فلدى القول أن عون قاتلَ من موقعه في سبيل تكوين عصبية وحالة سياسية، يجيب باسيل سريعاً أنها “حالة الشرعية” التي تجسدت به. يتجاوز باسيل النقاش المفتوح بذكاء، من خلال طرحه معادلة تميّز عون عن الآخرين. فالحالة العونية أنتجت التيار الوطني الحرّ الذي يريد إضفاء واقع سلمي والخروج من واقع الحرب. أما الآخرون فقد انتقلوا مع مقاتيلهم إلى مرحلة السلم. أي أن معظم أعضاء فريقهم شركاء في الحرب، أما عون فلم يسلّم التيار للعسكر الذي قاتل معه بل لدماء جديدة.

لا استسلام
حصل اللقاء من موقع الاختلاف، والمعارضة الشرسة لمواقف سياسية يتناولها رئيس أكبر كتلة مسيحية في لبنان، ولممارسات يقوم بها. نعاجله لدى الدخول بمزحة “فخامة الرئيس”، فيسارع “لماذا تريدون الافتراء عليّ. برزت الفكرة من مزحة كان قد أثارها رئيس الجمهورية ميشال عون في لقاء سابق معه منتقداً وصف باسيل بـ”رئيس الظل”، ومؤكداً أنه لا يقبل هذا الكلام. اعترض الرجل على الوصف أيضاً. بهدوء بدأ اللقاء، وهو يعلم أننا نأتيه من موقع المعارض، ينظر ضاحكاً وسائلاً في الوقت نفسه: “لماذا أنت متجهم، (وباللبناني الفصيح: ليش قبضان)، والمقصود بها “مقبوض”، أي وكأن شيئاً يمسكك أو يزعجك. ويسارع إلى الإضافة “قبضان مش قبطان”. وكان لا بد من المسارعة أيضاً إلى الجواب بأن “لا يمكن لأحد في أن يكون قبطاناً في هذه المرحلة”. يؤيد الفكرة ضاحكاً، ويقول: “كثر يريدون ذلك”.

يؤكد عدم الإستسلام. يصرّ على الاستمرار بالقتال، لا مكان للتراجع بالنسبة إليه، ولا يعترف أو يقرّ بأن المشروع الذي ينادي به قد هزم. رئيس الجمهورية قال سابقاً إن “الدولة مسوِّسة”، وإنه فشل في تحقيق مشروعه بسبب التوازنات في البلد، وقدرة القوى المعارضة له على تعطيل مشروعه. لكن باسيل يرفض الاعتراف بذلك، ويقول: “لا يمكنهم أن ينتصروا، المعركة مفتوحة وسيستمر (عون) بالقتال مع من يستعد لمساندته”. يؤكد أنه لا يراهن على أحد في هذه المرحلة، والتي يستذكر من خلالها سنوات النضال أيام نفي عون إلى باريس، فكانت خمس عشرة سنة من النضال والاضطهاد، من دون كلل أو تراجع”.

“تطوير” الطائف
لدى مواجهته بأنه جزء من هذه التركيبة، وقد عقد تحالفات وتسويات مع معظم أقطابها، حتى وصل إلى العنصر الأقوى فيها داخل الدولة، ينفي ذلك بشكل كامل. يطلب إعطاءه دلائل. ولدى تشعّب الحديث يبدأ بالكلام عن واقع البلد والتوازنات فيه، واستحالة أي طرف على إلغاء الآخر أو الحكم من دونه. أي طرف لن يكون قادراً على الوصول إلى الأكثرية. وحتى لو كانت لديه الأكثرية فلن يكون قادراً على الحكم. ولا يمكن أن نبقى خارج الدولة أو المعادلة. بل يجب الدخول إليها. وفي مراحل كثيرة، كانت لدينا محاولات ولم ننجح. خصوصاً أيام حكومة نجيب ميقاتي، حين حصلنا على عشرة وزراء، وفي سنوات عهد الرئيس عون كذلك”.

يؤكد أن وضع البلد خطير، ولكن لا بد له أن يتغير مستقبلاً. القوة التي ستصنع هذا التغيير أساسية، والواقع يحتاج إلى “خضات” أو اهتزازات كثيرة، للخروج بشيء جديد. طبعاً لا أحد يتحدث عن حرب أو فوضى، لأن لا أحد يريدها، وليست من مصلحة أحد. ولكن الواقع القائم سيؤدي إلى متغيرات، وسيوصل إلى قناعة بضرورة تغيير النهج الاقتصادي والنهج السياسي. يشير إلى برنامج التيار الوطني الحرّ، والذي يتحدث عن الدولة المدنية وعن تعزيز القطاعات الإنتاجية، والإنطلاق من اتفاق الطائف للتطوير أكثر، واعتماد اللامركزية الإدارية. بالإضافة إلى تعديلات تتعلق بالمهل الدستورية حول بعض الاستحقاقات، ولا يشير إلى أي تعديل له علاقة بصلاحيات الرئيس قائلاً: “لا أهتم بهذا الأمر”.

باسيل المدني العلماني!
لدى مساءلته حول مطالبته بالدولة المدنية، يحتدم النقاش لحظة الاعتراض على كلامه. فكيف يمكن للمطالبة بالدولة المدنية أن تلتقي مع خطاب يتخذ سمة طائفية أو مذهبية، وكيف يمكن تظليل الدولة المدنية باستخدام خطاب حقوق المسيحيين، أو اللجوء إلى قوانين انتخابية تؤدي إلى فرز طائفي؟ معظم الاحزاب الطائفية في لبنان تدعو إلى الدولة المدنية، نظرياً، باختلاف جذري عن الواقع والممارسة. يسارع إلى القول: “أنا بطبيعتي علماني. ولكن تركيبة البلد تقوم على هذا الأساس (الطائفي)، وأنه لا بد من التعاطي بواقعية”. ويضيف: “حاولت كثيراً أن أقدم على مبادرات حول المداورة في التعيينات، ولكن لم أنجح، حتى في تشكيل الوزارات. ففي التيار كفاءات كثيرة من الطائفتين الشيعية والسنية، ولكن ممنوع علينا الإتيان بوزير من هذه الكفاءات. حاولنا مع حزب الله مراراً، ولكنه لم يوافق أن يحصل على وزير مسيحي مقابل حصولنا على وزير شيعي”.

وفي معرض الحديث، لا بد من الإشارة إلى أن خطاب الاستنفار الطائفي وحده الذي كان قادراً على إلغاء أي نقاش سياسي جدي وحقيقي حول الدولة المدنية. وأكثر من ذلك، أعاد إنتاج “الطبقة السياسية الطائفية”، والتي يضع باسيل نفسه في حالة خصومة معها. أيضاً لا يوافق على هذا الكلام. لكنه يشير إلى أن الأمر يحتاج إلى البحث، وأنه جاهز لمناقشة أي أفكار جديدة.

ويشير إلى أنه يؤيد فكرة المداورة ليس في الوظائف أو المواقع الوزارية فقط، بل في الرئاسات الثلاث. “فما المانع من أن يكون رئيس الحكومة مسيحياً، ورئيس الجمهورية شيعياً ورئيس المجلس سنياً، على أن تسري هذه المداورة بين الجميع؟”، يقول باسيل.

مع الحريري وضده
يبدو باسيل في حالة تناقض مع ذاته حول ما يجب فعله بشأن تشكيل الحكومة. يشير بصراحة إلى وقوعه بين خيارين. إما رفض تشكيل الحريري للحكومة لأن الخلافات القائمة، والتي تحولت إلى صراع لن يؤدي حتماً إلى أي إنتاجية، ما يعني الاستمرار بالمراوحة القاتلة. وإما التمسك بالحريري كرئيس للحكومة، فينجح بتشكيلها ويتم العمل على تهدئة الأوضاع الملتهبة في الشارع. وبين الخيارين يقول إنه يفضل الخيار الثاني، ويريد تشكيل حكومة برئاسة الحريري على الرغم من وجود أطراف أخرى داخلية وخارجية لا تريده. ولكنه يؤكد أنه لن يتنازل للحريري عن ثوابت أساسية، أو أن يشكل حكومة لا تراعي التمثيل المسيحي. ويعتبر أن الحريري غير قادر على تشكيل الحكومة بسبب علاقته مع السعودية. وهو يقوم بجولات عربية لاستمزاج الآراء. يشير باسيل إلى حجم الدعم الذي يتلقاه الحريري من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، حتى وصل الأمر إلى أن برّي يقود معركة الحريري. ولو لم يكن الوضع كذلك، لكان الحريري قد اعتذر من قبل. ولا يوافق على وجهة برّي بأن لا بديل عن الحريري داخل الطائفة السنّية.

لا يمتلك باسيل جواباً على سؤال ماذا بعد الحريري بحال اعتذر؟ وإن افترض أن يتم الاتفاق على رئيس يحظى بموافقة الجميع. لافتاً إلى أن محاولات عديدة حصلت بينه وبين الحريري سابقاً للاتفاق على رئيس للحكومة بعد استقالته، لكنها لم تنجح. وتحديداً تجربة محمد الصفدي، وسمير الخطيب، وبهيج طبارة.

لدى اعتراض باسيل على وصف التسوية الرئاسية بينه وبين الحريري بالصفقة، يؤكد أن كل لقاءاته مع الحريري كانت سياسية، ولم تأخذ أي طابع شخصي، أو له علاقة بالصفقات كما كان يقال أو يتهم. وعندما يشير معترضاً على مضامين مقالات كتبت عنه وتتهمه بالفساد وغيرها، يذهب بعيداً في تفصيل القضايا والردود عليها. هنا لا بد من تسجيل ملاحظة أن الانتقاد مبني على أساس سياسي حول الممارسة السياسية، من دون الدخول بهذه التفاصيل. وهي من مسؤولية جهات ومراجع أخرى. هو ينفي ذلك بشكل قطعي، وحتى في معرض تناوله أو ردوده على ما كتب حول العقوبات الأميركية يقول: “مسؤولون أميركيون يعترفون أن لا إثبات لدى الإدارة الأميركية بأي ملف فساد يتعلق بي، وأنا لم أتقدم بشكوى أمام القضاء الأميركي بعد لأنني لا أملك الأموال لذلك”.

في السلطة والمعارضة
بعيداً عن هذا النقاش التفصيلي، لا بد من تسجيل ملاحظة أن الاعتراض على كلام باسيل أساسه سياسي، بدءاً من التحالفات التي أجريت منذ العام 2006 مع حزب الله، إلى العلاقة مع الحريري أو علاقة المياومة السياسية مع مختلف القوى والأحزاب. تلك العلاقات التي بنيت على أساس اللحظة السياسية، على الرغم من تركيز خطابه وخطاب التيار الوطني على معارضتها. يجيب أنه منذ اليوم الأول لانتخاب عون عقد اجتماعاً للتكتل وطرح فيه فكرة كيفية المواءمة بين الوصول إلى السلطة والبقاء في المعارضة، وتقديم طروحاتها والتحدث بلسانها أو خطابها. أيضاً، يعود النقاش إلى المجال الأوسع، وهو الخيارات السياسية الاستراتيجية، والتي ابتعد فيها التيار الوطني الحرّ عن طروحاته وأفكاره. وإن كان ذلك لا يعني الدخول في مواجهة أو صراع مع أحد، ولكن عدم الانغماس أكثر في مثل هذه الخيارات، التي تتعارض مع وجدان المسيحيين أو نضالات التيار، كما هو الحال بالنسبة إلى العلاقة مع النظام السوري وبشار الأسد وتفضيل العلاقة معه على حساب ملايين السوريين. كذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقة مع حزب الله، والتي يشير إلى أنها جيدة.
تلك ملفات لم يسنح الوقت بمناقشتها بشكل كاف، أو ربما لم يسمح الظرف بذلك.

Exit mobile version