هنية ملتقياً الرؤساء ونصرالله وأهل المخيمات: الإغاثة قبل السياسة أحمد الحاج علي|الأربعاء30/06/2021
تكتسب “ساحة” لبنان في استراتيجية حركة “حماس” أهمية متنامية، ظهرت من خلال توافد مسؤولي الحركة بشكل كبير على بيروت خلال العامين الأخيرين، وآخرها زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية. كما أن أحداثاً عديدة وقعت مؤخراً أشارت إلى أهمية تلك الساحة، من بينها إطلاق الصواريخ من لبنان نحو فلسطين المحتلة أثناء معركة “سيف القدس”، وتصاريح أدلى بها قادة في الحركة على رأسهم رئيس حركة “حماس” في غزة يحيى السنوار، أشار فيها إلى أن التنسيق خلال المعركة كان على مستوى عال بين حركته و”الإخوة في لبنان”.
مجال لبنان المفتوح
لا تخرج لقاءات هنية مع الرؤساء الثلاثة وأمين عام حزب الله عن هذا السياق، وإن كان قد التقى قبل ذلك بمسؤولين في المغرب وموريتانيا، إلا أن معظم لقاءات “حماس” العربية الرسمية خارج لبنان، تبدو ظرفية تتصل بزمان وأجواء محددة، بينما علاقاتها بلبنان الرسمي تبدو أكثر رسوخاً لاعتبارات عديدة. والنظرتان شبه متطابقتين فيما يخص الصراع مع الاحتلال، وإن اختلفتا في النظرة إلى حقوق الفلسطينيين.
تدرك “حماس” أن المجال الإعلامي المفتوح أمامها في لبنان غير متوافر في مكان آخر، فهو البلد الذي احتضن الغالبية العظمى من الصحف والنشرات الفلسطينية ومراكز الدراسات والأبحاث، وكذلك الفعاليات الجماهيرية. وهو الجغرافيا العربية الوحيدة التي ما زالت مفتوحة على الصراع مع إسرائيل. وكان تصريح السنوار واضحاً بأن “الرشقات من لبنان وسوريا والطائرة التي أُرسلت كانت بتنسيق كامل بين المقاومة في لبنان والمقاومة في غزة، وواثقون بأنه لو تدحرجت الأمور فإنهم سيكونون معنا في الميدان. وكنا على ثقة أن الجبهات كلها ستُفتح إذا استمرت الحرب”.
ومع ذلك، فإن هذا الخطاب، الذي قد يُسعد قطاعات فلسطينية ولبنانية ليست بالقليلة، يثير في الوقت نفسه شرائح أخرى. فهل يدخل في باب السياسة أم يعكس حقيقة التنسيق والميدان؟ خاصة وأن هنية كان واضحاً في زيارته الماضية بتصريحه بأن “صواريخ المقاومة الفلسطينية ستنطلق من أرضنا الفلسطينية باتجاه أراضينا الفلسطينية المحتلة، ولن نصدّر التهديدات من لبنان باتجاه فلسطين. ولن نسعى لتوريط لبنان، ولن نتدخل بالشؤون الداخلية للبنان”. فهل هو تغيير في استراتيجية “حماس” أم في شكل الخطاب فقط؟ معظم الترجيحات تشير إلى الاحتمال الثاني، على اعتبار أن خيار “حماس” المعلن ما زال حتى اليوم هو عدم نقل الصراع المباشر إلى الخارج، لتأثيراته السلبية على علاقات “حماس” وعلى اللاجئين الفلسطينيين.
حقوق أهل المخيمات
رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية التقى رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وكانت هناك إشادات بالمقاومة الفلسطينية، وأدائها خلال المعركة الأخيرة، وشدد هنية على تمسك الشعب الفلسطيني بحقّ العودة، ورفض التوطين والوطن البديل، داعيًا إلى تحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني في لبنان.
ووفق مصدر فلسطيني، كان لافتاً إشارة هنية إلى ضرورة استفادة الفلسطينيين من البطاقة التموينية، على اعتبار أنهم يعيشون الظروف نفسها التي يعيشها اللبنانيون. ورغم رفض المسؤولين اللبنانيين لهذا الاقتراح، فإنه اتُفق على الضغط اللبناني الفلسطيني المشترك على الأونروا لتقديم بديل إغاثي للفلسطينيين.
وكذلك جمع لقاء بين أمين عام حزب الله حسن نصر الله ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية “ناقش تفصيلياً معركة “سيف القدس”، مؤكدين على أهمية نصر المقاومة وهزيمة الاحتلال الإسرائيلي”. وأكد الطرفان “على أهمية تمكين المقاومة من البناء على النصر الكبير للوصول للنصر الحاسم على الاحتلال”، مشددين على عمق العلاقة القائمة بين حزب الله و”حماس”. كما “أكد الطرفان على الموقع الأساسي لحزب الله في محور المقاومة وفي معركة “سيف القدس” والمعركة الحاسمة مع الاحتلال”.
كذلك التقى رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية ووفد قيادة الحركة، قيادة الجماعة الإسلامية في لبنان برئاسة الأمين العام للجماعة عزام الأيوبي.
وفي قاعة عند طريق المطار استقبل هنية المئات من الفاعليات الفلسطينية في لبنان، وألقى كلمة اعتبر خلالها أن هناك خمس نتائج لمعركة “سيف القدس”. أولها أنه من المرات القليلة التي تبادر المقاومة في غزة بفتح معركة “ليس من أجل غزة وفك الحصار والمعابر، بل من أجل قضية القدس، التي فلسطين بدونها لا شيء، وهي بذلك كرّست أهمية القدس، ونسفت صفقة القرن”.
النتيجة الثانية، وفق هنية، التأكيد على أن الخيار الوحيد للتحرير والعودة “هو خيار المقاومة، فحصاد المفاوضات كان مرّاً”. معتبراً أن “إسرائيل غير قادرة على حماية نفسها، أو اتخاذ قرار بعملية برية”. مشدداً على أن “ما أخذناه بسيف القدس، لن نعطيه بسيف الإعمار”. النتيجة الثالثة، تابع هنية، هي إبراز وحدة الشعب الفلسطيني في الجغرافيا والتاريخ والموقف من المقاومة. داعياً إلى العمل على الحفاظ على استقرار المخيمات “وهذا لبنان يحبنا ونحبه”. مشدداً على أهمية ترتيب البيت الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
أما النتيجة الرابعة فهي إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في بعدها العربي والإسلامي “فهذه القضية هي نقطة إجماع في البلاد العربية بين اليمين واليسار، والإسلامي والعلماني”. أما النتيجة الخامسة، فهي إحداث تحول في الرأي العام العالمي وتغيّر في المواقف الدولية “فهذه القضية ذات بعد إنساني أيضاً”.
الموت المقنَّع واليتم
اللافت أن معظم أسئلة الجمهور اتجهت نحو الموضوع المعيشي، فالسؤال الأول كان حول معاناة الفلسطينيين القادمين من سوريا، والسؤال الثاني حول إعادة إعمار مخيم نهر البارد، والثالث عن تراجع خدمات الأونروا.
فحماسة الفلسطينييين للمقاومة، وإنشادهم عند دخول هنية “قال القائد إسماعيل، لن نعترف بإسرائيل”، لا تستطيع أن تخفي خوفهم من المستقبل بعد سنوات من تراجع دورهم. إنهم يشعرون بالمخاطر الآتية، ويرونها حتمية، ويريدون مبادرات إضافية على المستوى الإنساني، تطرد مشاعر انعدام الأمان، والعيش في “موت مقنّع” يجعل الموت الحقيقي خياراً مقبولاً لكثيرين منهم.
لا يريدون للشعور بـ”اليتم السياسي” الذي تحدث عنه هنية العام الماضي أن يظل ممتداً ويتأبّد، خصوصاً أن التوترات السياسية الفلسطينية في تصاعد، ليُضاف الخوف من انفجار أمني إلى الخشية من انفجار اجتماعي، وكان الاعتداء إلى جانب سفارة فلسطين مؤشراً خطيراً. الفلسطيني في لبنان إنسان مستباح مهما كانت حلاوة الكلام الرسمي، الذي لن يغير كثيراً من طعم أمل يلوكه الفلسطينيون منذ 73 عاماً حتى غدا طعمه مراً، إن لم تدخله نكهات لمبادرات جادة.