لم يكن قرار جمعية «بَنين» الخيرية باقتحام البنك اللبناني السويسري عبثياً أو وليد اللحظة. استنفدت الجمعية كلّ السّبُل في محاولة لاستعادة مبالغ مالية حوّلها متبرعون من أميركا وأفريقيا ودول أخرى لمساعدة أربعة مرضى يحتاجون إلى إجراء عمليات جراحية في تركيا وفرنسا وإيطاليا. غير أنّ المصرف وضع يده عليها إثر صدور إقفال المصارف يوم 17 تشرين الأول 2019، رافضاً تحويلها إلى الخارج بحجة أنها لم تعد «دولارات طازجة» (fresh dollars). حاول مجلس إدارة الجمعية بالحُسنى مع المصرف. استعطفوه باسم معاناة المرضى، لكن ذلك لم ينفع. لجأوا إلى القضاء للادّعاء عليه، فردّ بإغلاق حسابهم وإيداعهم المبلغ المالي بشيكّ مصرفي رفض رئيس الجمعية، محمد بيضون، تسلّمه على اعتبار أنّ هذا الشيك ليس سوى ورقة لم تعد تصلح للحصول على الأموال. لجأت الجمعية إلى المصرف المركزي لترسل رسالة استرحام، علّ ذلك ينفع في الإفراج عن المبالغ المحتجزة، لكنّ ذلك لم ينفع أيضاً. لم تُفلح باستعادة أموال التبرعات بالحُسنى، ولم يقف القضاء إلى جانبها مع أنها صاحبة حقّ. عندها قرر رئيس الجمعية محمد بيضون استيفاء حقّه بيده. خطّط لدخول المصرف والبقاء فيه لإجباره على تحويل أموال التبرعات إلى خارج لبنان. جمع العائلات والنسوة وأفراداً من الجمعية ليدخلوا المصرف صباح أمس. حضروا بمؤازرة وسائل إعلامية ليُنقل كل شيء بالصوت والصورة لقطع الطريق على أي فبركات قد تُحاك ضدهم لاحقاً. ويُحسَب لجمعية «بَنين» أنها نجحت في إجبار المصارف، التي هرّبت أموال السياسيين والمتنفّذين إلى خارج لبنان، على تحويل مبلغ ١٤٣ ألف وخمسمئة دولار و٢٣ ألف يورو إلى حسابها في تركيا. وفوق ذلك، حصلت الجمعية من إدارة المصرف على تعهّد وإبراء ذمّة مطلق غير قابل للرجوع عنه بعد إجراء التحويل إلى العاصمة التركية اسطنبول.
جُنَّ جنون المصرف. ووقف إلى جانبه باقي المصارف. إذ إنّ خطوة جمعية «بَنين» ونجاحها في تحويل مالها إلى خارج لبنان قد تُشجّع باقي المودعين على الحذو حذوها. لذلك أعلن البنك اللبناني السويسري إقفال أبوابه، وتضامنت معه جمعية المصارف، معلنة «الإضراب» اليوم. المصارف نفسها التي تفتش عن إعلاميين لتدفع لهم المال لتلميع صورتها، سبق أن دفعت مبالغ بالـ fresh dollars لعدد من الوسائل الإعلامية للوقوف إلى جانبها. ولم تكتف بذلك، بل تمارس، مع سياسيين ورؤساء حكومات ورجال دين، ضغوطاً على القضاء اللبناني لدفعه إلى توقيف رئيس جمعية «بَنين» محمد بيضون، الذي «احتلّ» المصرف أمس، مطالباً بحقوق الضعفاء. وقد تلقّى بيضون اتصالاً من فرع المعلومات يطلب منه الحضور للتحقيق معه، بناءً على إشارة المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات. فهل سيرضخ الأخير للتدخلات السياسية ويوقف بيضون؟ وهل تنجح المصارف في تأديب الجمعية لتكون عبرةً لغيرها كي لا «تسوِّل نفس» أحد من المودعين له تقليدها؟