أسلحةُ القمع الإسرائيلية
عرب 48
استخدمت الشرطة الإسرائيلية أسلحة عدة لتفريق المتظاهرين السلميين في البلدات العربية على خلفية الاحتجاجات الأخيرة ضد العدوان على غزة واقتحام المسجد الأقصى ومحاولات ترحيل سكان حي الشيخ جراح في القدس، واعتداءات المستوطنين على مواطنين عرب في البلاد.
وكان واضحا استخدام الشرطة والوحدات الخاصة و”حرس الحدود” التابعة لها وقوات من الجيش، الرصاص المطاطي وأحيانا الرصاص الحي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع وسيارات رش المياه العادمة، في شوارع ومداخل البلدات العربية، وتدخل جهاز الأمن العام (الشاباك) لبث أجواء من الترهيب والرعب بهدف قمع الاحتجاجات.
وبحسب شهادات جمعها “عرب 48” فإن الأسلحة التي استخدمتها الشرطة أوقعت إصابات خطيرة وإعاقات مستديمة لعدد من المتظاهرين.
وأظهرت الشهادات صورة قاتمة في استخدام مفرط للأسلحة من قبل الشرطة والأجهزة الأمنية، والتي كان من المفترض ألا تكون “فتّاكة” تجاه متظاهرين سلميين.
وإزاء استخدام السلاح لتفريق المتظاهرين، قال الباحث د. أسامة طنوس، لـ”عرب 48″ إن “هدف الشرطة من هذه الأسلحة الإيذاء وترك الآثار على أجساد المتظاهرين، ليمرروا رسالة تهديد”.
واعتبر أن “أسلحة التفريق قاتلة وفتاكة بعكس وصفها من قبل الأجهزة الأمنية”.
وأضاف أنه “مع مرور الوقت تطور التفكير القمعي عند الأجهزة القمعية، وفهمت أنه لا يمكن استخدام الأسلحة التي تستخدم في الحروب، لأنها فهمت أن كل قتل مواطن يشعل الأمور أكثر، وحين تحولت الشرطة إلى أكثر عسكرة حصلت تطورات على وسائل تفريق المظاهرات”.
ورأى طنوس أنها “أسلحة يمكنها القتل، فالكثير من الأبحاث أثبتت ذلك. الوفيات غالبا تحدث من الرصاص المطاطي أو قنابل الغاز التي تصيب الجسم مباشرة، لأنه في كثير من الأحيان تطلق على مناطق من أجساد المتظاهرين”.
وأوضح أن “عنف الشرطة في تصاعد، من جهة هي تريد أن تترك آثارا على أجساد المتظاهرين، ومن جهة أخرى لا تريد القتل. الهدف هو التفريق، مع تلقين المتظاهرين درسا ولتزرع الخوف في نفوس الآخرين الذين يريدون التظاهر”.
واعتبر طنوس أن “هذه الأسلحة أبدا ليست سلمية، وتترك آثارا للمدى البعيد على المصابين، كالعمى وإصابات الرأس ومشاكل بالسمع وارتجاجات”.
وعن قنابل الغاز، قال طنوس “إنها تسبب تهيجا في العيون والرئتين، والضرر يتعلق بالوقت الذي تعرض الشخص فيه للغاز، ولكن إصابة بالقنبلة ذاتها تسبب ضررا كبيرا، وفي حالات تسبب القتل إذا أصابت الجسم في مناطق حساسة”.
وختم طنوس بالقول إن “الكثير من الانتقادات وجهت إلى مستخدمي هذه الأسلحة في دول مختلفة، ولكن في إسرائيل لا قانون يُحترم، فالشرطة والجيش يقتلون الشباب دون عقاب، فهل نتوقع أن يحترموا القانون في أسلحة التفريق”.
وبحسب “عدالة – المركز القانوني لحقوق الأقليّة العربيّة في إسرائيل” فإنه في “الأحداث الأخيرة رصدت انتهاكات كثيرة أشارت إلى تصعيد من قبل الشرطة في الاستعمال القاتل لأسلحة التفريق المختلفة”.
وأكد “عدالة” أن “مئات من الإصابات خلفتها هذه الأسلحة في الهبة الأخيرة، منها وصفت بالخطيرة والحرجة، وبعض الإصابات أفقدت المتظاهرين أعينهم أو تسببت لهم بإعاقات مستديمة”.
وذُكر في تقرير المنظمة الحقوقية “بتسيلم” في العام 2013 أن “10 فلسطينيين قتلوا في 6 سنوات بسبب أسلحة تفريق المظاهرات”. وأشير في التقرير إلى أن “عناصر الشرطة والجيش تنتهك تعليمات استخدام الأسلحة بشكل مستمر. في العام 2000 فيما عرف بأحداث أكتوبر، أوصت لجنة ‘أور’ للشرطة بالامتناع عن استخدام الرصاص المعدني المغلف، كذلك مراقبة عناصر الشرطة في استخدام قنابل الغاز المسيلة للدموع، ولكن على الرغم من ذلك فإن استخدام الرصاص المعدني المغلف مستمر وانتهاك التعليمات كذلك”.
وجاء في تقرير من مجموعة “هو بروفيتس” أن “إسرائيل تستعمل في بعض الأحيان هذه الأسلحة من الشركات المصنعة، على الأراضي الفلسطينية كحقل تجارب ضد المدنيين الفلسطينيين، لأجل فحصها إذا كانت ذات فاعلية أم لا، وبذلك تكون كسبت مرتين، الأولى في استعمال الأسلحة لقمع الفلسطينيين، والثانية بتقديم التقارير للشركات المصنعة”.
إعاقات مستديمة
لم يتوقع الشاب يوسف عيسى من مدينة اللد، أن خروجه من المقهى، يوم 10 أيار/ مايو 2021، سيبقيه في المستشفى مقعدًا بعد أن أصيب برصاصة مطاطية بالرأس أطلقها عنصر من الشرطة.
وقال عيسى لـ”عرب 48″ إن “عنصرا من الشرطة أطلق علي رصاصة مطاطية على بعد أمتار قليلة أصابتني في الرأس”
ولا يزال عيسى يعاني الإصابة بعد أن كان 23 يوما في غيبوبة.
وقال إن “أفراد الشرطة أرادوا قتلي”، موضحا أنه “لو كانوا فعلا يريدون إبعادي لأطلقوا الرصاص على القسم السفلي من جسدي وليس على الرأس”.
وفي الليلة التي سبقت ليلة القدر في رمضان الماضي، أصيب الشاب محمود شيخ يوسف من الطيبة، بقنبلة صوتية في المسجد الأقصى المبارك بالقدس المحتلة، بعد اقتحامه من قبل قوات الشرطة، أدت إلى فقدانه العين اليمنى.
وبدوره، وثّق الشاب إبراهيم سوري من يافا، إحدى أخطر هذه الاعتداءات، إذ إنّه أُصيب برصاصة مطّاطيّة في وجهه داخل بيته حين كان يوثق اعتداءات الشرطة، ما تسبب له بكسور في وجهه، ولا يزال يرقد في المستشفى بسببها.
وروى سوري لـ”عرب 48″، لحظات إصابته، قائلا إنه “كنت جالسا في البيت، في وقت عاثت الشرطة فوضى في الحيّ، ولمّا مرّوا من تحت منزلي، سمعتهم يسبون النبيّ محمّد، هنا أردت أن أوثّق تصرفاتهم، ولما رآني أحدهم، لمحتهم يتبادلون الإشارات بينهم وهم ينظرون إليّ بحقد”.
وأكد سوري أن “الشرطي الذي أطلق عليّ النار تعمد إصابتي في منطقة الرأس”.
أسلحة ضد العرب فقط!
ولا يقتصر الانتهاك على استخدام الأسلحة، فقد أفادت شهادات قدمها عدد من سكان المدن المختلطة، ووثق “عدالة” بعضها بأن الأسلحة استخدمت فقط في الأحياء العربية داخل الكدن المختلطة والبلدات العربية ما يضيف تمييزا فوق الانتهاك.
وروى المحامي تيسير شعبان من اللد، لـ”عرب 48″، إصابته بالغاز المسيل للدموع ليلة عيد الفطر، وقال إن “الشرطة أطلقت القنابل المسيلة للدموع بكثافة تجاه السكان وفي أحياء سكنية وبصورة عشوائية”.
وأكد أن “الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع بصورة مكثفة تجاه السكان دون حاجة لها، وأوقعت مئات من الإصابات في المظاهرات، وفي جنازة الشهيد موسى حسونة، وألقوا داخل المسجد قنابل، بشكل يتعمد الإصابة”.
وأشار شعبان إلى أن “الشرطة أطلقت قنابل الغاز والرصاص المطاطي على بيوت عائلة حمدوني، بعد فزعة الشبان العرب على إثر هجوم المستوطنين على العائلة بالأسلحة. القنابل أطلقت تجاه العرب فقط”.
وعن إصابته بالغاز قال إن “الشعور كان مخيفا. في الدقيقة الأولى تفقد الأكسجين، ومن ثم تبدأ بالركض وأنت خائف لأنك تريد هواء وتريد أن تتنفس، وهذا يسبب ارتباكا وخوفا. ويبقى السؤال، لماذا هذا الانتقام؟”.
وقالت الناشطة السياسية سهير بدارنة من حيفا، لـ”عرب 48″، إن “الشرطة استخدمت سيارة رش المياه العادمة، ولكن الرائحة كانت أقل بكثير مما كانت عليه في الشيخ جراح بالقدس، على سبيل المثال، وعلى ما يبدو أنها كانت مياه فقط والرائحة كانت من بقايا مادة كيماوية”.
وأضافت أن “إلقاء القنابل كان بهدف الإصابة، ليس التفريق فحسب، فالعشوائية التي أطلقت فيها القنابل تدل على ذلك، عدا عن الكمية الكبيرة من القنابل والرصاص المطاطي. هناك محلات تجارية ليهود وعرب، وشارع ‘بن غوريون’ يزوره سائحون بشكل يومي”.
وقال الصحافي والناشط السياسي، رشاد عمري من حيفا، لـ”عرب 48″ إن “سيارة رش المياه العادمة استخدمت في حيفا، ولكن كانت عبارة عن مياه عادية، وذلك بسبب المحال التجارية التي تتبع لمواطنين يهود أيضا وبسبب السياحة، إذ لا يريدون إيذاء محلات اليهود والسياحة”.
وأشار إلى أن “الرصاص المطاطي أطلق بكثافة تجاه المتظاهرين وكان بهدف التسبب بإصابات وإعاقات، وكذلك القنابل الصوتية وقنابل الغاز، ولكن غالبية الإصابات التي كنت شاهدا عليها من جراء إلقاء القنابل الصوتية”.
وختم العمري بالقول إن “أحد المتظاهرين من حيفا فقد عينه بسبب قنبلة صوتية. الشرطة كانت تلقي القنابل داخل المحلات التجارية والمطاعم العربية، وغالبية الرصاص المطاطي كان في القسم العلوي من الجسد”.
استعمال غير قانوني للأسلحة
وقال المحامي وسام شرف من مركز “عدالة”، لـ”عرب 48″، إن “هذه الأسلحة تستخدم حسب إجراءات تحددها الشرطة، ولكن حتى هذه الإجراءات مشكوك فيها، وأن تسمح الشرطة بترك علامات على الأجساد من هذه الأسلحة أمر مشكوك في قانونيته”.
وعن قنابل الغاز المسيل للدموع، أوضح أنه “من المفترض أن يكون الغاز المسيل للدموع الوسيلة الأخيرة لتفريق المتظاهرين. ينص قانون استخدام الغاز في حالة واحدة، وهو أن المتظاهرين استخدموا الأسلحة البيضاء ضد قوات الشرطة، أي إذا رأينا استعمالا للغاز نفهم أنه تم استعمال الأسلحة البيضاء ضد الشرطة، لأنه لا يمكن استخدامه في حالة أخرى”.
وأشار شرف إلى أن “لجنة أور خرجت بمستخلصات في أحداث أكتوبر 2000، بأن استخدام الغاز المسيل للدموع سيكون مميتا إذا أصاب بشكل مباشر، ووصلت إلى نتيجة بأنه يجب على الشرطة أن تقلل من استخدام الغاز، وفحص قانونية استخدامه من قبل عناصرها”.
وأضاف أنه “في عديد من الحالات تم رصد انتهاكات للشرطة بهذه الأسلحة، في الهبة الأخيرة اقتصر استخدام الغاز على البلدات العربية، لم نشاهد استخداما للغاز في أي بلدة يهودية، وتم استخدامه في مظاهرات سلمية، كذلك سيارة رش المياه العادمة، لم تستعمل بالحدة كما في البلدات اليهودية وفي البلدات المختلطة، كان الاستخدام يقتصر على المياه العادية أو نسبة قليلة جدا من المواد الكيماوية بعكس المناطق العربية”.
وعن إجراءات الشرطة واستخدام سيارة رش المياه قال إنه “يجب أن تستخدم في المظاهرات غير القانونية وبعد الحصول على موافقة قائد الشرطة في المكان، ورش المياه يجب أن يكون فقط على المنطقة السفلية للجسم وتحديدا على الأرجل بهدف تفريق المتظاهرين. لا توجد تعليمات تقول إن هناك استثناءات أن تُرش المياه على الرأس أو الصدر، الحالة الوحيدة فقط على الأقدام، لأنه إذا مس القسم العلوي ستكون المادة قاتلة”.
وختم شرف بالقول إنه “رصد استخدام مكثف لهذه السيارة في البلدات العربية، كذلك استخدام غير قانوني وإصابات بالقسم العلوي ورشق المياه بصورة عشوائية على أماكن سكنية، ودون وجود تظاهرات، وخاصة بالقدس والشيخ جراح واللد، لإلحاق العقاب الجماعي لجميع البيوت في المنطقة”.
وقال الممرض والمسعف الميداني، طه إغبارية، الذي عالج الكثير من المصابين في الهبة الأخيرة، لـ”عرب 48″، إن “أغلب الإصابات كانت من جراء أسلحة التفريق، الرصاص المطاطي وقنابل الصوت والمسيلة للدموع، وجزء كبير منها في القسم العلوي”.
وأشار إلى أن “أكثر الإصابات كان من الغاز المسيل الدموع، الاختناق والسعال الشديد وتشويش في النظر، ثم إصابات بالرصاص المطاطي وأغلبها يظهر على شكل كدمات زرقاء كبيرة على الجسم مع ألم شديد جدا للمصاب، وإصابات متنوعة بالقنابل الصوتية بسبب الشظايا أو حروق درجة أولى بسبب انفجارها”.