فتحت جريمة مقتل الناشط السياسي المعارض للسلطة الفلسطينية، نزار بنات، داخل مقر جهاز الأمن الوقائي في مدينة الخليل، بعد تعرضه للتعذيب، باب التساؤل حول طبيعة ونشأة وعمل ومهام هذا الجهاز الأمني، والذي يرتبط بذهنية الفلسطينيين بصورة الاعتقال والتعذيب والقتل، فضلا عن ارتباطه الوثيق بالتنسيق مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.
ويحظى الجهاز ذو السمعة السيئة ودائمة الحضور لدى تقارير المنظمات الحقوقية الداخلية والدولية، بسجل حافل من انتهاكات حقوق الإنسان، بدءا من الاعتقال على خلفية سياسية، وليس انتهاء بالتعذيب الشديد والقتل داخل الزنازين، إلى جانب تعاليه ورفضه تنفيذ العديد من أحكام السلطة القضائية الباتة بالإفراج عن موقوفين سياسيين.
النشأة والمسار:
كانت بداية نشأة الجهاز على يد رئيس السلطة الفلسطينة الراحل ياسر عرفات، وجاء نتاجا لاجتماعات ما قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، حيث ترأسه في الضفة الغربية اللواء جبريل الرجوب وفي قطاع غزة القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.
ويتبع الجهاز لمنظومة الأمن الداخلي في السلطة، ويحمل مهاما وفق مسودة إنشائه استخباراتية سرية مثل مكافحة التجسس والإرهاب، وحماية مؤسسات السلطة من الاعتداءات الخارجية والداخلية، وله سجون للتحقيق بهدف الكشف عن “الجرائم” المتعلقة بالأمن الداخلي المحتملة قبل حدوثها، ومن هنا جاءت تسميته بـ”الوقائي”.
ونصت اتفاقية واشنطن بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال عام 1995 على إنشاء ستة فروع للأمن الفلسطيني كان من بينها جهاز الأمن الوقائي، إضافة إلى: الأمن العام، والشرطة، وأمن الرئاسة، والمخابرات، والدفاع المدني.
والأمن الوقائي يعتبر من أكثر الأجهزة الأمنية تنظيما وتغولا، وهو مكلف بالأمن الداخلي أي أمن الأراضي التي تقع تحت حوزة السلطة الفلسطينية، وما يعنيه ذلك من بسط النظام في الشارع الفلسطيني ومتابعة معارضي التسوية ونهج السلطة ومسارها وخطها السياسي.
ضم الجهاز مع بدايات انطلاقه نحو 5 آلاف عنصر في الضفة وغزة حتى عام الانقسام 2007، ومعظم عناصره كانوا عند تأسيسه من نشطاء حركة فتح في الداخل، خلافا للأجهزة الأمنية الأخرى التي كانت تعتمد على الفلسطينيين العائدين مع تأسيس السلطة عام 1994.
شغل محمد دحلان أول رئيس لجهاز الأمن الوقائي في غزة بين عامي 1994 و2002، فيما كان جبريل الرجوب أول رئيس لفرعه بالضفة الغربية قبل أن يحل محله العميد زهير مناصرة سنة 2002.
وفي عهد رئيس السلطة محمود عباس والذي بدأ بعد انتخابه في 2005، تم توحيد جهاز الأمن الوقائي في الضفة وغزة، وتعيين رشيد أبو شباك رئيسا له وللأمن الداخلي كله، لكن عباس أقاله في حزيران/يونيو 2007 بعد المواجهة في غزة مع حركة حماس والتي نتج عنها سقوط مقر الأمن الوقائي الواقع في حي تل الهوا غربي مدينة غزة في يد حماس وفرار عناصر وضباط الجهاز باتجاه الاحتلال ومصر.
وفي عام 2007 ألحق الجهاز بوزارة الداخلية، ونص القانون الصادر عن رئيس السلطة -ويحمل رقم (11) لسنة 2007- على أن جهاز الأمن الوقائي هو إدارة عامة أمنية نظامية ضمن قوى الأمن الداخلي التي تتبع وزارة الداخلية وتعمل في مجال الأمن.
وحدد المقر الدائم للإدارة العامة للجهاز في مدينة القدس “نظريا”، وحدد مقران مؤقتان في مدينتي رام الله وغزة مع جواز فتح إدارات فرعية في المدن الأخرى، وتخويل مجلس الوزراء بالمصادقة على الهيكلية التنظيمية للجهاز.
ماليا تندرج موازنة الجهاز ضمن موازنة وزارة الداخلية، وتلقى الجهاز منذ نشأته تدريبا وإنفاقا ماليا أمريكيا وما يزال من وكالة الاستخبارات الأمريكية، ودعم لوجستي وفني من دول أوروبية، ولا يعلم حتى اللحظة حجم موازنة الأجهزة الأمنية، أو وجوه صرفها، أو جهات داعميها، ولا تخضع موازنتها للنقاش لدى الحكومة كما لا تعرض على المجلس التشريعي منذ نشأته.
أبرز الاتهامات:
وجهت العديد من التهم لجهاز الأمن الوقائي، لكن بعض الحوادث شكلت حدثا بارزا ما يزال في ذاكرة الشارع الفلسطيني كلما ذكر اسم الجهاز، ومن أبرزها:
تسليم خلية صوريف:
شكلت اتهامات تسليم اللواء جبريل الرجوب ما عرف بخلية صوريف والمكونة من قيادات من كتائب القسام في الضفة هما عبد الرحمن غنيمات وإبراهيم غنيمات وجمال الهور عام 1997م للإسرائيليين، صدمة كبرى في الشارع، دفعت الفلسطينيين للخروج حينها إلى الشوارع وإطلاق الهتافات ضد نهج ما أسموه بـ “العمالة”.
واعتقل الرجوب أعضاء الخلية ووضعهم في سجن الأمن الوقائي بالخليل طالبـا منهم ضرورة تسليم خارطة حول مكان جثة جندي إسرائيلي كانت حركة حماس قد اختطفته من أجل مبادلته بمعتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وعند رفض أعضاء الخلية لطلبه قرر نقلهم لمعتقل آخر وفي الطريق تم التنسيق مع الإسرائليين لمداهمة السيارة واعتقالهم منها، حيث تم الحكم عليهم لمدة 520 عامـا.
تصفية محي الدين الشريف:
محيي الدين الشريف قائد عسكري في كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، ويعتبر خليفة يحيى عياش في هندسة المتفجرات، ولهذا يلقب بالمهندس الثاني في كتائب القسام.
اعتقله جهاز الأمن الوقائي في 1998، وتعرض للتعذيب الشديد في سجون الجهاز، برئاسة جبريل الرجوب آنذاك، مما أدى لبتر ساقه وقطعها.
وفي 29 آذار/ مارس 1998 دوى انفجار في بلدية بيتونيا الصناعية في مدينة رام الله وعلى بعد مئات الأمتار من المقر الرئيسي لجبريل الرجوب، ووجدت جثة محيي الدين الشريف داخل سيارة مشتعلة.
ووجهت حركة حماس حينها التهمة للأمن الوقائي، وقالت إنه “تم قتل الشريف تحت التعذيب داخل المعتقلات، وللتهرب من الفضيحة، اضطر جهاز الأمن الوقائي إلى فبركة عملية انفجار السيارة بعد أن وضعت جثته داخلها وهي عارية تماماً، لتتحول في غضون ذلك إلى كتلة من اللهب وبعد ذلك عاد رجال الأمن الوقائي إلى مقرهم وكأن شيئاً لم يكن، ثم تم الادعاء أنه تعرض لعملية اغتيال إسرائيلية”.
مجد البرغوثي (3 أبريل/نيسان 2008)
لجنة تحقيق برلمانية مستقلة حمّلت جهازي الوقائي والمخابرات التابعين للسلطة الفلسطينية المسؤولية عن وفاة إمام المسجد مجد البرغوثي التابع لحركة حماس، وكان رهن الاعتقال لدى الوقائي.
وكان البرغوثي (45 عاما) قد اعتقل بمدينة رام الله قبل أسبوع من وفاته، ولاحظت اللجنة البرلمانية وجود آثار تعذيب على ساقيه وظهره وذراعيه.
محمد الحاج (9 فبراير/شباط 2009)
طالبت القوى الوطنية والفلسطينية بتشكيل لجنة تحقيق محايدة بوفاة عضو حماس محمد الحاج في سجن تابع لجهاز الأمن الوقائي بالسلطة الوطنية بمدينة جنين.
محمد عبد الكريم غنام (30 نيسان/ أبريل 2013)
فقد الناشط في حركة “حماس” محمد عبد الكريم غنام (44 عامًا) من دورا الخليل، النطق جراء التعذيب لدى جهاز “الأمن الوقائي” في الخليل.
تسليم قادة من كتائب القسام خلال حصار المقاطعة 2002
عند اقتحام الدبابات الإسرائيلية لمقر المقاطعة في رام الله وبدء حصار عرفات، رفض الأمن الوقائي بقيادة جبريل الرجوب حينها تسليح عدد من المقاومين، ممن جرى اعتقالهم في المقاطعة، حيث تمكن الجيش الإسرائيلي من الوصول إليهم وهم: بلال البرغوثي، وأحمد أبو طه، وعماد الشريف، وإسماعيل شقشق، وإبراهيم الشوعاني، وأحمد البايض وآخرون، وكان كل السجناء معتقلون على خلفية المشاركة في المقاومة، وهم من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وحماس ولكن أخطر المطلوبين كان هو وبلال وأبو طه. ورغم إبلاغ مدير السجن أنه يوجد قرار بالإفراج عنهم، لكنه رفض، وجرت بعدها المكالمة الشهيرة بين الرجوب والدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي.
تعذيب وقتل على يد دحلان في غزة:
كُلف دحلان عام 1994 بتأسيس جهاز الأمن الوقائي في غزة، وهو الجهاز المتهم بشكل مباشر بممارسة التعذيب ضد معارضي أوسلو في ذلك الوقت وعلى رأسهم حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية.
وأقرّ نائب وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق حينها زئيف بويم بمسؤولية “رجال” دحلان عن قتل العشرات في زنازين الوقائي في غزة في لقاء سجل في عام 2004، وتعذيب المئات كان من أبرزهم القيادي في حركة حماس الدكتور محمود الزهار، ودفعت عمليات الاعتقال والتعذيب والقتل المتتالي لجهاز الأمن الوقائي في غزة، والذي طال عددا من عناصر وقيادات كتائب القسام، لاتخاذ الحركة في غزة قرارا بالحسم العسكري ضد الجهاز وعناصره.
الأمن الوقائي بعد بدء الانقسام:
بعيد الانتخابات التشريعية لعام 2006، انتقلت مسؤولية الجهاز من الرئاسة إلى الحكومة (تم استرجاعها لمهام الرئاسة بعد تسلم إسماعيل هنية رئاسة الحكومة بعد ذلك)، ولا تنص اتفاقية أوسلو للعام 1993 على تشكيل الجهاز نصا، لكن تشكيله تم بتوافق بين الاحتلال والسلطة، وفي عهد رئاسة محمود عباس تم توحيد الجهاز في الضفة وغزة وتعيين رشيد أبو شباك رئيساً له حتى إقالته عام 2007 عقب أحداث غزة. ومن ثم تسلم الجهاز في الضفة وغزة حتى الوقت الحالي اللواء زياد هب الريح، لكن يقتصر عمله على الضفة الغربية المحتلة بشكل رئيسي.
وتم الاتفاق بعد بدء الانقسام الفلسطيني، بين قادة الأجهزة الأمنية في الضفة، وأجهزة الأمن الإسرائيلية على محددات العمل لمنع نشاط حركة حماس في الضفة، وتم الاتفاق رسميا على أن تقوم “إسرائيل”، بمنح جهاز الأمن الوقائي حرية الحركة والعمل في مختلف المناطق الفلسطينية، بما فيها الخاضعة أمنيا لسيطرته بالتنسيق، مقابل تسهيل مهام جيش الاحتلال في المقابل داخل الأراضي المحتلة.
التكوين الهيكلي للجهاز إداريا:
1. الإطار القيادي، ويشمل:
– القائد.
– النائب.
– رئيس العمليات.
– المديريات والشعب:
· شعبة الموسيقى.
· شعبة التنظيم والإدارة.
· مديرية القضاء.
· شعبة العمليات المركزية.
· شعبة التدريب.
· شعبة التسليح.
· شعبة التخطيط والدراسات.
· مديرية اللاسلكي.
· مديرية النقليات العامة.
· مديرية الارتباط العسكري.
· مديرية المالية العسكرية.
· مديرية الإنشاءات العسكرية.
· مديرية الخدمات الطبية العسكرية.
· شعبة اللوازم العامة.
· مديرية التوجيه السياسي والمعنوي.
· مديرية الاستخبارات العسكرية.
· مديرية الشرطة العسكرية.
2. قادة المناطق/ قيادات المناطق للمحافظات.
3. كتيبة خاصة (احتياط بيد القائد).
أبرز القيادات الحالية لجهاز الأمن الوقائي:
1- رئيس الجهاز:
يقف على رأس الجهاز اللواء زياد هب الريح (61 عاما)، وهو من أقدم شخصيات الأمن الوقائي ويقف على رئاسة الجهاز في الضفة الغربية منذ العام 2003، وبعد أحداث قطاع غزة عُين قائدا لجهاز الأمن الوقائي.
و”هب الريح”، يعيش حالة تنافس كبيرة وحساسة مع ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطيني، وهي حساسية وجدت منذ بدايات تشكيل الأجهزة الأمنية في عهد عرفات وما زالت مستمرة حتى اليوم، حيث تعمد عرفات خلق نحو 12 جهازا أمنيا حتى لا تتجمع القوة والمعلومة بيد جهاز وشخص واحد، ما أدى لحالة تنافس غير شريفة كما سمتها صحيفة معاريف بين الأجهزة حتى يومنا هذا.
2- العميد محمد نزال (أبو حلمي) مدير الأمن الوقائي السابق في الخليل
العميد محمد نزال أبو حلمي، عين مديرا للأمن الوقائي في الخليل من 2017 حتى شباط 2020، وأصبح اليوم مديرا لجهاز الأمن الوقائي في محافظة نابلس شمال الضفة المحتلة.
3- مدير جهاز الأمن الوقائي في الخليل اللواء محمد زكارنة (أحد المتهمين الرئيسيين بمقتل نزار بنات):
في شباط/ فبراير 2020، تم تعيين اللواء محمد زكارنة “أبو جهاد” مديرا لجهاز الأمن الوقائي في محافظة الخليل المحتلة وما زال على رأس عمله، خلفا للعميد (محمد نزال أبو حلمي)، الذي تم نقله إلى مديرية الجهاز في نابلس.
4- العقيد ماهر أبو الحلاوة نائب مدير جهاز الأمن الوقائي في الخليل (المتهم الأول والرئيسي في عملية قتل نزار بحسب بيان لعائلة بنات):
أكد بيان مجلس عائلة بنات، أن العقيد أبو الحلاوة هو من أصدر قرار اغتيال ابنها نزار بنات، من داخل مكتبه في مقر الأمن الوقائي بمحافظة الخليل.
وركز مجلس عائلة بنات في بيانه الصحفي عقب جريمة الاغتيال على المطالبة بشكل واضح على إقالة محافظ الخليل وكذا العميد أبو الحلاوة، وحملهم مسؤولية الجريمة، ومسؤولية ما سيحصل ما داموا في مناصبهم.
فيسبوك تكشف حملة تجسس لجهاز الأمن الوقائي
كشفت شركة فيسبوك عن حملة تجسس يديرها جهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية بانتحال صفة صحفيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي نفى فيه المتحدث باسم الأمن الوقائي اتهامات فيسبوك, طالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين النائب العام بفتح تحقيق للوقوف على حقيقة الاتهام. كما طالبت الحكومة الفلسطينية باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية خصوصية المواطنين وحرمة حياتهم الخاصة.
تقول شركة فيسبوك إنها أحبطت حملة تجسس إلكتروني قائمة منذ فترة طويلة، تديرها المخابرات الفلسطينية، والتي تضمنت انتحال جواسيس صفة صحفيين ونشر تطبيق وهمي لإرسال قصص عن حقوق الإنسان.
واتهمت فيسبوك، ما قالت إنه الجناح الإلكتروني لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، بإدارة عمليات قرصنة استهدفت مراسلين ونشطاء ومعارضين فلسطينيين، بالإضافة إلى مجموعات أخرى في سوريا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.
وقال مايك دفيليانسكي، رئيس إدارة تحقيقات التجسس الإلكتروني في فيسبوك، لرويترز قبل نشر التقرير إن أساليب الحملة كانت بسيطة لكن “نراها مستمرة”.
وأضاف أن جهاز الأمن الوقائي كثف أنشطته خلال الأشهر الستة الماضية أو نحو ذلك. وقال إن فيسبوك تعتقد أن الجهاز نشر حوالي 300 حساب مزيف أو مخترق لاستهداف ما يقرب من 800 شخص بشكل عام.
المصدر: متابعات