أيّها اللبنانيّون انتظروا ورقة المليون
عماد الشدياق -أساس ميديا
مع وصول سعر صرف الدولار إلى ما فوق 17500 للمرّة الأولى منذ بداية الأزمة، تكون الليرة اللبنانية قد فقدت من قدرتها الشرائية نحو 1150%. قد يبدو هذا الرقم صعباً على الاستيعاب، لكن يمكن الركون إلى مثال آخر قادر على تقريب الصورة أكثر: فالورقة الخضراء من فئة مئة ألف ليرة، التي كانت تساوي 65 دولاراً قبل الأزمة، باتت اليوم تساوي 5.6 دولارات فقط، أي ما قيمته 8500 ليرة لبنانية فقط لاغير!
هذا يعني أنّ أكبر عملة ورقية لبنانية ما عادت تساوي أكثر من خمسة دولارات، وهذا مؤشّر إلى قربنا من التخلّي عن الفئات الحجرية الصغيرة، مثل الـ250 والـ500 ليرة، لعدم قدرتها على شراء أيّ غرض، وربّما بداية التفكير، مليّاً وجديّاً، في طباعة ورقة من فئة 500 ألف أو مليون… وربّما أكبر، على غرار ما قامت به “الجارة” سوريا، مطلع العام الحالي، من طرح ورقة 5 آلاف ليرة سورية.
إذاً لامس سعر صرف الدولار، أمس في بيروت، عتبة 18 ألفاً، مسجّلاً 17600 ليرة للشراء و17500 ليرة للمبيع، مترافقاً مع قفزات غير مشهودة على تطبيقات الهواتف الذكية، بلغ حجمها 300 ليرة في كل قفزة.
كشفت مصادر صيرفية في العاصمة بيروت لـ”أساس” أنّ “أغلب صرّافي العاصمة توقّفوا أمس السبت عن بيع الدولار، وانكبّوا على شرائه فقط تحسّباً لمزيد من الارتفاعات مع بداية الأسبوع المقبل”. إذ تشير الأجواء السياسية والاقتصادية إلى أنّنا قد نكون إزاء انفلات كبير في سعر الصرف، وهو ما سبق أن أشار إليه “أساس” قبل أسابيع في أكثر من مقال.
يومئذٍ رجّح “أساس” أن يصل سعر صرف الدولار إلى ضعفيْ الرقم الذي يبيع به مصرف لبنان دولاراته للمستوردين وللتجّار (12 ألفاً مقابل 24 ألف ل.ل)… وها نحن نقترب من هذه العتبة سريعاً.
أمّا المحلّات التجارية في بيروت فأقفلت أبوابها، وتريّثت هي أيضاً في بيع السلع، انتظاراً لانجلاء الأجواء في بداية الأسبوع المقبل، وسط توقّعات أن يستمر هذا التأرجح الكبير في سعر الصرف صعوداً وهبوطاً في الأيام المقبلة لسحب أكبر قدر ممكن من الدولارات، وسط صمت مطبق من المصرف المركزي منذ يوم الجمعة الفائت.
ولفتت مصادر بقاعية خاصة بـ”أساس” إلى أنّ سعر الصرف في شتورة وصل مساء يوم الجمعة إلى 17100 ليرة للشراء، مستبقاً القفزة الكبيرة التي شهدها السوق في بيروت صباح أمس السبت، فيما كان الصرّافون غير الشرعيين في البقاع يشترونه ظهر أمس السبت على سعر 18100 ليرة.
وأكّدت المصادر نفسها أنّ السوق في طرابلس كان أوّل من باشر الطلب على الدولار بهذا الشكل الكثيف منذ بعد ظهر يوم الجمعة على سعر مبدئي انطلق من 16700 ليرة. وهذا يعني أنّ هاتين المدينتين القريبتين من الحدود السورية، هما مَن بادرتا إلى الطلب على الدولار، وتسبّبتا بارتفاعه المجنون إلى هذا الحدّ، لأغراض ربّما تكون على علاقة بحاجة بعض التجار في الداخل السوري وليس في لبنان!
وعليه، فإنّ كل ما سبق ذكره ينذر بدخولنا مرحلة جديدة عنوانها “رفع الدعم” و”التهافت على الدولار” من قبل 3 جهات:
1- المصارف لدفع الـ400$ من الودائع.
2- التجّار لتمويل الاستيراد (بمعزل عمّا إذا كانوا لبنانيين أو سوريين).
3- مصرف لبنان للوفاء بتعهّداته أمام الحكومة والعهد.
وافق مصرف لبنان سابقاً على تمويل المحروقات الخاصة بشركة كهرباء لبنان، ووافق خلال اجتماع بعبدا قبل أيام على تمويل البنزين والمازوت لأشهر مقبلة، على سعر صرف 3900 ليرة، اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل. هذا التمويل بدوره سيرتدّ حكماً على أسعار السلع التي ستتأثّر بارتفاع تكاليف النقل، ناهيك عن فاتورتيْ الدواء والقمح اللتين يقول إنّه لن يتخلّى عن دعمهما، لندخل بذلك دوّامة تضخّم أسعار جديدة، ونشهد انتفاخاً إضافياً في سعر صرف الدولار نتيجة “التوحّش” في الطلب عليه.
في المحصّلة، يتبيّن لنا من هذا كلّه أنّنا دخلنا في حلقة انهيار متسارع ضمن مسلسل التضخّم المفرط، وأنّ ما سنستهلكه اليوم قد لا نستطيع أن نشتريه في الأيام المقبلة.
ها قد بتنا في عين النموذج الفنزويلي!