وقالت الكاتبة أن “بلاد الأرز الرائعة” على حافة الانهيار المالي والانقسام، وحتى “فقدان الدولة”. والغريب أن هذا يمنح روسيا فرصة تعزيز نفوذها في الدولة “الأهم في المنطقة” التي تجاور سوريا وإسرائيل وتطل على البحر المتوسط.
مفاتيح لبنان في يد حزب الله وإيران. لكن إيران منهكة مالياً بالعقوبات. ومقابل الدعم المالي في زمن الأزمة بوسعها مساعدة روسيا في فتح أبواب الحكومة والبرلمان اللبنانيين. وحزب الله هو الجماعة السياسية الأقوى بين سائر الجماعات السياسية اللبنانية، واستعد جيداً للأزمة الزاحفة على لبنان. وهو دولة شيعية في الدولة “العلمانية” اللبنانية، ويملك شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية وشركات بناء ونظاماً تقاعدياً خاصاً، حسب الكاتبة.
اشتراكية إسلامية
ونقلت الكاتبة عن ثلاثة مصادر في الحكومة اللبنانية، على اطلاع بخطط حزب الله، تحدثوا إلى وكالة رويترز، وقالوا إن حزب الله استعد لانهيار شامل للدولة المقسمة. فأصدر بطاقات تموينية يشتري حاملوها سلعاً لبنانية وسورية وإيرانية بالليرة اللبنانية وبأسعار أقل 40 في المئة من ما في السوق.
وتتحدث يوزيك عن البطاقة التموينية السورية السابقة لبطاقة حزب الله، وتقول بأن البرامج الاجتماعية لحزب الله والنظام السوري تقف وراءها “الاشتراكية الإسلامية” التي يمكن لنظام الجمهورية الإسلامية أن يفاخر بها. وهو، إضافة إلى السلاح والصواريخ، يصدّر بنجاح الاشتراكية الدينية التي تعطي ثمارها في المجتمعات المدمرة بالحروب والفقر.
ثمن أذرع إيران
وتعتقد الكاتبة أنه لن يكون من المبالغة القول إن حزب الله اليوم هو أغلى الأصول (actifs) السياسية والعسكرية وأكثرها أهمية لإيران، والتي تمتلك شبكة دولية واسعة من المؤسسات الخيرية والجامعات والفصائل العسكرية السياسية الأشبه بالجيوش. وإذا ما قررت إيران فجأة بيع هذا الأصل الأثمن “لا أشك” في أنه ينافس قيمة Googol أو بيتكوين. وتتساءل يوزيك ما إن كان هناك بحث ما في التقدير التقريبي للقيمة السوقية لأصول إيران العسكرية والسياسية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأميركا الجنوبية وسواها. بيتكوين يمكن أن تنهار قيمتها، أما حزب الله فيمكن أن يستقر في القيمة مؤقتاً، لكنه سرعان ما ينهض مجدداً لأنه يؤثر ويسيطر وينظم الكثير: من أمن استخراج النفط السعودي إلى الحفاظ على الأنظمة السياسية في “الهلال الشيعي”، وأهم طرق المواصلات والترانزيت العالمية.
وترى الكاتبة أن قلة من الصقور لا ترغب في إمتلاك وسيلة ضغط مماثلة لـ “مدينة صواريخ” حزب الله تحت الأرض الموجهة نحو إسرائيل، وعبرها نحو الولايات المتحدة. ولذلك، وطالما خامنئي على قيد الحياة، لن تتخلى إيران عن هذا الأصل تحت أي ثمن، وتعمل على الاحتفاظ به.
تسهيلات إيران لروسيا
لكن المشكلة في أن إيران، منذ عقوبات ترامب العام 2018 – وفق مصادر أميركية استشهدت بها الكاتبة – تراجعت مدخراتها من العملات الصعبة من 123 مليار$ العام 2018 إلى 3 مليارات العام 2020. وفرضت أميركا العقوبات على جميع صناديق إيران المالية بما فيها “صندوق مساعدة المحرومين” الذي يشرف عليه خامنئي.
وتتساءل الكاتبة كيف ستتمكن إيران من الحفاظ على أصولها الخارجية الأساسية: سوريا والأسد، حزب الله ولبنان؟ وليس لدى إيران سوى شريكين سياسيين يمكنها طلب مساعدتهما في هذا الوضع الكارثي: روسيا والصين. ومقابل مساعدة موسكو المالية بوسع إيران أن تقترح عليها دخول البرلمان والحكومة في لبنان، مع ما يترتب على ذلك من فرص وإمكانيات في المستقبل.
يوزيك لـ “المدن”
يوليا يوزيك، الصحافية المتابعة النشطة للشؤون الإيرانية بعد أن اعتقلها الإيرنيون العام 2019 ووجهوا لها تهمة التعامل مع المخابرات الإسرائيلية لحيازتها فيزا إسرائيلية على جواز سفرها، كانت مهددة بالسجن سنوات عشر في إيران. وأثار اعتقالها حملة استنكار روسية وعالمية واسعة في حينه. واستدعت الخارجية الروسية سفير إيران في موسكو لإيضاح أسباب الاعتقال، فأفرج عنها بعد أيام، وكانت أخبارها قد برزت في الصفحات الأولى لكبريات الصحف العالمية.
وفي اتصال مع “المدن” قالت إنها سافرت حينها إلى طهران بدعوة من قناة التلفزة الإيرانية الناطقة بالروسية “Iran Today” واعتقلت في الفندق وانتزع منها جواز سفرها. وبعد مرور أكثر من سنتين على اعتقالها تقول لـ”المدن” إنها تعيش حتى اليوم ولا يفارقها الشعور بتهديد مستمر من قبل إيران، “علماً أنني لم أقم بما يسيئ إليهم”.
ورداً على سؤال كيف ترى إيران والشرق الأوسط ولبنان بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، قالت إن علينا الانتظار لفهم ما الذي يمكن توقعه من الرئيس الإيراني الجديد، ولمعرفة كيف تتطور الأمور. أول هذه الأمور: هل تعقد الصفقة النووية من جديد في فيينا؟ أي هل تعطي الولايات المتحدة الأموال لتقوية إيران عسكرياً؟ وثاني هذه الأمور: هل تفتح السعودية سفارة طهران وتستأنف العلاقات الدبلوماسية معها؟
إيران والسعودية
وتؤكد يوزيك أنه في الأشهر الأخيرة تم التوصل بوساطة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى اتفاق مبدئي على أن تتولى السعودية بيع جزء من النفط الإيراني، على أن تشتريه بسعر منخفض ليس من إيران، مقابل ضمان أمن البنية التحتية النفطية في السعودية. وليس من المستبعد أن يكون الإيرانيون قد طلبوا الحصول على مليارات الاستثمارات السعودية في إطار “معاهدة سلام وصداقة”. فالنظام الإيراني في حالة طوارئ للعثور على الأموال في ظل عدم رفع العقوبات.
وتفترض يوزيك أنه لو تحقق أحد من هذين الأمرين، يمكن الحديث عن أن إدارة بايدن، بحكم الأمر الواقع، تدعم النظام الإيراني والرئيس الجديد.
قسوة رئيسي
وتنصح الكاتبة بعدم إيلاء أهمية كبيرة للانتخابات الإيرانية كمؤشر لمزاج المجتمع و”خيبة أمل من الليبراليين أو البراغماتيين”. فالانتخابات ليست سوى عملية تقنية لإيصال إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة. وهذا يعني أن أي احتجاجات إيرانية سوف تقمع بقسوة أشد. وفي المجتمع الإيراني يخيم اليأس والاكتئاب: العقوبات لم ترفع، الاقتصاد في تدهور، آلة القمع في البلاد تعمل بقوة بعد احتجاجات 2019.
وتتوقع خلال السنوات الأربع المقبلة تحسّن برنامج إيران الصاروخي وتفعيل وكلاء إيران في أنحاء العالم (ميليشيات، مجموعات مقاتلة، خلايا حزب الله وسواها من المجموعات السياسية المسلحة التي تقف وراءها إيران). وستستخدم هذه المجموعات لإهداف مختلفة، بما فيها ممارسة الضغط على الدول والحكومات التي تحتاج منها إيران إلى تنازلات سياسية ومالية مثل السعودية والعراق.
في سوريا تتوقع يوزيك عودة الأسد إلى المسرح كسياسي شرعي. ومن المحتمل نهضة جامعة الدول العربية، أو إقامة اتحاد مماثل يضم إيران وتركيا. سوريا مهمة استراتيجياً لإيران، وعلى الخلفية السورية قد تتدهور العلاقات بين روسيا وإيران، والتي تحمل الآن طابعاً ودياً تكتيكياً.
وحزب الله الذي يسيطر على البرلمان اللبناني يدعو روسيا “للدخول” إلى لبنان لتعزيز النفوذ الروسي في لبنان. وروسيا تحب شراء السياسيين الأجانب. لكن يوزيك ليست واثقة في حالة لبنان من أن هذا التعاون سيكون وثيقاً. فإيران لا تطيق منافسة أي كان لها في لبنان. وحزب الله هو أغلى الأصول الخارجية لدى إيران. لكن بسبب الأزمة المالية، وكعربون ودي، يمكن أن تبيع إيران القليل من “أسهم” حزب الله. لكن من دون حق إتخاذ قرار، على قول الكاتبة.
وختمت بالقول إنها تعتقد أن إيران سوف تركز نشاطها الخارجي في الدول المجاورة والقارة الآسيوية: العراق ، وسوريا، ولبنان، واليمن، كأداة ضغط على السعودية، وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا، وخاصة الدول الصديقة لبريطانيا؛ وروسيا جزء من المشروع الأوراسي.