ماذا عن دور الجيش إذا تعرّض الكيان لخطر الزوال؟

 

أحمد الأيوبي -أساس ميديا

في يومٍ واحدٍ ارتسم خطّان متناقضان متصارعان حول الجيش اللبناني: الأول رسمته السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، معلنة ضخّ المزيد من المساعدات والدعم للمؤسسة العسكرية، وفق صيغ جديدة، وبالترافق مع خطوات لحماية هذا الدعم من التسرّب. والخطّ الثاني رسمه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، في خطابه الأخير، محذّراً من محاولة تحريض الجيش على الحزب، أو، بحسب تعبيره، “تحريض اللبنانيين بعضهم على بعض”، مؤكّداً في الوقت نفسه “سعي الحزب لدى إيران كي تمدّ الجيش اللبناني بالسلاح، لكنّ الحسابات السياسية المتعلّقة بـ”أميركا” منعت ذلك. ونحن مع دعم الجيش حتى من أميركا، ونرى في مؤسسة الجيش اللبناني الضمانة الحقيقية لأمن واستقرار ووحدة لبنان”. واعتبر، بالمقابل، أنّ “الإدارة الأميركية تخشى من هذا الجيش، لو تمّ تسليحه، وبما يمتلك من عقيدة ومن ثقافة ترفض العدوان، من أن يكون بمواجهة ربيبتها إسرائيل”.

وكانت السفيرة الأميركية دوروثي شيا كشفت في مقابلتها على قناة الجديد، يوم الجمعة 25 حزيران 2021، عن حجم الاستثمار الأميركي في دعم الجيش، إذ قالت: “استثمرنا 2.2 مليار دولار في الجيش اللبناني خلال السنوات العشر الماضية.. وسنضاعف المساعدات المقدّمة إلى الجيش اللبناني لهذا العام بـ15 مليون دولار من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي التابع لوزارة الخارجيّة، وبالتالي سنستثمر مع شركائنا 120 مليون دولار في المعدّات والتدريب”. وكان الأهمّ إعلان شيا، في خطوة غير مسبوقة، إنشاء مستودع خاص لحماية الذخيرة المقدّمة إلى الجيش.

في هذا السياق، قال العميد المتقاعد النائب وهبي قاطيشا لـ”أساس” إنّ “نصرالله يريد للجيش أن يبقى في دائرة السيطرة والتحكّم، وأن يتلقّى المساعدات ليخفّف الأعباء عن المنظومة الحاكمة، لكنّه بالتأكيد لا يريد للجيش أن تكون له السيادة الكاملة على الأرض وفق مقتضيات الدستور والقانون، بل إنّ خلاصة نظرة “حزب الله” إلى الجيش هي أن يكون دوره أشبه بدور قوى الأمن الداخلي، وأن يكون جزءاً من منظومة السلطة، كما عبّر الأمين العام للحزب عندما اعتبر أنّ الجيش ليس سلطة قائمة بذاتها، بل هو يخضع للسلطة السياسية”.

ورأى قاطيشا أنّ “المشكلة بين “حزب الله” والجيش تبدأ عندما يقرّر الجيش القيام بدوره الطبيعي في حماية الحدود اللبنانية. وهذا ملفٌّ حسّاس بالنسبة إلى الحزب، وسيشكّل نقطة صدام، خاصة بعدما أعلن الحزب على ألسنة المعمّمين التابعين له أنّ التهريب هو من أعمال المقاومة”.

واعتبر أنّ “تحفّظ “حزب الله” على دور قائد الجيش، وخاصة جولاته الخارجية، يدغدغ أطماع المسترئسين من حلفائه الموارنة، خاصة عندما تتّخذ الجولات طابعاً رسمياً، كما حصل عند استقبال الرئيس إيمانويل ماكرون للعماد جوزيف عون في قصر الإليزيه”.

وأكّد قاطيشا أن “لا أحد يطرح الصدام بين الجيش و”حزب الله”، ولكن ما نطمح إليه هو أن يتوسّع الجيش في تنفيذ مهمّاته الرئيسة التي قام على أساسها، سواء فيما يتعلّق بمكافحة الإرهاب، وهو شريك مفضّل لدى المجتمع الدولي في هذا المجال، أو فيما يتعلّق بضبط الحدود ووقف التهريب بأنواعه، وهذا عنوان حاسم لدى الدول الداعمة للمؤسسة العسكرية”.

ولفت إلى أنّ “من الطبيعي أن تسود النقمة في صفوف العسكريين جرّاء التدهور الخطر الذي تتعرّض له أوضاعهم المعيشية، ومثلما ينقم الشعب اللبناني على “حزب الله”، تسود صفوفَ الجيش نقمةٌ على الحزب أيضاً، باعتباره المسؤول عن عزلة لبنان وإفساد علاقاته الخارجية نتيجة تورّطه في الحروب الإقليمية، واستمراره في مهاجمة المحيط العربي، وبسبب رعايته للفساد، وتحالفه مع أفشل العهود التي مرّت على لبنان منذ الاستقلال حتى اليوم”.

وأشار قاطيشا إلى أنّ “الجميع في لبنان باتوا مدركين مَن هو المسؤول عن هذه الكارثة داخل الجيش وخارجه. وحتى في بيئة الحزب الحاضنة، يدرك الناس أنّ سياسات وممارسات السلاح غير الشرعي مسؤولة عن الانهيار الذي يكابده اللبنانيون”.

الجديد في المساعدات الأميركية هو إجراءات الحماية للذخيرة والعتاد لمنع تعرّضها للتفجير، كما حصل في مرفأ بيروت، ولمنع وصولها إلى أيّ جهة غير الجيش اللبناني.

في هذا السياق، لفت الوزير السابق معين المرعبي الانتباه إلى “أهمّية ما كشفت عنه السفيرة الأميركية من أنّ الجيش الأميركي زوّد الجيش اللبناني بذخيرة قيمتها 55 مليون دولار، وبنى مستودعاً آمناً للجيش لتخزينها، خوفاً من تكرار ما حصل في مرفأ بيروت، فكانت منشأة آمنة جدّاً كيلا تُخزَّن المواد القابلة للاشتعال على نحو عشوائي”.

وعقّب المرعبي على كلام شيا بالقول لـ”أساس”: “إنّ ما تدمّر في المرفأ لم يكن ذخيرة للجيش، لكنّها أرادت أن تعبّر بدبلوماسية عن الإجراءات العملية لمساعدة الجيش وتحصينه. وهذه رسالة للجميع بأنّ عليهم أن يدركوا أنّ كلّ شيء محسوب، وأنّ المراحل السابقة، التي كان يجري فيها استغلال مؤسسات الدولة والمساعدات الدولية لها، قد انتهت إلى غير رجعة”.

وتوقّف المرعبي عند تشديد الخارجية الأميركية على تعزيز أمن الحدود اللبنانية السورية والحدّ من التهريب، وهو ما ركزت عليه السفيرة شيا عندما ذكرت أنّ “واشنطن قدّمت 59 مليون دولار لتغطية النفقات التي يتكبّدها الجيش اللبناني لتعزيز أمن الحدود، وللمساعدة في تشديد الرقابة على الحدود بين لبنان وسوريا”، مؤكّدة أنّ هذا “أمر بالغ الأهمية، وهناك الكثير من العمل الذي يتعيّن علينا القيام به”.

وأشار المرعبي إلى التحذيرات الأميركية المتواصلة من الانخراط في أعمال التهريب من لبنان لمصلحة النظام السوري والميليشيات في لبنان، معتبراً أنّ “عليهم أن يتحسّسوا رقابهم، لأنّهم سيكونون قريباً تحت سيف العقوبات، سواء كانوا يمارسون التهريب من البقاع أو الشمال، فهم جزء من منظومة الممانعة التي تخرّب الاقتصاد وتضرب السيادة الوطنية، والأمر نفسه ينطبق على الأحزاب التي تقوم بالتطبيع مع بشار الأسد، فهي تصبّ في سياق خرق العقوبات ومساعدة النظام”.

وضع نصرالله رؤيته للجيش وهي: التموضع في دائرة “الثلاثية الذهبية”، أي الشعب والجيش والمقاومة، والخضوع للسلطة السياسية، لكن ماذا عن فشل هذه السلطة في توفير مستلزمات الجيش الأساسية، وتركه عرضة لخطر التفكّك؟ وماذا عن خطر الانهيار المحدق بالكيان؟ وهل يمكن للجيش أن يبقى في موقع المتفرّج أم يبادر إلى تحصين الوحدة الوطنية ومنع زوال الدولة، وهذه مهمّة فوق كلّ المهمّات، وواجب أسمى من كلّ الواجبات؟

 

Exit mobile version