تفاؤل الرئيس الايراني حسن روحاني بانتهاء المفاوضات النووية التي تستضيفها العاصمة النمساوية فيينا، دفع به الى رفع سقف التحدي امام القوى الداخلية عندما اكد ان الاتفاق بات جاهزا والبلاد مستعدة للبدء بجني الفوائد الاقتصادية من العودة الى الاتفاق، شرط ان يتم تفويض رئيس الوفد المفاوض عباس عراقتشي بالتوقيع “وما عليه سوى السفر الى فيينا والتوقيع على الاتفاق لنبدأ مرحلة جديدة”. يقابل هذا التفاؤل، كلام المتحدث باسم الخارجية الامريكية ند برايس الذي اكد انه “اذا لم يحصل توافق حول كل الامور فلا يوجد توافق حول اي من الامور”. ويضاف اليه تمسك النظام الايراني بمطلب الحصول على ضمانات امريكية مكتوبة بالتزام اي ادارة امريكية بعدم الانسحاب من الاتفاق في المستقبل، وهو مطلب رفضه الفريق الامريكي المفاوض وادارة الرئيس جو بايدن، خصوصا وان العودة لاحياء الاتفاق النووي من دون حصول واشنطن ايضا على ضمانات مكتوبة بعودة ايران الى طاولة التفاوض حول ملفي البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي لن يخدم الهدف الاستراتيجي الامريكي الذي يسعى لتفكيك مصادر القلق الاقليمي من الطموحات والتهديدات الايرانية لدول المنطقة.
طهران، وفي خطوة استباقية، وفي محاولة لفصل المسارات النووية والاقليمية عن بعضها البعض الاخر، وحتى لا تكون عرضة للابتزاز الامريكي، بادرت الى استغلال الفرصة التي اتاحتها الليونة السعودية في موضوع فتح مسار تفاوضي مباشر بين البلدين بعد كلام ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، وتم التوافق على ان يكون العراق المستضيف لجلسات الحوار التي بدأت بطابع امني شارك فيه عن الجانب السعودي رئيس جهاز الاستخبارات اللواء خالد بن علي الحميدان وعن الجانب الايراني المعاون التنفيذي لامين عام المجلس الاعلى للامن القومي سعيد ايرواني. قبل ان يقرر الجانبان نقلها الى العاصمة العمانية مسقط لتكون ذات طابع ثنائي من دون مشاركة طرف ثالث، بعد ان وصلت الحوارات الى مراحل حساسة فضل الجانبان ان تبقى بعيدة عن مسامع الاخرين.
الموقف الذي اعلنه وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف في ملتقى الدبلوماسية الدولية الذي عقد الاسبوع الفائت في مدينة انطاليا التركية عن استعداد بلاده لارسال سفيرها الى السعودية “الان” التقى مع الموقف الذي اعلنه رئيس الجمهورية الجديد المنتخب ابراهيم رئيسي الذي شدد في اول مؤتمر صحافي له بعد فوزه، ان ايران متمسكة بتطوير علاقاتها مع السعودية خاصة ودول الجوار عامة وانها على استعداد لاعادة فتح سفارتها في الرياض في اسرع وقت ممكن. ما يعني ان هذه المواقف تعبير عن موقف استراتيجي لدى النظام والسلطة الايرانيين، ويكشف حرص طهران على عدم الربط بين هذا المسار الحواري او اي مسار حواري اخر يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط ومناطق نفوذها او تأثيرها وبين مسار المفاوضات النووية الجارية في فيينا.
التمسك الايراني بالمسار الايجابي الذي انطلق او انفتح بينها وبين الرياض، يصب في اتجاهات عديدة ابرزها، ان طهران من جهة تسعى لفصل مسار حواراتها الاقليمية عن الضغوط الامريكية في موضوع النفوذ الاقليمي، الذي تضغط واشنطن لفتح الحوار حوله مع طهران. ومن جهة اخرى، تسعى لكي لا تتأثر هذه الحوارات وتفكيك ازماتها مع دول المنطقة بالمسار التفاوضي حول الاتفاق النووي، خصوصا في ظل اجواء التردد التي تسيطر على المسار النووي نتيجة تمسك كل طرف بالشروط التي يضعها والضمانات التي يطلبها من الطرف الاخر قبل التوقيع على الاتفاق الجديد.
بناء على هذه المعطيات، من المتوقع ان لا يتأثر الحوار القائم بين طهران والرياض بالتطورات التي قد تشهدها المفاوضات النووية اذا ما دخلت في دائرة التسويف والمماطلة ونوعا ما السلبية او حتى امكانية التأجيل. ويؤكد ان قرار الانفتاح على المحيط الاقليمي وتحديدا على الرياض هو قرار استراتيجي لدى القيادة الايرانية لا يتأثر بالتغيير الحاصل في السلطة التنفيذية وخروج روحاني من رئاسة الجمهورية ودخول ابراهيم رئيسي، وان الفريق الدبلوماسي الذي سيتولى ادارة ملفات وزارة الخارجية في الحكومة الجديدة سيكون مقيدا ومتقيدا بالسياسات التي ترسمها وتضعها دوائر القرار العليا التي سبق ان تحدث عنها المرشد الاعلى للنظام والتي فصلها عن ادارات الدولة ووزارة الخارجية.
وفي مقابل الايجابية الايرانية الواضحة في الموقف من الحوار مع الرياض، قد يكون من الطبيعي ان تتعامل الرياض بايجابية مع مواقف الرئيس الايراني الجديد، مع الاحتفاظ بحقها في التريث لمعرفة طبيعة الفريق السياسي الذي سيعمل معه خصوصا في الادارة الدبلوماسية، وهل سيكون قادرا على ترجمة توجهات القيادة العليا للنظام التي تعتبرها السعودية هي الطرف الذي يحدد مسارات الاستراتيجية الدولية والاقليمية ومن ضمنها الحوار مع السعودية، كون الحوار منذ بدايته جاء ترجمة لارادة القيادات العليا في البلدين، ولم يعد يقتصر على مسألة اعادة العلاقات الدبلوماسية، بل انتقل الى مستويات متقدمة قد تنتهي الى صياغة تفاهمات ثنائية حول الكثير من المسائل والقضايا الاقليمية ان كان في ما يتعلق بالازمة السورية او القضية الفلسطينية والتمسك بحل الدولتين، او في جهود تحييد الساحة العراقية ومساعدة هذا البلد لاعادة النهوض السياسي والاقتصادي والامني، فضلا عن القضية المحورية في اليمن والتي شكلت محور الازمة بينهما.