ما خفي من زيارة “الوفد” إلى سوريـا
“ليبانون ديبايت”- عبد الله قمح
النقاش اليوم أبعد من تأليف حكومة كما يراه البعض. هذا التفصيل الصغير يُعدّ مصدراً أساسياً لإخفاء مكمن الأزمة الحقيقية: خيارات لبنان في ضوء التغييرات الدولية.
ليس تفصيلاً “شطب” لبنان عن برنامج عمل “القمة الأوروبية” التي عُقدت مطلع الأسبوع الجاري، كما ليس استثناءاً إزالة أي حضور للبنان سواء في المفاوضات التي تُخاض إقليمياً ودولياً أو إبعاده عن نطاق الإهتمام الدولي المشترك، وهذا إنما يفسّر أمراً واحداً: لا قرار بعد بإنتاج حلّ في لبنان، وهذا بدوره يقود لخلاصة واحدة: هيا صوب الإنفجار!
في الواقع، إن الحقيقة تلك والتي أضحت ثابتة أقلّه لدى أكثر من مكوّن، يجري التعامل معها “بطراوة” عملاً بقاعدة أن الانهيار قد يفرض على تلك الدول “الرافضة لأي حل” أن تتقدم نحو بيروت، لذا فإن الصمود هو القاعدة المتّبعة، وحتى ذلك الحين لا مانع من شراء الوقت ولو كان من جيوب المودعين.
ومع تحّول الأزمة المستفحلة إلى أمر واقع وابتعاد من يعدّ في لبنان “حاضناً ومساعداً”، عاد البحث في سبل استعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، وهو نقاش يبقى مكتوماً وإن بدأت تتظهر بعض جوانبه في السياسة العامة.
ثمة من يصعّب على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، تأليف حكومة جديدة. وبمعزل عن الأسباب الداخلية والخارجية، الشخصية وغير الشخصية التي تحول دون التأليف، هناك أسباباً أخرى لا تقلّ شأناً، منها مسألة سوريا وطبيعة تموضع لبنان. فصحيح أن لبنان وكوارثه تستدعي ترفيع النقاش الداخلي على ماعداه، لكنه و لطبيعة موقع هذا البلد، يجب أخذ النقاش الخارجي في الحسبان، وهنا، قد يصعب على الحريري في حال ألّف حكومة وحان موعد الإنفتاح، ان يجد نفسه في دمشق مرة أخرى!
على الأرجح، هناك طرف داخلي يعي هذه الخصوصية، ويدرك أن مسألة الإنفتاح على سوريا ضرورة لكنها صعبة المنال حالياً بحكم الوضعية السلبية اللبنانية وتقدّم أزماته على ما عداها. هذا الجانب يرى أن مخلّفات الماضي ما زالت موجودة. يتحدث عن الماضي الذي أعقب الحرب السورية ومواقف بعض اللبنانيين وليس مواقف ما قبل ذلك التاريخ، وعليه، فإن لبنان محكوم –وفق نظرة البعض- بكونه آخر دولة تبادر إلى الإنفتاح على سوريا! ومن الآن وحتى ذلك الحين لا مانع من خوض انفتاح رسمي لكن بطريقة مستترة، يطغى عليه عامل تقدّم فريق لبناني وبمعزل عن قرار السلطة المركزية.
أمر من هذا القبيل بدأ بالظهور تدريجياً. زيارات الوزراء من ذوي الحقائب الخدماتية والتي كانت تحصل بأشكال فردية، توسّعت الآن نحو إنتاج “شبه لوبي” بات يتولى سياسة الإنفتاح الرسمي على سوريا ومن خارج قرار الدولة. بدا ذلك جلياً من خلال زيارة “وفد نيابي” محسوب على كتل 8 آذار الأساسية إلى سوريا (ضم الوفد النواب علي حسن خليل، عبد الرحيم مراد، أسعد حردان، حسين الحاج حسن ، هاغوب بقرادونيان وزراء سابقين ومسؤولين آخرين) حيث أجرى لقاءات أهمها مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وقد تمّت مفاتحته بقضايا إقتصادية ذات اهتمام مشترك بين البلدين.
أعظم ما طبع تلك الزيارة، كانت عودة المياه إلى مجاريها بين حركة “أمل” والشام. صحيح أن تطبيع العلاقات بشكل كامل لا يقدّر له حتى الآن أن يصبح واقعاً ملموساً طالما أن قضية هنيبعل القذافي ما زالت عالقة وطالما أن الموقف السابق “الجاف” من الحرب السورية ما زالت آثاره موجودة رغم قرار تخطيه بعد سلسلة إصلاحات قامت بها عين التينة، لكن الصحيح أيضاً أن عين التينة ترى في استعادة العلاقات مع سوريا ضرورة، وتعزلها عن أي قضية أخرى حتى ولو كانت “خلافية” بين الجانبين، وهذا له ان يضع حداً للروايات التي جرى تناقلها على هامش الزيارة وادّعت أن دمشق لم تستسغ استقبال معاون بري النائب الخليل وأبقته معزولاً عن أي لقاء رسمي.
مصادر سورية، وإذ تستغرب في مقام استعراضها لمسار الزيارة “إذاعة” أنباء كتلك التي مسّت النائب الخليل وفيها انتقاص واضح من حفاوة الضيافة السورية، تؤكد أن الشام “لا تتعاطى بمنطق شخصي أو بردّات الفعل، مذكّرةً بأن تعاطيها مع الوفد الضيف ومنه النائب علي حسن خليل لا يتم على أساس ما يتمتع به الخليل من صفة لبنانية (معاون الرئيس نبيه بري) وبحسب إنما من موقع السياسي كنائب يمثل قوة رئيسية ومركزية في لبنان، وصديقة لسوريا، وهو كما غيره مرحّب به”.
عملياً، فإن “مجموعة الضغط” إن صحّ التعبير، والتي تمتهن الآن إعادة جمع فتات العلاقات اللبنانية – السورية إلى أصلها المنطقي والطبيعي، كانت عبارة عن فكرة نشأت في الأساس جماعياً وساهم بها السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي. تعود القضية إلى لقاءات جماعية كانت تُعقد بين الأطراف المذكورة أعلاه على طاولة واحدة وبحضور السفير السوري لبحث قضايا تتعلق بلبنان وسوريا. ونمت لاحقاً فكرة توسيع دائرة المجموعة وتأثيرها ، لا أن ينحصر وجودها وجهودها تحت طبقة من السرّية وكأن من هم أعضاء فيها محصورة خدماتهم بإجراء التقييم والدراسة فقط. وهنا كانت فكرة السفير علي، في تأطير عمل اللجنة ونقله إلى الشام عبر زيارة رسمية تناقش مواضيعاً ذات اهتمام مشترك بين البلدين.
وتؤكد معلومات “ليبانون ديبايت” أن الإجتماع (الزيارة) الذي ذاع صيته مؤخراً لم يكن الأول الذي يحصل بين مسؤولين لبنانيين وآخرين سوريين في دمشق، وعلى الأكيد لن يكون الأخير. وتشير المعلومات إلى أن الإجتماع المُعلن عنه سبقته 4 اجتماعات أخرى جرت وبظروف بعيدة عن الإعلام وعلى فترات زمنية متقاربة، وقد نوقشت خلالها قضايا تخصّ البلدين. وعلى ما يظهر، فإن طرفاً ما تعمّد التسريب ربما على نية إخراج اللقاءات من طابعها السرّي وإطلاقها كمسار علني عبر الإعلام.
وتزامن تسريب الخبر وأحاديث بدأت تسري في عمق السياسة اللبنانية مفادها وجود مساعٍ حكومية داخلية للإنفتاح مجدداً على سوريا عبر زيارات رسمية يجريها مسؤولون رفيعو المستوى.
يبقى أن خيبةً أتت من جهة العهد! إذ وعلى الرغم من وعود رئيس الجمهورية ميشال عون المتتالية بزيارة دمشق والإيحاءات المستمرة من قبل رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل بتصحيح العلاقة مع سوريا، إلاّ أن أياًّ من ذلك لم يسلك طريقه نحو التنفيذ لغاية الآن، وبقيَ محصوراً بالخطابات الشعبية.