الفتنة بين الجيش اللبناني من جهة والمقاومة من جهة أخرى، وتأجيج الشكّ بينهما، هما سياسة الولايات المتحدة الأميركية التي سلّط الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله الضوء عليها في خطابه أمس. انطلق من تصريحات مسؤولين أميركيين يُبرّرون لمؤسسات بلادهم سبب الدعم اللوجستي للجيش، فيقولون إنّه الجهة الوحيدة القادرة على مواجهة حزب الله أو من أجل مواجهة حزب الله. هذا دليلٌ واضح على «أنّنا أمام تحريض أميركي مكشوف». الهدف الحقيقي للتحريض ليس موجّهاً إلى الجيش، «بل إلى المقاومة وجمهورها، من خلال نشر الشك والريبة لديهم من تقوية الجيش». وفي هذا الإطار، أكّد نصرالله أنّ مطلب حزب الله في الأساس «تقوية الجيش ومدّه بكلّ عناصر القوّة، وأن يكون قادراً على الدفاع عن سيادة لبنان في مواجهة أي عدوان اسرائيلي». القصة لا تتوقّف عند المواقف، «حتّى في سلوكنا العملي، نحن الذين سعينا لدى بعض الدول الصديقة، مثل إيران، أن تمدّ يد المساعدة للجيش. يومها منع القرار السياسي ذلك، نتيجة حسابات ترتبط بالأميركيين». حزب الله مع تسليح وتقوية الجيش اللبناني، حتى ولو كان مصدر هذا العتاد الولايات المتحدة نفسها، أكّد نصرالله. النقطة الثانية، أنّ مؤسسة الجيش تُمثّل لحزب الله «الضمانة الحقيقية للأمن والاستقرار ووحدة لبنان، إلى جانب الأجهزة والمؤسسات الأمنية الأخرى». النقطة الثالثة، أنّ التحريض «لا يُثير فينا قلقاً، لأنّ الجيش هو جزء دائم من المعادلة الذهبية لقوّة لبنان: الجيش – الشعب – المقاومة. نحن ننتمي إلى نفس الشعب والعائلات، ولا يُتوقع من مؤسسة من هذا النوع أن تقبل تهديداً من هذا النوع». إضافةً إلى أنّ «الجيش تابع للسلطة السياسية وليس سلطة قائمة بذاتها». في الواقع، من يُعيق تقوية الجيش «هي الإدارة الأميركية التي تمنع وصول الكثير من المساعدات الحقيقية، لأنّها تخشى أن يكون في موقع جادّ في مواجهة ربيبتها «اسرائيل»». وأكّد نصرالله أنّ الجيش بحاجةٍ إلى «دعم واحتضان الجميع في الداخل، لكي يساعد في الحفاظ على الأمن والاستقرار ووحدة لبنان أمام الظروف الصعبة التي نتّجه إليها».
تأليف الحكومة
ومن الكلمة الأخيرة كان المدخل إلى الملفّ الحكومي، أحد المطالب الأساسية أيضاً لمواجهة الظروف الصعبة. قسّم نصرالله الملفّ إلى أقسامٍ عدّة، فأعاد التذكير بأنّ اتهام حزب الله بتعطيل تشكيل الحكومة «افتراء. هؤلاء لا يعنيهم آلام ومعاناة الشعب اللبناني، يشتغلون أدوات وكتبة عند الخارج، ويقبضون مقابل الاتهامات، أو في أحسن الأحوال هم حاقدون وغارقون في حساباتهم السياسية». ومن يربط بين تشكيل الحكومة والمفاوضات الأميركية – الإيرانية في فيينا، «لا يعلم أنّه لا يوجد في فيينا كلام إلا الملفّ النووي. إيران ترفض أن تُفتح معها الملفات الأخرى، وتُصرّ على حصر المفاوضات بالجانب النووي. أيضاً في المحادثات السعودية – الإيرانية، لم يُتناول ملفّ لبنان. الجمهورية الإسلامية لا تُفاوض نيابةً عن أحد».
قال نصرالله إنّه منذ تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة «حرصنا على أن تُؤلّف في أقرب وقت ممكن». المبادرة التي قام بها رئيس مجلس النواب نبيه برّي «أدّت إلى أن نصل إلى نقطة مهمة يُمكن البناء عليها: الاتفاق على 24 وزيراً. وعلى توزيع أعداد الحقائب على الأحزاب والطوائف»… قبل أن ينطلق الزجل السياسي وتنفجر المشاكل. من الأمور التي زُعم أنّه تم الاتفاق عليها هي توزيعة «8-8-8»، أي شكلٌ من أشكال المُثالثة، «وهنا يبدأ الشعور بالخطر من تغيير نظام وأعراف قائمة. تتولّد أوهام وتُبنى عليها مواقف سياسية خاطئة. تعبير 8-8-8 غير صحيح». وذكّر نصرالله أنّه في الأصل «لم نتكلّم يوماً بالمثالثة أو طالبنا بها، غيرنا من فعل. أرجو أن تنتهي هذه القصة حتى لا تُثير مخاوف تُولّد أوهاماً وتؤدّي إلى مواقف سياسية خاطئة».
الردّ على دعوة باسيل
أما بالنسبة إلى الدعوة التي وجّهها رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل إلى نصرالله، وطلب منه أن يكون «حَكماً» في الملفّ الحكومي، وأنّ «التيار» يقبل بما يقبل به حزب الله لنفسه… فقال نصرالله: «لا أنصح أحداً أن يتعاطى معنا على قاعدة «أقبل ما تقبلون به لأنفسكم» لأنّ ظروفنا وأولوياتنا وموقعية حزب الله مختلفة، ولذلك لنا سياسات وسلوك مُعين، أكان في ما يتعلّق بالانتخابات أو التمثيل في الحكومة والإدارة والسلطة». وأضاف بأنّه «لا توجد قوّة سياسية في لبنان أخرى تمتلك حجماً مشابهاً لقوة حزب الله، تقبل لنفسها ما يقبل به هو. لذلك لا نُريد أن نُعالج الملفّ على هذه القاعدة». ألم يُحاول باسيل من خلال دعوته التفريق بين حزب الله وحركة أمل؟ ردّ نصرالله بأنّ باسيل «يعرف طبيعة العلاقة، وهو أذكى من الإقدام على ذلك. الرجل ينظر إلى أزمة سياسية صعبة، ويُريد الاستعانة بصديق». ومن منطلق الحلفاء والأصدقاء، «بدأنا تلبية هذه الدعوة. نُريد أن نمدّ يد المساعدة ونُدافع عن حق كل لبناني، وهذا من واجباتنا… سوف نُكمل النقاش مع الرئيس برّي، الذي سيُناقش مع الرئيس الحريري. هذا الإطار هو الوحيد والمنطقي الذي يُمكن أن يوصل إلى نتيجة ويكون مُرضياً للرئيس ميشال عون وللرئيس المُكلّف، حتى إذا تفاهما أمكن إخراج الحكومة». ومن الممكن أن يُقدّم حزب الله «أفكاراً جديدة لمعالجة النقاط العالقة». فحزب الله لا يقف على الحياد، كما يتهمه البعض في التيار الوطني الحرّ. عاد نصرالله بالذاكرة إلى أيام تشكيل حكومة مصطفى أديب، يوم ضُغط داخلياً وخارجياً على عون للقبول باللائحة التي يُقدّمها له أديب وإلا يكنْ مُعطّلاً للحكومة، «كنت من القلّة الذين ردّوا على كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مدافعاً عن صلاحية الرئيس في المشاركة بتشكيل الحكومة. وحتى مع تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، قلنا إنّ الرئيس شريك في تشكيل الحكومة. هل هذا حياد؟ نحن نقف مع الحق، وحريصون على حقوق الجميع».
رفع الدعم عن الاستيراد
من ناحيةٍ أخرى، تناول نصرالله الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلد، ورفع الدعم عن استيراد المواد الأساسية والمشاكل التي بدأت تنجم عن ذلك. كشف عن أنّ التحضيرات الإدارية واللوجستية لاستيراد البنزين والمازوت من إيران وآليات توزيعه، «أُنجزت خلال الأيام الماضية، نحتاج فقط إلى الإذن بالتحرّك. البعض سخر وكتب متسائلاً إن كان أصلاً هناك محروقات في ايران؟ الدنيا كلّها ضجّت بالسفن المتوجهة إلى فنزيولا، وكانت محملة بالبنزين والمازوت وبمعدات لمصافي النفط». أما بالنسبة إلى «المُرتابين» من أن تؤدّي هذه الخطوة إلى فرض عقوبات على لبنان، فتوجّه نصرالله إلى القوى السياسية التي تمتلك صداقات مع أوروبا ودول الخليج والولايات المتحدة الأميركية بالقول: «استفيدوا من صداقاتكم لمصلحة الشعب اللبناني. لماذا لا تقومون بشيء وتتفرجون على إذلال الناس؟ نحن لم نكن نتوقع أن نشتغل باستيراد البنزين، ولكننا مُستعدون لنعمل كزبّالين عند أهلنا ليكونوا أهل شرف. ولكن أنتم تسكنون أبراجكم العاجية ولا تُحرّكون ساكناً، ولا تشعرون بمعاناة الناس». قال نصرالله إنّ «الأميركيين صرحوا بأنّهم في 10 سنوات دفعوا في لبنان 10 مليارات دولار. ونُقل عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنّ السعوديين دفعوا بين عامَي 2005 و2017 حوالى 20 مليار دولار، أين هي الأموال؟ دلونا عليها في المؤسسات والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات…».
في الإطار نفسه، فتح نصرالله النقاش حول الخيارات البديلة، لفكّ سطوة المُحتكرين. «راجعت مُختصين وقالوا إنّه يُمكن في غضون 6 أشهر إنشاء مصفاة تكرير في الزهراني وطرابلس. يسمح ذلك باستيراد النفط الخام وتكريره في لبنان، ما يعني كلفة أقل». كشف عن وجود «شركة «شرقية» جاهزة للعمل وتنتظر موافقة الدولة اللبنانية. لماذا لا نلجأ إلى هذا الخيار؟ حتى حكومة تصريف الأعمال تستطيع اتخاذ هذا القرار».
ولكنّ حكومة حسّان دياب ترفض القيام بأي خطوة تُحمّلها التبعات الشعبية لرفع الدعم. يتفهّم نصرالله ذلك، فطرح تشكيل «لجنة تضمّ كلّ من شارك في الحكومات السابقة ويتحملون مسؤولية ما توصّلنا إليه. نحن جاهزون أن نكون في اللجنة، على قاعدة مشاركة الجميع، عندها نُناقش قرار ترشيد الدعم. نحن بحاجة إلى قرار شجاع وصريح من الكلّ». وفي هذا السياق يأتي خيار البطاقة التمويلية، «الممكن أن تُساعد مئات آلاف العائلات، وتُخفّف المعاناة عنهم. دائماً يجب البحث عن أفكار في إطار ترشيد الدعم».
شكر العراق
في ختام كلمته، شكر الأمين العام لحزب الله الحكومة العراقية على التعاون مع لبنان وتقديم مليون طن من النفط، «نشكر الحكومة والمسؤولين العراقيين على هذا القرار الأخوي… الشكر لكل أصدقاء لبنان، ومن يريد مساعدته على الصمود والبقاء وعبور المرحلة. والإدانة لكل من يُحاصر لبنان ويفرض العقوبات عليه، وفي مقدمهم الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة الأميركية، صديقة البعض الذي يجوع ويتألم». كذلك وجّه الشكر إلى كتائب حزب الله في العراق التي وضعت نفسها في إطار معادلة الردع الهادفة إلى حماية مدينة القدس والمسجد الأقصى من العدوان الإسرائيلي.