وليد عبد الحي
زيارة وفد من حماس للمغرب يدفع لطرح التساؤلات التالية: هل تتناسب ردة فعل حركة حماس على التطبيع العربي بخاصة الاماراتي والبحريني مع ردة فعلها على التطبيع المغربي؟ وهل وجود “حزب العدالة والتنمية (الإخواني) في الحكم في المغرب وزيارة وفد حماس له يمثل صكوك غفران جديد لغض الطرف عن جريمة التطبيع المغربي ؟
إن قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ، والسعي لحشد التأييد الشعبي في ظل ظروف قاهرة تحيط بالمقاومة المسلحة وقطاع غزة، وأن ” سوى الروم خلف ظهرك روم:فعلى أي جانبيك تميلُ” لا تبرر ان تواجه العدو في ميدان المعركة بالصواريخ ثم تلجأ لنظام سياسي بدأت علاقاته مع اسرائيل بشكل سري منذ بداية الستينات من القرن الماضي” عندما ارسلت اسرائيل للمغرب في اكتوبر عام 1963 طائرات حربية من طراز مستير ودبابات من صنع فرنسي عبر صفقة رتبها شاه ايران لمواجهة القوات الجزائرية ( وردت هذه المعلومات في دراسة بعنوان (Israel and Morocco) التي كتبها الباحث الاسرائيلي إينات ليفي(Einat Levy ) عام 2018 في المعهد الاسرائيلي للسياسات الخارجية الاقليمية( Israeli Institute for Regional Foreign Policies)(صفحة 3)، وتشير نفس الدراسة الاسرائيلية الى تزويد اسرائيل للمغرب بطائرات بدون طيار(المسيرة) عام 2013 عبر فرنسا، ناهيك عن قيام المغرب بتعديل دستورها عام 2011 حيث نص الدستور المغربي الجديد على اعتبار التراث ” العبري- اليهودي جزءا من مكونات التراث المغربي.( وهو نص لا يوجد في دستور أي بلد عربي او اسلامي)، وقد تم نتيجة هذا التعديل الدستوري اعادة ترميم وصيانه كافة المعابد والمدراس والمقابر اليهودية في المغرب، بل تم اعادة اطلاق اسماء يهودية على بعض المعابد وبمشاركة من الملك المغربي الحالي وفي نفس العام الذي فاز فيه حزب العدالة والتنمية الاخواني.
ويلعب اللوبي اليهودي بخاصة من يهود المغرب دورا في تعزيز العلاقات الامريكية المغربية مقابل تطوير العلاقات الاسرائيلية المغربية ، وفي عام 1976 التقى الملك المغربي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، وكان وراء ترتيب اتفاقيات كامب ديفيد في لقاءات سرية بين السادات والقيادات الاسرائيلية في المغرب ، وكان يسرب عبر التسجيلات السرية اجتماعات القمم العربية، وساهم في موضوع طائرة قادة الثورة الجزائرية وتسليمهم للمخابرات الفرنسية ، وتعاون مع مخابرات غربية واسرائيلية للتخلص من الزعيم المغربي المهدي بن بركة عام 1965،، اما سلوكه الداخلي فيكفي ان يطلع القارئ على الكتاب الصادر عام 2012 وعنوانه (Predator King) من تأليف (Cathrine Graciet and EricLaurent) اللذين عاشا فترة في القصر الملكي ،او ليطلع القارئ على مقابلة صحيفة “المساء المغربية” عام 2009 مع شيمون ليفي (الذي عمل في متحف الدار البيضاء) وكيف نظمت المغرب في الستينات من القرن الماضي تهجير اليهود الى فلسطين ” رغم ان معظمهم لم يكن يريد الهجرة” كما يقول ليفي نفسه ، كما ان اول لقاء علني بين رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق شيمون بيريز والملك الحسن الثاني كان عام 1986، وأعقب ذلك في عام 1994 افتتاح مكتب الارتباط الاسرائيلي في الرباط ثم بعد ذلك بعامين تم افتتاح المكتب المغربي في تل ابيب، وتبع ذلك عام 1999 اصدار اسرائيل طابعا بريديا يحمل صورة الملك المغربي، وهي السنة التي ارتفع فيها التبادل التجاري الاسرائيلي المغربي الى حوالي خمسين مليون دولار ليصل الى اكثر من 87 مليون عام 2015( ، وزار حوالي خمسين الف اسرائيلي المغرب، وفي عام 2000 قام وفد من سلاح الجو الاسرائيلي يضم 25 خبيرا بزيارة المغرب واجتمع مع العسكريين المغاربة، وبعدها وصل للمغرب ممثلون عن 24 شركة اسرائيلية من مختلف القطاعات الانتاجية، وفي عام 2003 زار وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم الرباط حاملا رسالة من رئيس الوزراء الاسرائيلي اريل شارون ، وبعدها بعام التقت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية نظيرها المغربي حينها محمد بن عيسى ، وفي عام 2019 التقى نيتنياهو مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على هامش اجتماعات الامم المتحدة
ورغم ان رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني( الاخواني) قال بانه يرفض التطبيع في 24 – 8 – 2020، إلا ان خطوات التطبيع بدأت بعد ذلك بأقل من اربعة شهور وهو على راس الحكومة، ورغم ان العثماني حيا المقاومة على دورها لكنه يصمت عن التطور المتلاحق في العلاقة مع اسرائيل، ورغم ان العثماني وحزبه قدما لائحة تطالب برفض التطبيع مع اسرائيل عام 2013 إلا أنه قبل ان يترأس حكومة طبعت مع اسرائيل ،ولعل ذلك يذكرني بالشيخ الذي قال للخليفة ابي جعفر المنصور ” اخاف ان ارضيك فيغضب الله مني ، او ان ارضي الله فتغضب انت مني، وانا حريص على رضاكما معا”.
ان زيارة وفد حماس الى المغرب بعد التطبيع لا تبرره تصريحات حزب العدالة والتنمية الاخواني بانه مع حقوق الفلسطينيين بينما علم اسرائيل يرفرف في الرباط وحكومته ترسل برقية تهنئة لرئيس الوزراء الجديد الذي يتوعد الفلسطينيين بحرائق جديدة…
اعرف ان السياسة لها ظروفها وضغوطها ، ولكن أود أن اسال لماذا لا تمارس حركة الجهاد الاسلامي ما تمارسه حماس، إذ تبدو حماس شغوفة بميادين ” المشتبهات”،وهو ما يجعلها مصدر شكوك لدى الجمهور الذي لا ينكر عليها نضالاتها ومعاناتها ، ولا احد ينكر انها تتحمل العبء الأكبر في الصراع مع هذا العدو، لكن مراهنتها على تحويل ميادين المشتبهات الى منافع يشير الى ان داخل حماس تيارات متباينة في وجهات النظر، لكنها لا توزع الأدوار بينها ، واجدها تتوه بين الحين والآخر بين ميادين المشتبهات كما تاه الاخوان المسلمين مرات عديدة…فما الذي ستجنيه حماس من المغرب بمواصفاته السياسية الحالية؟ فهذا نظام “لا خيل عندك تهديها ولا مال” ، وليس له وزن في التفاعلات الدولية في الموضوع الفلسطيني اكثر من كونه قناة اتصالات خلفية على طريقة دبلوماسية الإنابة (Proxy Diplomacy). بل ان لجنة القدس التي تتراسها المغرب منذ عام 1975 لم تعقد جلسة لها لبحث جولة ” سيف القدس ” الاخيرة ولم ينبت رئيس الوزراء المغربي حولها ببنت شفة.
إن اختيار الحلفاء أمر يحتاج من حماس تجاوز الكثير من مسلماتها ، ولهم في مواقف المغرب ودول الخليج وتركيا وبعض التيارات الاسلامية ما يستوجب الحذر، ولا بد من جعل ” الموقف من فلسطين” هو دالة استراتيجيتها وليس استرضاء دبلوماسيي الإنابة…ربما.
المصدر: وليد عبدالحي