الحريري يرفض الإستعانة بالسيّد

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

أشاعت أوساط بيت الوسط خلال الساعات الماضية، أن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، يرفض إيكال أمر “حلّ عقد الحكومة” إلى الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، تأسيساً على الطرح الذي تقدّم به رئيس “تكتّل لبنان القوي” النائب جبران باسيل الأحد الماضي، وتحت شعار قطع الطريق على محاولات باسيل “الإنقضاض على الملف الحكومي أو التلاعب به”. وعند نقطة الرفض تلك، ينضمّ الحريري إلى باسيل مرة أخرى في تقاسم مغانم تعطيل تأليف حكومة جديدة.

تبرير الحريري لخطوته عبر أوساطه، أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي لم يعلن عن سقوط مبادرته بعد، وبالتالي، فإن الحريري يلتزم بما يلتزم به برّي، وإنه يتموضع ليس في محيط المبادرة إنما في عمقها، وليس مستعداً للإنجراف صوب أي طرح آخر. وفيما يتجاهل الحريري عمداً أن الحزب بدوره يتموضع ضمن نفس الخانة التي تحرّكت أصلاً بتفويض صريح ومباشر من السيد نصرالله، يحاول المزايدة على العونيين من خلال إيهام الآخرين بتوافر رغبة لديه بتأليف الحكومة، على نقيضهم تماماً، وعلى الحزب في مجال الإنشداد صوب عين التينة!

لسوء حظ الرئيس الحريري، أنه، وقبيل مغادرته إلى أبو ظبي حيث يمكث حالياً ولمدة غير معلومة، صودفَ وجود السفيرة الأميركية دوروثي شيا في بيت الوسط. زارته السفيرة فور قدومها من “مهمتها” في واشنطن. وعلى ما يُنقل، فإن ملف الحكومة كان مدار بحث “عميق” بينهما. وبحسب ما تكشف المعلومات، فإن شيا لم تكن محبّذة لـ”إرتماء الحريري” في حضن “الثنائي الشيعي” إلى درجة توكيله أمر الحكومة، وهو ما فُسّر على أنه انزعاج أميركي تولّت شيا التعبير عنه لغوياً في بيروت. عند هذه النقطة، يظهر أن الحريري قد التقط الرسالة، وحين عزم باسيل على “الإيقاع” بنصرالله في صلب ملف التكليف، اتخذ رئيس الحكومة المكلّف من الخطوة ذريعة للتملّص من الإنحدار صوب “الخندق الشيعي”، وقرّر رفض الإستعانة بالسيد للقول للآخرين بأنه “ملتزم”.

وبالمناسبة، “حزب الله” الذي يتجنّب إتخاذ موقف حتى الآن من “طرح باسيل”، يُفضّل مجالسته في الغرف المغلقة للإطلاع عما لديه وعن الأسباب التي دفعته لطلب الاستعانة بالسيد، إلى جانب البحث وإياه عن “مخارج” للملف الحكومي من دون العودة إلى منطق “توزيع المبادرات”، وليس في باله، أقلّه لغاية الآن، مسعى لقيادة “صفقة حكومية جديدة” ترث ما سبق من مبادرات، إنما هدفه المعلن والحالي والذي أُبلغ إلى باسيل خلال اجتماعه “الليلي” بالحاج وفيق صفا، أن الحزب يسعى إلى إحلال منطق التهدئة مكان الإنفعال والتقاتل، وبعدها لكل حادث حديث. فصحيح أن الحزب له مصلحة في استيلاد حكومة في أقرب فرصة ممكنة، لكن الصحيح أيضاً أن الضاحية لا مصلحة لديها في إسقاط تهمة “حكومة حزب الله” على النسخة الحريرية المفترضة بنتيجة تدخّلات مطلوبة منه، حتى لا يغدو ذلك سبباً لحصار الحكومة، تماماً كما حدث لـ”نسخة حسان دياب”، لذلك هو يقضي أمره اليوم ويفوّض بري منزلة إيجاد الحلول. وقد لمس الحزب، أن باسيل كما الحريري يبحثان عن ضمانات، وهما سوياً يعتقدان أن الحزب بصدد تأمينها لهم، أو أنه يمتلك القدرة على تأمينها، بينما الحزب يرى أن الضمانات تلك مؤمّنة ذاتياً، وتكمن في قدرة كلّ من الفريقين.

عملياً، وقبل أن يمضي الحزب إلى قراره “وأد فتنة الحكومة” عبر الإجهاز على “الطفيليات” التي “تعمشقت” على ظهر الملف، نال مراده من قبل المتحاربين الأساسيين اللذين ظهرا مؤخراً، عين التينة وبعبدا، واستطراداً ميرنا الشالوحي (أو البياضة). القرار لدى حركة “أمل” والذي عمّم على مختلف المستويات، يقضي بعدم الرّد على أي إساءة تصدر عن أحد في “التيار الوطني الحر”. ولوحظ أن نهار أمس، والذي حفل بالإنتقادات العونية، تعاطت معها “أمل” بـ”تجاهل تام”. على المقلب الآخر، خلص قرار الحركة إلى حصر الردود “في حالات الضرورة القصوى” برئاسة الجمهورية متى وردت منها، وهذا، إنما يعني أن عين التينة لا تريد منح التيار “شرف” الردّ عليه، على أن تترك ذلك “وفي حالات الضرورة” إلى نواب. وعليه نمت قاعدة مفادها: “النائب للنائب والرئيس للرئيس”، وهذه المعادلة تُضم إلى أخرى كان أطلقها بري في حديثه إلى “النهار”: “مقابل لا حكومة لا إعتذار”.

وفي الحديث عن الإعتذار، وخلال تصاعد الحديث حوله مؤخراً، تولّى بري شخصياً إبلاغ الحريري رفضه أي خطوة يقدم عليها الأخير للإعتذار. أتى ذلك في غمرة الإشتباك والتراشق الإعلامي الذي اندلع أولاً بين “المستقبل” و”التيار”، ثم انسحب لاحقاً على جبهة عين التينة ـ بعبدا. وفي المعلومات، أن الحريري كان قد حزمَ أمره على الإعتذار، وقد وضع رؤساء الحكومات السابقين ودار الفتوى بصورة قراره، رغم اعتراضهم. وما إن وصلت “المعلومة” إلى عين التينة مذيّلة بعبارة “هام جداً”، حتى تأكد لديها أن الحريري عازم وبإصرار، فما كان إلاّ أن أبلغ الحريري مباشرةً بقرار رفض خطوته واعتبارها “طعنة” في ظهر بري تشبه الطعنة التي وُجهت إليه عندما أقدم الحريري على الإستقالة في خريف 2019. وفي السياق، بلغ “حزب الله” أن الحريري عازمٌ على الإعتذار. وهنا، يتردّد أن الحزب قد بعث بموفد إلى عين التينة ثم بيت الوسط لتهدئة الحريري، وهكذا كان.

عملياً، ولو أن مسألة اعتذار الحريري قد سُحبت من التداول، لكنها تبقى خطوة يمكن بلوغها متى اشتدت العقبات الداخلية. بهذا المعنى، يتردّد أن الحريري قد منح نفسه شهرين كحد أقصى لبلوغ تأليف الحكومة مجالاً، يمكن الإرتكاز إليه في التأليف. وفي حال لم تُسفر هذه المهلة عن أي جديد، فإن الحريري ملزم بالإعتذار. عبارة الإلتزام هنا، ترد كتفسير لما أبلغه سابقاً إلى أبو ظبي بعدما تلقى منها نصيحة بـ”العدول عن فكرة تأليف الحكومة واللجوء إلى الإعتذار كي لا تُغضب محمد بن سلمان”، والقاضي بإعطاء نفسه مهلة حتى الخريف لوضع حد لهذه القصة وتأمين ظروف خروجه منها، وللبحث صلة.

Exit mobile version