خاص “لبنان 24”
قد لا يكون لقاء خلدة الأول من نوعه على مستوى “البيت الدرزي”، بل لعلّه يأتي استكمالاً للقاءات سابقة جمعت جنبلاط وأرسلان ووهاب، وتتويجًا لـ”المصالحة” بينهما، علمًا أنّ التاريخ القريب غير البعيد، يشهد على “خصومات” لم يغب عنها الطابع الدمويّ، بين جماهير الزعماء الثلاثة، لم يكن حتى أرسلان ووهاب بعيدين عنها رغم تموضعهما في معسكر واحد تاريخيًا، هو فريق الثامن من آذار.
لكن، مع ذلك، يبقى أنّ للقاء أهميته الاستثنائية والمُضاعَفة في التوقيت الحاليّ، إذ يُعَدّ وفق ما يقرأ الكثير من المراقبين والعارفين، مؤشّرًا على “خطورة” المرحلة الحاليّة، التي استدعت عقده، والتي لا يمكن للساحة الدرزيّة أن تكون مغيَّبة عنه، في ظلّ “التخبّط” السياسيّ على كلّ المستويات، وانعكاساته الخطيرة اجتماعيًا واقتصاديًا، في ضوء تصاعد “كرة النار”، والتأهّب لسيناريوهات قد لا تكون “محمودة” على الإطلاق.
“تحصين البيت الدرزيّ”
بحسب المعنيّين بلقاء خلدة المرتقب، فإنّ جدول أعماله، أو “أجندته” إن جاز التعبير، تُختصَر بعنوان واحد، ولو كان واسعًا وفضفاضًا، ألا وهو “تحصين البيت الدرزيّ”. ورغم حرصهم على نفي الطابع “الطائفي” للقاء، يشدّدون على أنّ هذا العنوان أساسيّ، نظرًا لحساسيّة منطقة الجبل التي يمثلها القادة الثلاثة، وتفاديًا لتكرار سيناريوهات السابق، يوم دفعت الساحة الدرزية تحديدًا “فواتير” التحالفات والانقسامات، كما حصل في حادثة قبرشمون الشهيرة مثلاً.
انطلاقًا من ذلك، لن يكون الملفّ الحكوميّ على رأس “أجندة” اللقاء، وإن كان يُتوقَّع أن يأتي “على هامشه”، ليس لأنّ الأمر لا يشكّل “أولوية” للمجتمعين، أو لأنّهم يعيشون مثلاً “انفصامًا” عن الواقع، ويتنكّرون لجوهر الأزمة القائمة، ولكن بكلّ بساطة، لأنّ “العقدة” ليست عندهم، وأنّهم قدّموا كلّ التسهيلات الممكنة، لا سيّما وأنّ ما أثير سابقًا عن “عقدة درزية” انتهى في أرضه، بعدما “تفاهموا” على القفز فوقها، وإن كان البعض يعتقد أنّ العقد تبقى “مفتعَلة”.
ولعلّ ما سيركّز عليه اللقاء، في هذا الإطار، وفق ما يقول العارفون، هو التنبيه من المجهول، وبالتالي الدعوة لسلوك مسار التسوية، في تكرار للمواقف التي يعلنها الزعماء الدروز الثلاثة، وعلى رأسهم النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يبدو واضحًا منذ فترة غير قصيرة، أنه “خائف” على الوطن والمصير، وهو لا يفوّت مناسبة إلا ويحذّر من عقبات استمرار التصعيد وعدم تشكيل حكومة، وهو موقفٌ يتشاركه معه أرسلان ووهاب، وفق المعطيات المتوافرة.
ما بعد اللقاء
يقول العارفون إنّ اللقاء، من حيث الشكل قبل المضمون، مهمّ، فهو يكرّس أولاً “المصالحة الدرزية” التي يخشى كثيرون أنّها لم تترجَم على الأرض بعد، كما أنّه يعطي رسالة “إيجابية” إلى جميع الأفرقاء بضرورة تغليب مناخ التوافق والوئام، على التخاصم والتنافر، وهو “منطقٌ” لو نجح لقاء خلدة في “تعميمه” لوفّر على البلاد الكثير من ويلات السجالات “الدونكيشوتية” التي يشهدها البلد منذ فترة، والتي يدرك أركانها أنّها لن تقدّم ولن تؤخّر شيئًا.
لكنّ اللقاء وحده لا يكفي، بل قد يكون ما بعده هو الأهمّ، سواء على المستوى الدرزيّ الضيّق، أو المستوى الوطني العام. ففي الإطار الأول، يعود البعض بالذاكرة إلى اجتماع عين التينة قبل أشهر، الذي تمّ بموجبه الاتفاق على تشكيل لجنة لمتابعة شؤون الطائفة والمشاكل الدرزية، إلا أنّ هذه اللجنة بقيت حبرًا على ورق، ولذلك فقد يكون المطلوب الاتفاق على آلية واضحة لترجمة الإيجابيّة، حتى لا تُفوَّت الفرصة مرّة أخرى، وتذهب نتائج الاجتماع مع الريح.
وإذا كان هناك من يذكّر بأنّ “الصورة” لا تكفي، وأنّ المطلوب من جنبلاط وأرسلان ووهاب مدّ أيديهم لبعض البعض، ولكن أيضًا لشركائهم في الطائفة والوطن، ثمّة من يعتبر أنّ انعكاسات اللقاء تبقى مهمّة على المستوى الوطني، لا سيّما وأنّه يستطيع أن يؤسّس لمبادرة فاعلة وجدّية، ولو كان المجتمِعون يعتبرون مثلاً أنّ الملفّ الحكوميّ ليس من اختصاصهم، وذلك لأنّ المراوحة لم تعد تكفي، والكلام لا قيمة له، في حين أنّ كلّ جهد يمكن أن يُبذَل مُبارَكٌ وأكثر.
قد يكون لقاء خلدة “الجامِع” الاستثناء في المشهد العام، الذي تحوّل منذ أيام استقطابيًا، انتخابيًا. فبخلاف الصورة الوحدوية درزيًا، صورة نافرة مسيحيًا، مع سجال “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” الذي شُرّعت معه كلّ الأسلحة الكلامية، واستُحضِر الخطاب “التخويني”. يبرّر البعض ذلك بأنّها “الحسابات الانتخابية”، وقد بدأت تفعل فعلها قبل الأوان، عذرٌ يبدو لكثيرين “أقبح من ذنب” في زمن “الانهيار” الذي يكاد يطيح بالأخضر واليابس دفعة واحدة!