الأخبار
في تفاصيل الحادثة، تتّهم عائلة نزار، أمن السلطة، باغتياله عمداً بعمل مدبّر، إذ وفق ما أفادت به في تصريحات صحافية، فإن قوة مشتركة من الأمن اقتحمت منزل أحد أقارب الناشط، وفجّرت بابه الرئيس، ثمّ هاجم 25 عنصراً بنات على رأسه بالهراوات والقضبان الحديدية. ويقول مجدي بنات، ابن عمّ الشهيد: «نزار لاحقه مسؤولون في السلطة الفلسطينية بالتهديدات بالاغتيال، وقالوا له أنت مطلوب لنا حيّاً أو ميتاً، وكنت معه شاهداً على ما حدث، حيث استمرّ الضرب على رأس نزار لمدة 8 دقائق بعد أن رشّوه بغاز الفلفل أثناء نومه». ويلفت الشاب حسين بنات، أحد أقارب الشهيد، بدوره، إلى أن «رجال أمن السلطة وصلوا ومعهم أمر اغتيال وليس اعتقال، ويتّضح هذا من طريقة الضرب المبرح على رأسه بالهراوات والمسدّسات وحتى القضبان الحديدية»، فضلاً عن تجريده من ملابسه ومواصلة الاعتداء عليه خلال اعتقاله وسط صراخه ورفضه الاعتقال، ومن ثمّ نقله إلى جهة مجهولة، وفق رواية العائلة.
على رغم كلّ ذلك، لم يتوقّع أحد وصول الأمر إلى القتل، بل ظلّت العائلة في حالة ترقّب كما هي عادتها في عمليات الاعتقال السابقة. لكن فجأة كُسر الترقّب ببيان عبر «فيسبوك» وتطبيق «واتسآب»، صادر عن محافظ الخليل جبرين البكري، صباحاً، جاء فيه: «قوة من الأجهزة الأمنية اعتقلت نزار بنات، وتدهورت حالته الصحية خلال الاعتقال، وفوراً حوّلناه إلى مستشفى الخليل الحكومي، وعند معاينته من الأطباء تبيّن أنه متوفّى».
اغتيال بنات أثار ردود فعل واسعة، أبرزها وقفات مندّدة بالجريمة، خاصة في دوار المنارة في رام الله وعند دوار ابن رشد في الخليل، حيث حمّل المشاركون السلطة مسؤولية مقتل نزار، مطالبين بمحاسبة القتلة. وفي رام الله، اندلعت اشتباكات بين أمن السلطة ومتظاهرين محتجّين على اغتيال بنات، بعد منْع تظاهرة من الوصول إلى مقرّ الرئاسة «المقاطعة». وأطلق الأمن وابلاً كثيفاً من قنابل الصوت والغاز، وهاجم المحتجّين بالهراوات ما أدّى إلى إصابة عدد منهم، فيما تعالت هتافات: «الشعب يريد إسقاط النظام»، «ارحل ارحل يا عباس»، وغيرهما.على المستوى الفصائلي، اعتبرت حركة «حماس» أن جريمة اغتيال بنات «مدبّرة ومنظّمة وتعكس نوايا وسلوك السلطة الفلسطينية وأمنها تجاه أبناء الشعب الفلسطيني والنشطاء المعارضين والسياسيين»، داعية إلى أوسع مشاركة في تشييع الناشط، فيما حمّلت «الجبهة الديمقراطية» السلطة وأجهزتها الأمنية المسؤولية الكاملة عن الجريمة، قائلة: «لم يَعُد مقبولاً أن تُواصل السلطة اعتقال النشطاء في الوقت الذي لا تجرؤ فيه على اعتقال المستوطنين ووقف اعتداءاتهم». وأشارت «الجبهة الشعبية»، بدورها، إلى أن «اعتقال نزار ثمّ اغتياله يفتحان التساؤلات مجدّداً حول طبيعة وظيفة الأجهزة الأمنية واستباحتها لحقوق الفلسطينيين، وهذا يجب عدم السكوت عنه أو يمرّ مرور الكرام»، بينما رأت «حركة الجهاد الإسلامي» أن «هذه الجريمة تكشف مدى التعدّي على الحرّيات وقمع وملاحقة كلّ المعارضين لسياسات السلطة ونهجها والواقفين بجرأة وشجاعة في مواجهة الفساد»، مؤكدة رفضها «أسلوب الاستقواء على أبناء الشعب الفلسطيني في مقابل السكوت عن عربدة المستوطنين وجنود الاحتلال في الشوارع والمدن والقرى من دون رادع».
كذلك، دانت مؤسسات حقوقية مختلفة الجريمة، ودعت إلى إجراء تحقيق. إذ قال الاتحاد الأوروبي: «مصدومون وحزينون لوفاة الناشط والمرشّح التشريعي السابق نزار بنات عقب اعتقاله، ويجب إجراء تحقيق كامل ومستقلّ وشفّاف فوراً»، فيما طالب «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» بفتح تحقيق جدّي وعاجل ومستقلّ، خاصة أن كلّ ملابسات الحادثة تشير إلى عملية تصفية متعمّدة لإخماد صوت معارض بقوة لسياسات السلطة الفلسطينية. وبالفعل، أعلن الناطق باسم أمن السلطة، اللواء طلال دويكات، تشكيل لجنة تحقيق «محايدة» في ظروف» وفاة» بنات، بإيعاز من رئيس الحكومة محمد اشتية، مُعلِناً أنه «لا مانع من مشاركة مؤسسات حقوقية في اللجنة، والحكومة جاهزة لاتخاذ أيّ إجراءات تترتب على نتائج التحقيق». لكنّ مراقبين يشكّكون في جدوى لجنة التحقيق، نظراً إلى تجارب لجان سابقة في حوادث مماثلة، راح ضحيّتها فلسطينيون معتقلون، ولم تظهر نتائجها الفعلية للرأي العام، بل اكتفت السلطة الفلسطينية بالإعلان عن إيقاف عناصر أمن عن الخدمة أو اعتقالهم من دون ذكر أسمائهم أو تقديم دلائل فعلية، كما لم تجرِ أيّ إقالات لشخصيات رفيعة من مناصبها.
من هو نزار بنات؟
تعود أصول نزار بنات (43 عاماً) إلى قرية عَجّور المهجّرة شمال غرب الخليل، وهو يقطن مدينة دورا، ومتزوّج وله عدد من الأبناء آخرهم طفلة رضيعة. يُعدّ بنات من أبرز منتقدي السلطة الفلسطينية و»التنسيق الأمني» مع العدو الإسرائيلي، كما أنه نشط في الدفاع عن قضايا العمّال وشرائح مجتمعية أخرى، وكان أحد الناشطين ضدّ إقرار قانون الضمان الذي أسقطته الجماهير الفلسطينية في عام 2019. الشهيد ذو نزعة عروبية قومية، ويدعم المقاومة والكفاح المسلح كخيار استراتيجي ضدّ العدو الإسرائيلي، وترشّح عام 2021 لعضوية المجلس التشريعي عن قائمة «الحرية والكرامة» المستقلة. اعتُقل «أبو كفاح» أكثر من 8 مرّات لدى أمن السلطة، تعرّض خلال بعضها للتعذيب. وفي عام 2013، اعتدى عليه عناصر من أمن السلطة بالضرب في الشارع أثناء وجوده في بيت لحم. وقد كانت كلّ تلك الاعتقالات والاعتداءات بسبب آرائه السياسية وتعبيره عنها بمنشورات و»فيديوهات» عبر موقع التواصل الاجتماعي. كما تعرّض لمحاولة اغتيال بإطلاق نار على منزله قبل شهرين، اتَّهم أمن السلطة بالمسؤولية عنها، لتُثار ضدّه حملة تشويه محمومة قادتها حسابات وهمية، بعضها عائد إلى ضبّاط وعناصر في الأمن الفلسطيني.
آخر انتقاد وجّهه بنات إلى قيادة السلطة وحكومة اشتية والنائب العام أكرم الخطيب، يتعلّق بصفقة تبادل اللقاحات بينها وبين العدو الإسرائيلي، إذ قال :»قيادة السلطة التقليدية الحاكمة للضفة الغربية على مدار عمرها متاجرة وتعمل كمرتزقة، وفي الثورة تاجروا بسلاحها وباعوا أسلحة لحزب الكتائب اللبناني، وباعوا المعارض السعودي ناصر السعيد للنظام السعودي، ففضيحة اللقاحات ليست جديدة». وأضاف: «السلطة الفلسطينية لديها إيديولوجيا في القرصنة والسرقة والتجارة تاريخياً، فالخلل ليس في اشتية وحده، هو مجرد أداة»، متابعاً: «الخلل فينا أيضاً نحن الشعب بسكوتنا وليس فقط في السلطة». وتحدّى النائب العام بالاسم بأن يستخدم الحق العام ضدّ المتورّطين في صفقة تبادل اللقاحات بدلاً من «اعتقال طفل مريض بالسكري لأنه عبّر عن رأيه في فيسبوك». كما هاجم تيار دحلان قائلاً: «هناك مشكلة في طريقة المعارضة لدينا بفلسطين، حتى تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح عنده مشكلة، فأنتم آخر من يتكلّم عن النزاهة والشفافية والإصلاح، وموظفون عند مخابرات الخليج مثل السلطة». وانتقد بنات مرشّحي عدد من القوائم الانتخابية، واتّهمهم بالصمت والوقوف ضدّه عندما وقّع عريضة لرفعها إلى الأوروبيين لوقف تمويل السلطة بسبب الفساد، «بحجٍة رفض الاستقواء بالخارج وأن الخلافات مع السلطة يجب حلّها داخلياً».