ناصر قنديل-البناء
– خلال أكثر من عشر سنوات وأنا على اتصال وثيق بعشرات الناشطين المميّزين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأتابع عن كثب نشاط عشرات آخرين، وكان الراحل الدكتور عبد الستار قاسم أحد هؤلاء المميّزين، ومثله كان نزار بنات، ولم يكن خافياً أن أغلب هؤلاء النشطاء والقادة ملاحق من أجهزة السلطة الفلسطينية، وقد تعرّض للاعتقال والاعتداء على أيدي هذه الأجهزة مراراً، ولم تكن هذه الأجهزة تخفي اعتبار هؤلاء النشطاء سبباً لصداع في علاقاتها مع أجهزة كيان الاحتلال، التي كانت تهتم بمتابعة حثيثة لهؤلاء النشطاء، وفي التحقيقات مع هؤلاء القادة والنشطاء وخلال الاعتقالات لم تكن توجّه لهم تهماً تتصل بشؤون تتصل بغير تسببهم بغضب الاحتلال، وتسببهم بإضعاف هيبة الأجهزة الأمنية التي كانت تتولى التنسيق مع أجهزة الاحتلال.
– نزار بنات صاحب موقف، يكفي لمن لا يعرفه استعراض نصين له مسجّلين على فيديوات باتا في التداول بعد استشهاده، واحد يتحدث فيه عن الذين يحرّضون على ايران وحزب الله بلغة مذهبية، بمناسبة استشهاد القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، فيستعرض عظمة ما قامت به إيران خلال أربعة عقود وما أنجزه حزب الله، في مواجهة الهيمنة الأميركية والمشروع الصهيوني، مقابل الأموال العربية والخليجية خصوصاً، التي أنفقت لتخريب سورية وتدميرها وآلاف المقاتلين الذين تم تطويعهم للقتال وأطنان الأسلحة التي أرسلت إليها، فيما يُحرَم الفلسطينيون من جمع التبرعات في دول الخليج ويلاحق كل من يدعو لدعم المقاومة في فلسطين، قبل أن تتوّج هذه المسيرة بالتطبيع. ويسخر بنات من الذين يتحدثون عن هلال شيعي يصفه بهلال المقاومة الذي سيشكل الطوق لنصرة فلسطين، سائلاً جبهة النصرة التي كانت على حدود فلسطين عند احتلالها مناطق جنوب سورية عما فعلته غير التنسيق مع الاحتلال؟
– في إطلالة ثانية يتحدث بنات عن انتفاضة بلدة بيتا القريبة من القدس التي تواجه خطر الإخلاء لحساب المستوطنين، مستعيداً تاريخ البلدة في الانتفاضة الأولى، وأهميّة الدور الذي لعبته في تثبيت الإنتفاضة وإبداعات شبابها في مواجهة الاحتلال، محذراً من العبث بحركتها الراهنة لتضييعها على طريقة ما تمّ في مدينة الخليل، حيث نجحت بعض البؤر الاستيطانيّة في الالتفاف على حركات الاحتجاج وكسرها بمعونة السلطة وأجهزتها، ويدعو الناشطين إلى تطوير حركتهم بالتنبه إلى مكائد الاحتلال التي قد تأتي بالتنسيق مع السلطة وأجهزتها، واضعاً مصير المواجهة هناك في مرتبة من الأهمية يكشف أسبابها بما مثلته البلدة في ذاكرة الاحتلال، وكأنه يكشف بذلك أنه بهذا الانتباه والتنبيه قد سرّع قرار تصفيته الجسديّة بقرار من الموساد كلّفت أجهزة السلطة بتنفيذه.
– كلام وزارة العدل في السلطة عن تنفيذ اعتقال بنات بقرار من النائب العام يجعلنا نتخيل أن الحديث يتم عن مجرم وسارق، وكان مَن يتولى التنسيق مع أمن الاحتلال لا يتضمن النيابات العامة، وهل تستطيع السلطة أن تنكر أن كل المقاومين الذين سلمتهم للاحتلال أو الذين أوقفتهم بطلب منه، لم تتمّ ملاحقتهم بأمر من نيابة عامة مكرّسة للاستجابة لطلبات الاحتلال وفقاً لقواعد التنسيق الأمني، أما الحديث عن التحقيق ودعوة النشطاء لقول ما يريدون أمام لجنة التحقيق، فمهزلة المهازل، لأنه محاولة لتصوير القتل المتعمد وكأنه خلل تقني في عملية توقيف قانونية عادية، وعائلة الشهيد تؤكد أن قوة من عشرات العناصر اقتحمت منزل الشهيد وفجّرت الأبواب والشبابيك، ثم سحلت الشهيد تحت ضربات العصي والأدوات الحادة قبل أن تسحبه جثة هامدة الى سياراتها وتذهب به الى براد مستشفى الخليل وهي تبلغ أهله أنه بخير وقيد التحقيق.
– المنادون بتحقيق مستقل يسخرون من عقولنا، فالجواب الوحيد هو توجيه الاتهام لقيادة السلطة باغتيال المناضلين والنشطاء، حتى يتم إعلان وقف التنسيق الأمني وإحالة الذين شاركوا فيه طوال السنوات الماضية من كبار ضباط الأجهزة الى التحقيق لمعرفة من تمّ تجنيده منهم للعمل مع أجهزة الاحتلال ومخابراته، وقد صار معلوماً حجم الاختراقات التي تنخر جسم هذه الأجهزة لحساب مخابرات الاحتلال.