رلى موفّق -اللواء
ثمة أجوبة ينتظرها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بعدما استعان به يوم الأحد الماضي كصديق ليكون حكماً وأميناً على «حقوق المسيحيين» التي أعلنها باسيل عنواناً لمعركته الراهنة. أساساً لا مناسبة معلنة لإطلالة نصرالله، وإن كان متوقعاً أن يظللها عنوان «سلام على إبراهيم»، تبريكاً لانتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية في مرحلة حساسة ومصيرية من تاريخ إيران المنطقة، وما تحييه تلك «الرئاسة الثورية» من «آمال لدى الشعب الإيراني وشعوب منطقتنا المظلومة بالمستقبل القريب الآتي وفي القدرة على مواجهة كل التحديات والصعاب والتغلب عليها»، وفق تعبيراته في برقية التهنئة.
ما سيقوله نصر الله في الشأن الداخلي اللبناني سيحدد المسار الذي سيحكم البلاد في المرحلة المقبلة، ذلك أن باسيل رمى الكرة بقوة في ملعب «سيد حارة حريك»، واضعاً إياه أمام خيارات صعبة وواضحة بعدما حرق كل المراكب أمام بقائه في «المنطقة الرمادية». رغم أن كثيرين أخذوا على «وريث التيار العوني» تناقضه في رفع «معركة الدفاع عن حقوق المسيحيين» ثم اللجوء إلى الزعيم الشيعي من أجل تحصيلها، لكن الرجل ضمّن كلامه «لمن سلمه أمره» رسائل تهديد مبطنة باحتمال إدارة الظهر لتحالفهما السياسي (تفاهم مار مخايل) الذي ما كان يمكن للطرفين من دونه أن يحققا منه ما حققاه. يدرك باسيل أن «حزب الله» في هذه المرحلة لا زال يحتاج له كحليف مسيحي وأنه هو يحتاج لـ«حزب الله» لإيصاله إلى سدة الرئاسة. ويعلم تالياً أن «حزب الله» يريد تمرير فترة السنة وأربعة أشهر الفاصلة عن الاستحقاق من دون وعود وتعهدات له قد لا يكون الحزب راغباً بتقديمها او ليس ضامناً لقدرته على الوفاء بها.
نسف باسيل كل ما جرى التوصل إليه من توافقات أو إنجازات على صعيد تأليف الحكومة، والتي اعتبر «الثنائي الشيعي» أن هذه الإنجازات يتم وضعها مع كل جولة مباحثات في «صندوقة» للمراكمة عليها في الجولة التي تلي. عاد بالبحث إلى المربع الأول، وأطاح بمبدأ الثلاثة أثلاث (8-8-8) في حكومة 24، معتبراً انها ليست لعبة توازنات وزارية وسياسية بل مفهوم من مفاهيم المثالثة المقنعة المرفوضة التي تمس للدستور والتوازنات الوطنية في البلد. لجأ إلى مقاربة ما عاد ممكناً معها لأي مسعى جدي، حتى لو كان القائم به نصر الله، من احداث خرق في الملف الحكومي وفق المعايير التي كان يتم البحث بها. شخَّص الأزمة التي ظهَّرتها عملية تأليف الحكومة على أنها أزمة نظام وأزمة حكم وليست نتاج حسابات سياسية ومصلحية.
ينظر البعض إلى أن باسيل يتصرف على قاعدة «انا الغريق فما الخوف من البلل»، لكن ذلك فيه الكثير من القراءة المغلوطة. الرجل يخوض معركته بكل ما أوتي له من فرص وأدوات. أمامه اليوم استحقاق الانتخابات النيابية التي عليه ان يحشد لها. وعنوان الدفاع عن حقوق المسيحيين هو من أكثر العناوين حساسية ضمن بيئته وطائفته، وأكثر العناوين قدرة على التجييش والتحشيد بغض النظر عن تداعياته المدمرة على مستوى العلاقة بين المكونات الطائفية. أكثر ما يرغب به باسيل أن يرى تحالفاً رباعياً جديداً في وجهه على غرار انتخابات 2005، فهذا يعطيه ورقة قوية لقلب الطاولة على الجميع وفي مقدمهم حليفه «حزب الله» الذي يحشره في توقيت لا يراه مناسباً ولا ناضجاً لخوض معارك داخلية ورسم نهائيات المشهد السياسي في الملف اللبناني من ضمن ملفات المنطقة المُعلَّقة والمُنتظِرة لما سينتج عن المفاوضات الإيرانية – الأميركية حول النووي واستتباعاً نفوذ إيران في الساحات المتحكمة بها.
هو يضع نصر الله مجدداً في مواجهة شريكه الشيعي نبيه بري بعدما نزع عنه صفة «الوسيط النزيه والمرغوب به»، وشن حملة على أدائه في «مجلس النواب الذي ليس ملكية خاصة فيها سند، او ماركة مسجلة لصاحبها»، مطالبا بتعديل النظام الداخلي لتحديد المهل وإلغاء كل استنسابية بموضوع طرح القوانين وإقرارها. قطع كل خطوط الرجعة مع بري – وإن كان لا خصومة ثابتة في السياسة – كأنه يقول لـ«الصديق الذي يأمن»: «إن أوان الخروج من الحياد قد حان»! فما الذي سيختاره نصر الله؟ وهل ستضع إطلالته اليوم النقاط على حروف باسيل؟
سيكون على الأمين العام لـ«حزب الله» أن يتعامل مع كلام باسيل وعرضه، وإن عمد إلى تدوير الزوايا. ما يريده راهناً إبقاء قنوات وخطوط التواصل مفتوحة بمعزل عن النتائج التي قد تترتب عنها ولا سيما على صعيد تأليف الحكومة التي سيعيد نصر الله التأكيد على أهمية تأليفها بسرعة بالتوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. وثمة من رأى ان طلب باسيل الاستعانة بنصر الله ما كان ليحصل من دون «تنسيق ما» مع الحزب أو إعلامه بالأمر، لكن ما سيجعل الطلب مستعصياً هو الهجوم الذي شنه على بري والذي سيجد الحزب صعوبة في هضمه لضرورات تتعلق بـ«البيت الشيعي» وضرورات الحفاظ على الوحدة الداخلية صوناً للدور الأبعد استراتيجيا الذي يلعبه الحزب والذي يتطلب بالحد الأدنى حماية ظهره وسط بيئته وطائفته.
في رأي متابعين لحركة التيار البرتقالي، أنه مهما رسم كلام نصر الله من مسارات للمرحلة المقبلة، فإن باسيل سيكون قادراً على توظيفها في معركته، سلباً أو إيجاباً، وعلى تحديد السقف الذي سينطلق منه للتعامل مع المستقبل. وتكبير حجز الأزمة على أنها أزمة نظام ستخرجه رابحاً سواء ذهبت المعادلة نحو تغيير النظام باتجاه نظام فيدرالي او لا مركزية موسعة. وإذا جرى الإبقاء على النظام الحالي، يكون قد عزز أوراقه كجزء أساسي منه وكفريق قوي فيه، ذلك أن ما يرمي إليه راهناً هو اعداد العدة والبرنامج لخوض الانتخابات النيابية كـ«حالة باسيلية» أكثر من كونها حالة عونية. وهو تالياً باق في الحياة السياسية، وبمقدور خطابه المسيحي أن يشد العصب داخل بيئته لنيل كتلة وازنة يكون لها تأثيرها في الاستحقاق الرئاسي حتى ولو بدا كرسي قصر بعبدا بعيداً عنه في اللحظة الراهنة.