من مجرّد حلم إلى مخزون كبير: عندما جاء «الكورنيت» وصَنَع النقلة
الأخبار- يوسف فارس
تُقدّر أوساط مطّلعة أن “الكورنيت” وصل إلى المقاومة الفلسطينية في غزة من خلال الدولة السورية في عام 2011، وقد تسلّم أوّل وحدة منه القيادي في “كتائب القسام” مروان عيسى. بالنسبة إلى وحدة الدروع، فقد قدّم السلاح الروسي الحلّ الأمثل للمساحات الميتة – الخالية من المباني والأشجار الحرجية – التي تعمّد جيش الاحتلال إحاطة الشريط الحدودي للقطاع بها، إذ إن 300 متر من مساحة “البافر زون” في داخل حدود غزة، وآلاف الدونمات المزروعة بالقمح والنباتات ذات العلوّ المنخفض، تحرم المقاومين إمكانية المناورة، والتسلّل لزرع العبوات أو حتى ضرب المدرّعات بالوسائط التقليدية. يقول أبو محمد: “جاء الكورنيت وقدّم الحل للمشكلة، إذ نستطيع بمنتهى الأمان أن نضرب الأهداف المتاحة في عمق يصل إلى خمسة آلاف وخمسمائة متر، وهو ما فعلناه بالضبط في معركة سيف القدس”. وكانت “سرايا القدس” قد تمكّنت، في 11 أيار الماضي، من ضرب جيب عسكري يتبع وحدة المخابرات الإسرائيلية، يستقلّه مسؤول وحدة المعلومات في جيش الاحتلال في قطاع غزة. وقد بثّت “السرايا”، لاحقاً، شريطاً مُصوّراً يُظهر إصابة الجيب بشكل مباشر واشتعال النيران فيه، فيما اعترف الجيش الإسرائيلي بالعملية وزعم أنها تسبّبت في إصابة واحدة.وتتجلّى انعكاسات توافر هذا السلاح لدى المقاومة، وفق ما يرويه جنود وحدة الدروع، في حرمان الجيش الإسرائيلي حرية الحركة في المناطق المتاخمة لغزة. وبحسب وحدة الرصد في “السرايا”، فقد أخلى الجيش محيط الحدود الشرقية للقطاع في الجولة الأخيرة، في عمق تجاوز 8 كيلومترات، وعمد إلى تصفير الأهداف المحمولة حتى في عرض البحر في مدى وصل إلى 7 كيلومترات، لكن “هل القطع البحرية كانت مستهدفة”، نسأل، فيجيب أبو محمد: “كُنّا نبحث عن أيّ هدف متحرّك أو ثابت مأهول، مثل الدشم والتجمّعات في حدود القطاع البرّية والبحرية، حيث نمتلك الأسلحة المناسبة، والتي يمكن أن تكون ناجعة مع كلّ هدف”. لكن هل ثمّة وفرة لدى المقاومة من “الكورنيت”؟ ليس الحديث بلغة الأرقام متاحاً، فبالنسبة إلى أبو محمد، هناك هامش معلوماتي محدود يمكن الإفصاح عنه، إلا أنه يؤكّد: “في حرب العام 2012، كانت الوحدات المتوافرة من الكورنيت لا تتجاوز عدد أصابع اليد، لكن، في خلال هذا الفارق الزمني، وفّرت وحدات الإمداد في المقاومة عدداً كبيراً من هذا السلاح”. “كم العدد؟”، نسأل، فيجيب: “أعداد لا بأس بها في أيدي المقاومين، وكمّيات أخرى مُخزّنة، أستطيع أن أُطمْئن الجميع، قيادة السرايا أعطت الإذن باستهداف كلّ ما هو متاح من الأهداف طوال المعركة، ما هو متوافر كبير”.
«السلاح العشق»
لا يفوت “أبو محمد” أن يُذكّر بالمجهود الكبير الذي بذله محور المقاومة، ولا سيما “الأب الروحي للمجاهدين”، كما يصف الشهيد قاسم سليماني، في إيصال مختلف أنواع السلاح إلى المقاومة في غزة. يقول: “درَسنا معركة وادي الحجير التي خاضتها المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان في حرب الوعد الصادق عام 2006، وكُنّا نعتقد أن وصول الكورنيت سيشكّل علامة فارقة في تخصّص الدروع، وبعد وصوله يشعر المجاهدون جميعهم بالتغيّر النوعي الذي صنعه وجود سلاح بهذا الوزن”. “السلاح العشق”، هكذا يصف أبو محمد الانعكاس النفسي الذي يتركه الحديث عن عملية “كورنيت” في صفوف الشارع أولاً، فضلاً عن المجاهدين. يتدخّل أحدهم: “لمّا نسمع كورنيت يعني الإصابة محقّقة، هامش الخطأ صفر”. لكن سعر المقذوفة المرتفع جداً اضطرّ المقاومة إلى اللجوء إلى أساليب تكنولوجية حديثة للتدريب على استخدامه، إذ ليس من المنطقي أن يتمّ هدر قذيفة يصل سعرها إلى 70 ألف دولار في سبيل التدريب. ومن هنا جاءت فكرة المحاكاة، إذ صَمّمت الوحدات التقنية في المقاومة صالات تكنولوجية تُوفّر البيئة الميدانية ذاتها، ويستطيع الرماة فيها التدرّب على إطلاق “الكورنيت” بشكل تكنولوجي مطابق للحقيقة. ووفقاً للقيادي الميداني في وحدة الدروع، فقد خرّجت صالات “السيمي ليتر” رماة مهرة، قادرين على إصابة أبعد الأهداف في أصعب الزوايا، وبمختلف ظروف الرؤية والمناخ. وبحسب معلومات “الأخبار”، فإن وحدة سلاح “الكورنيت” يتجاوز سعرها 300 ألف دولار، وقد يتضاعف هذا الرقم إذا ما اقترنت عملية الحصول عليه بتوصيله إلى القطاع، فيما لا يقلّ سعر المقذوف الواحد في أفضل الظروف عن 50 ألف دولار.
أسلحة الستينيات فاعلة أيضاً
وعلى رغم الحظوة التي حصل عليها “الكورنيت”، لكنه ليس سوى واحد من ترسانة المقاومة في هذا الاختصاص؛ إذ حصلت المقاومة، في السنوات الأخيرة، على صاروخ “كي 11” الشهير باسم “ماليوتكا”. وعلى رغم أن السلاح الروسي الذي دخل الخدمة عام 1961، وحَقّق نتائج جيدة في حرب الاستنزاف، ثمّ سطع نجمه في عبور خطّ بارليف عام 1973، قد خرج من الخدمة فعلاً في جميع جيوش المنطقة، إلا أن المقاومة استطاعت تطويعه على نحو فعّال في حروب الألفية الثالثة. “هذا هو المتوافر” يقول أبو ماجد، وهو أحد الرماة الذين يجيدون استخدامه. ووفقاً للجندي الشاب، فإن وجود “الماليوتكا” أيضاً مهمّ جداً، إذ إن مداه الفعّال يبدأ من 500 متر إلى 3000، ما يعني أن الدشم والمواقع العسكرية وحتى الجيبات والمدرّعات التي تتحرّك في هذا النطاق، يمكن أن تكون هدفاً ثميناً في أيّ لحظة، فضلاً عن أن وجوده بكمّيات جيدة يخفّف من استنزاف الأسلحة الباهظة الثمن مثل “الكورنيت”. كما يوفّر الـ”ماليوتكا” هامش أمان جيداً، وذلك بفضل وجود فارق بمئات المترات بين القاذف والرامي، إذ من الممكن أن تستهدف المدفعية المكان الذي انطلق منه الصاروخ، ويبقى الرامي بأمان كامل، وهذا ما يتطلّبه بعض الظروف الميدانية التي يكون فيها حضور هذا السلاح فاعلاً أكثر من غيره. غير أن الخصائص البدائية لـ”الماليوتكا” الذي يُعدّ من الجيل الأول للأسلحة المضادّة للدروع الطويلة المدى، تجعل من استخدامه صعباً للغاية، إذ يحتاج الرامي إلى تجربةِ ما لا يقلّ عن 5 آلاف رمية، حتى يحترف استخدامه، الأمر الذي دفع الوحدات التقنية إلى استنساخ أنظمة المحاكاة التي يجري العمل بها في تدريبات “الكورنيت”.