اندريه قصاص -لبنان24
ما يحصل في لبنان لم يحصل مثله في أي بلد من العالم. ما يحصل لم يعد مقبولًا لا شرعًا ولا منطقًا. ما نسمعه كل يوم أمام محطّات الذّل، وما أكثرها، من تذمّر متواصل من قبل جميع المواطنين، إلى أي فئة إنتموا، وفي أي منطقة من “لبنان الكبير”، قد أصبح “خبزنا اليومي”، وقاسمًا مشتركًا بين الجميع. فالهمّ واحد في بيروت وطرابلس وجونيه وبعلبك وعاليه وصور وصيدا والنبطية.
الصوت واحد. المطلب واحد. الصرخة واحدة. والمسؤولون غافلون عمّا يوجع اللبنانيين الذين يتحمّلون أولًا وأخيرًا مسؤولية مجيء هكذا نوعية من المسؤولين إلى سدّة المسؤولية بمستوياتها كافة عندما إنتخبوهم وأنتدبوهم ليمثلوهم في الندوة البرلمانية ولكي يوصلوا صوتهم إلى حيث يجب أن يصل، وهو لم يصل إلى ابعد من صندوقة الإقتراع، الذي ما أن تنتهي الإنتخابات حتى تصبح هذه الصندوقة أشبه بـ”صندوق الفرجة”.
لكثرة المآسي أصبح اللبنانيون يتجنّبون الإتصال بعضهم بالبعض الآخر، وذلك خوفًا من أن يسمعوا خبرًا جديدًا يزيد على همّهم همًّا آخر. فالجميع يشتكون. الجميع يئنون. الجميع مصابون بإحباط ما بعده إحباط. الجميع خائفون من المستقبل وعلى المستقبل. الجميع يفكرّون في الهجرة من الوطن، الذي أقسموا اليمين على ألا يتركوه حتى الرمق الأخير. لكن ما يجري في بلاد الأرز أصبح فوق طاقة الإحتمال، وفوق قدرة القادرين.
بالأمس أقرّت البطاقة التمويلية في اللجان النيابية بصيغتها النهائية، بعد طول أخذ وردّ. وقيل فيها وعنها الكثير. قيل إنها “رشوة” إنتخابية. وقيل أيضًا إنها “إبرة بنج”. وقيل هنا وهناك إنها “طبخة بحص”. ومع كل ما يُقال ثمة حقيقة واحدة، وهي أن إرتفاع أسعار السلع الإستهلاكية “سيأكل” ما تؤّمنه هذه البطاقة لشريحة واسعة من اللبنانيين، الذين اصبحوا تحت خطّ الفقر، حتى ولو كانت تغطيتها بالدولار الأميركي.
ويسأل السائلون: إلى متى سيبقى اللبنانيون خانعين أمام ما يتعرّضون له من إذلال ممنهج ومبرمج؟ وإلى متى سيصبرون على الذين أوصلوهم إلى حافة الكفر بكل شيء؟ إلى متى سيبقى اللبنانيون أسرى إنتماءاتهم الطائفية والحزبية والمناطقية والفئوية”، وإلى متى سيبقون ساكتين على الظلم وعلى الشياطين الخُرَساء؟
كبير من ضيعتي الوادعة، وقد أكل الدهر عليه وشرب، يروي أنه في المجاعة التي شهدها لبنان إبّان الحرب العالمية الأولى، وكان تحت نير الحكم العثماني، كان اللبنانيون يفتشون على حبات الشعير المتساقطة من مخل أحصنة جيش السلطنة العلية، وذلك ليسدوا بها جوعهم الذي لا يرحم.
وفي ذلك الوقت كان الجيش العثماني ينقل مؤونه من تركيا إلى لبنان عبر القطارات، يوم كان في لبنان قطارات قبل أن تختفي من الوجود كوسيلة نقل، ويقوم بحراستها عسكري واحد فقط لا غير.
ويقول هذا الشيخ الجليل: على رغم كل هذا الجوع الذي كان يعانيه الشعب لم نسمع أن مجموعة واحدة من هؤلاء الجائعين قد شنّت غارة واحدة على أحد تلك القطارات وأستولت على القمح المنقول والمحروس من قبل عسكري عثماني واحد.
هل نقول بعد هذه الرواية: فالج لا تعالج، أم أن الإنفجار الكبير قد أصبح على قاب قوسين أو أدنى؟