جاسم عجاقة-الديار
غياب قرار وقف التهريب والإحتكار سيُكلّف اللبنانيين الكثير من مُدّخراتهم
تراجع جائحة كورونا والتعافي الجزئي للنشاط الإقتصادي العالمي، أعاد الطلب على النفط في الأسواق العالمية وهو ما رفع أسعار برميل النفط في الأسواق حيث تخطّت العقود الآجلة على الخام الأميركي في جلسة البارحة الـ 76 دولارا أميركيا للبرميل الواحد. في الواقع العديد من المؤشرات الإقتصادية تُشير إلى بدء تعافي الاقتصاد من أشدّ وباء أصابه – نعني بذلك الإقفال الناتج عن فيروس كورونا والذي أطفأ ماكينات الاقتصاد وجعل العديد من الأشخاص في العالم يُعانون من فقدان مداخيلهم والوقوع في الفقر. وإذا كانت حكومات الدول الغنية قد إستطاعت مُساعدة مواطنيها بمساعدات عينية ومالية، إلا أن العديد من الدول الفقيرة أو التي تُعاني عجزا مُزمنا في موازناتها، لم تستطع تقديم الكثير لشعوبها لعبور هذه الأزمة.
عمليا توقّعات المؤسسات الدولية للنمو الاقتصادي العالمي، مُشجّعة حيث يُتوقّع نسبة نمو 5.8% هذا العام و4.2% في العام المُقبل. وهذه النسب هي نسب أكثر من مقبولة نظرًا إلى حجم الضرر الذي خلفه الإقفال الذي قامت به العديد من الدول في العالم. فمثلاً، إذا ما أخذنا مثال النقل الجوّي، عاد حجم الأعمال إلى نصف ما كان عليه في العام 2019 أي قبل الجائحة وهو أمر مُشجّع وسينسحب على القطاع السياحي وهو مكوّن أساسي في إقتصاديات العديد من الدول.
الأن وقد بدأ التلقيح ضد هذه الجائحة وقد إستطاعت دول (مثل الإمارات العربية المُتحدة) تلقيح نسبة كبيرة من شعبها، لا تزال الدول ذات الدخل المُنخفض والدول النامية تُجاهد للحصول على اللقاح.
ويقول المُختصون في المجال الصحي إن المناعة الجماعية قد تحقّقت جزئيًا (بسبب عدد الإصابات الكبير في العالم)، وهو ما أدّى لاحقًا إلى إنخفاض عدد الإصابات ومعه عدد الوفيات. من جهة أخرى، بعض الخبراء يُرجّحون سبب إنخفاض أعداد الإصابات إلى الدورة الموسمية للفيروس. على كل الأحوال وبغضّ النظر عن سبب إنخفاض أعداد الإصابات والوفيات، هناك حقيقة (مُقلقة) بدأت بالظهور من الهند وهي المُتحور «دلتا» والذي أظهر شراسة أكبر من المتحوّرات الأخرى في التفشّي والضرر على المصابين. وإذا كان بعض مُنتجي اللِقاحات قد رجّح أن بعضها فعّال ضد هذا المُتحوّر، إلا أنه لا يوجد حتى الساعة مُعطيات ميدانية تؤكّد هذا الأمر خصوصًا أن هذا المُتحوّر بدأ بالتفشّي وهو ما أخّر رفع الإجراءات الإحترازية في بريطانيا إلى ما بعد شهر تموّز، تاريخ مُتوقّع لوصول الفيروس إلى المملكة المُتحدة. هذا الفيروس، الذي بدأ بالتفشي في بعض الدول البعيدة عن مصدره (الأردن مثلاً)، يُعيد إلى الأذهان فترات الإقفال الكاملة في الدول والتي تُهدّد الإقتصاد نظرًا إلى أن: (1) لا تأكيد فعليا على فعالية اللِقاحات ضدّ المُتحور الجديد، و(2) قسم كبير من الدول لم يستطع الحصول على كمية كافية من اللٍقاح، و(3) هذا المُتحوّر أنتج متُحورا أخر أكثر خطورة سُمّي بالـ «دلتا بلاس».
إذا نرى أن النمو الاقتصادي التدرجي الذي بدأت تُسجّله الإقتصادات العالمية، لا يزال عرضة لتهديدات فيروس كورونا ومتحوّراته التي لا تزال تظهر بشكل غير مُرتقب. وهذا الأمر يُقلق صندوق النقد الدولي ولكن أيضًا العديد من المؤسسات ومراكز الأبحاث الإقتصادية حول العالم.
كورونا والطلب على النفط
إذًا ومما تقدّم نرى أن تفشي الفيروس يعني بكل بساطة إقفالا للماكينة الإقتصادية وبالتالي إنخفاض الطلب على النفط، في حين أن إختفاء الفيروس يعني عودة النشاط الاقتصادي وزيادة الطلب على النفط. بمعنى أخر، إذا إستطاعت الحكومات السيطرة على الفيروس، ستكون عودة الاقتصاد سريعة وسيرتفع الطلب على النفط إلى مستويات عالية سيرتفع معها سعر برميل النفط إلى أكثر من 90 دولارا أميركيا في نهاية هذا العام بحسب المُحاكاة الإحصائية التي قمّنا بها والتي تُظهر أن ديناميكية الإرتفاع سريعة جدًا وهو ما يعرفه اللاعبون في الأسواق المالية. من هنا نرى أن الإرتفاع في الأسعار قد يكون سريعا جدا.
إلا أنه في مقابل هذه الديناميكية التصاعدية، هناك عدد من المعوقات التي قد تؤدّي إلى كسر هذا المنحنى التصاعدي أو على الأقل التخفيف من حدّة الإرتفاع:
أولا – الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني والذي إذا ما حصل سيفتح الباب أمام دخول النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية ولو بكميات صغيرة ستسمح بكبح سرعة ارتفاع الأسعار على المدى المُتوسّط إلى البعيد؛
ثانيًا – إحتمال تفشي وباء كورونا من جديد وخصوصا المتحوّر «دلتا» و»دلتا بلاس» اللذان يُشكلان تهديدا جديا للإقتصاد العالمي من باب إقفاله من جديد، وهو أمر إن حصل سيُعيد أسعار النفط إلى مستويات تقلّ على الـ 40 دولارا أميركيا (أنظر إلى الرسم) خصوصًا إذا ما كان فترة الإقفال طويلة وعجزت اللِقاحات عن تقديم مناعة ضدّ الفيروس. هذا المستوى – أي 40 دولارا أميركيا للبرميل الواحد – والذي إستحصلنا عليه من المُحاكاة التي قمّنا بها، يعتمد على فرضية أساسية وهي عودة الفيروس في أوائل خريف هذا العام! عمليًا الطلب على النفط لن يموت، بل سيستمر ولو بقيمة أقل نظرًا إلى الحاجة إلى النفط في أمور عديدة وهو ما سينعكس بإرتفاع بسيط في المرحلة التي تلي الهبوط.
سعر البنزين في لبنان
سعر صفيحة البنزين والذي إرتفع إلى 45 ألف ليرة في الأسبوع الماضي، لن يتأخر في الصعود خصوصًا أن التجّار سيعكسون ارتفاع أسعار النفط العالمية بشكلٍ شبه فوري في الأسعار المحلّية. أيضًا ونظرًا إلى تراجع كمّية الدولارات الموجودة في مصرف لبنان وإستمرار عملية التهريب والإحتكار بشكل غير مسبوق، من المتوقّع أن يتراجع الدعم على البنزين من 1500 إلى 3900 ليرة للدولار الواحد وهو ما سيرفع سعر الصفيحة في الأيام والأسابيع المُقبلة إلى أكثر من 70 ألف ليرة وذلك خلال فترة شهرين كحدّ أقصى على أن يتم رفع الدعم كليًا في المرحلة التي تلي مما سيرفع سعر الصفيحة إلى أكثر من 180 ألف ليرة لبنانية. لكن هذه الأرقام – أي أسعار صفيحة البنزين – تبقى رهينة عامل أخر وهو أسعار النفط العالمية. وبالتالي إذا إستمر ارتفاع سعر برميل النفط عالميًا إلى مستويات تُقارب الـ 100 دولار أميركي، من المتوقّع أن يعكس التجار هذا الإرتفاع في الأسعار المحلية بشكل مزدوج: أولاً من خلال فارق إرتفاع سعر برميل النفط عالميًا وثانيًا من خلال فارق سعر صرف الدولار الذي يتداوله التجّار على أسعار تفوق بأشواط أسعار السوق السوداء (سوق التهريب).
في الواقع، لا نستغرب الوضع الذي وصلنا إليه على صعيد البنزين خصوصًا أن السلطة التنفيذية لم تستطع وقف التهريب وهو ما إنعكس رفعا للدعم، كما لم تستطع هذه السلطة أن تقوم بعملية تقييم لأسعار النفط المُستقبلية وشراء النفط بعقود آجلة، بل إعتمدت على التجار الذين حتى لو إشتروا النفط بعقود آجلة، فإنهم يبيعونه للدولة اللبنانية بسعر الـ Spot مُستفيدين بذلك بربح إضافي وهو الفارق بين الـ Forward والـ Spot.
كل هذا الإرتفاع إذا ما صحّت السيناريوهات المطروحة أعلاه، سيؤدّي إلى إستنزاف مُدّخرات المواطن اللبناني وسيجعل الأسعار من حوله ترتفع إلى مستويات عالية لن يتمكن معها المواطن من عبور هذه المرحلة القاسية من دون مساعدة خارجية، سواء كانت غذائية أو مالية.