الانهيار والفوضى خلال شهر: السلة الغذائيّة والمحروقات والدواء إلى السوق السوداء / قرصنة قرض البنك الدوليّ للنقل العام بـ 300 مليون دولار… بدل تفعيله! / إطلالة السيد نصرالله غداً تحريك للمساعي الحكوميّة أم لبدء استيراد البنزين؟ /
كتب المحرّر السياسيّ-البناء
قالت مصادر على صلة بالملف الحكومي إن لا جدوى من كل محاولات استنهاض أشكال لمواجهة المخاطر المقبلة، وقد باتت داهمة، من دون التسريع بوجود حكومة، فحكومات تصريف الأعمال خلقت سوابق مهّدت للوزراء في كل حكومة مستقيلة للتصرف كأن مهمتهم قد انتهت، ووفقاً للنائب السابق وليد جنبلاط الذي ناشد الحكومة وضع اليد على مسؤوليّاتها، ليس هناك من وزراء يهتمون لشؤون وزاراتهم غير وزير الصحة ووزيرة الدفاع. وتعكس المصادر صورة الوضع المقبل من خلال مشهد الغلاء الفاحش وسيطرة السوق السوداء على السلع الأساسيّة بعد توقف الدعم عملياً. فالسلة الغذائية من دون دعم بالمطلق منذ شهر على الأقل، والأدوية غير موجودة، والمحروقات كما يقول المعنيون في نقابات المستوردين والموزعين مفقودة، والسوق السوداء هي سيدة الموقف، وسعر الصرف سيسجل عند أول عمليات استيراد من خارج دولارات مصرف لبنان قفزات جنونيّة تزيد الأمور سوءاً.
تقول المصادر إن البحث بترشيد الدعم واعتماد البطاقة التمويليّة يسير بطيئاً، ولا تبدو مناقشاته على أبواب تحقيق إنجاز، فالخلافات السياسيّة وما رافقها من تشنّجات عالية تحضر في مناقشات اللجان النيابية، سواء لسبل ترشيد الدعم أو للبطاقة التمويلية وسبل تمويلها. واستغربت المصادر كيف لم تقم القيامة من دون أن تقعد مع ظهور محاولات لقرصنة قرض البنك الدولي المخصص للنقل العام والبالغ 300 مليون دولار تحت شعار تأمين تمويل البطاقة التمويلية، متسائلة عن توقيت أشد تعبيراً عن الحاجة لمثل هذا القرض وللنقل العام مما يعانيه لبنان اليوم؟
في الملف الحكومي تنحصر الاتصالات بما يدور على جبهة التيار الوطني الحر وحزب الله وسط تكتّم شديد من الجانبين، بعدما دعا رئيس التيار النائب جبران باسيل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لقول الكلمة الفصل في الخلاف على المسار الحكوميّ، بينما أكدت مصادر حزب الله التمسك بمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري كأساس لحلحلة الأزمة الحكوميّة وشدّد قادته على الحاجة لتنازلات متبادلة من الفريقين المعنيين بتشكيل الحكومة، وهما رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، وجاءت الاتصالات بين قيادات الحزب والتيار لتحديد ماهية المداخلة التي يمكن للحزب القيام بها من دون الوقوف في موقع المنافسة مع مبادرة الرئيس بري، وهو ما يرفضه الحزب كلياً. وتعتقد مصادر متابعة للملف الحكومي أن الحزب يسعى للحصول من التيار على موافقة على صيغة معقولة لتشكيل الحكومة تنطبق على معايير مبادرة بري، لجهة تأكيد عدم الرغبة بامتلاك الثلث المعطل، وتطابق ما ورد في كلام باسيل لجهة عدم الممانعة بتشارك رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في تسمية الوزيرين المسيحيين موضع الخلاف، على أن تتم صياغة مخارج لمنح الثقة للحكومة تخدم مبدأ توفير ضمانات لعدم الاصطدام داخل الحكومة حول قضايا رئيسية، وتتيح للتيار منح الثقة ربطاً بالتزامات الحكومة بعناوين مثل التدقيق الجنائي أو سواه من العناوين التي رفعها التيار الى مستوى المبادئ.
الإطلالة التي أعلن عنها حزب الله للأمين العام السيد حسن نصرالله، من دون ربطها بمناسبة كما العادة وحصرها بالتحدّث عن الأوضاع المحليّة، فتحت باب التكهنات حول ما سيقوله السيد نصرالله، واضعة الأمور بين فرضيتين، الأولى أن تكون الاتصالات قد بلغت مرحلة متقدّمة من البحث في تحقيق إنجاز في المسار الحكومي، يقدّمه السيد نصرالله، سواء لفتح الباب أمام التيار الوطني الحر للتجاوب علناً، بتغطيته أمام جمهوره بالتزام علني من الحزب، أو لجهة القول للرئيس المكلف بأن ما يطال النقاط التي سيتناولها السيد في كلامه ليست موقف التيار وحدَه، ما يستدعي التعامل معها خارج السجال السياسي والطائفي الذي حكم المرحلة السابقة بالمناكفات، وذلك بعدما تكون الاتصالات مع الطرفين قد بلغت درجة تتيح تظهير مرحلة جديدة يتولاها رئيس المجلس ليتم تتويجها بلقاءات في قصر بعبدا، سواء بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، أو بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، أما الفرضية الثانية فهي أن تكون الأمور في الشأن الحكومي أمام طريق مسدود، وبالتالي لا بدّ من مواجهة المخاطر وتحمل المسؤوليات كما سبق وقال السيد نصرالله عما يمكن ويجب فعله في هذه الحالة، عندما أعلن أن حزب الله لن يتردد في استيراد المحروقات من إيران بالليرة اللبنانية وتأمينها للأسواق.
فيما يواصل حزب الله مساعيه لرأب الصدع وترطيب الأجواء على جبهة بعبدا – بيت الوسط لإعادة إحياء مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعدما تعثرت نتيجة انفجار السجال بين الرئاستين الأولى والثانية، يبدو أن مختلف القوى السياسية قد سلمت بأن لا حكومة في المدى المنظور وأن أولوياتها باتت استحضار أدوات التحضير للانتخابات النيابية من خلال إعادة شحذ القواعد الحزبية والجماهيرية والشوارع الطائفية والبحث عن رشى مالية انتخابية كإقرار البطاقة التمويلية ودفع جزء من حقوق المودعين في المصارف. في المقابل بدأت الأزمات تأكل المواطنين الذين تُرِكوا لمصيرهم المأساوي على كافة الصعد وسط استمرار طوابير السيارات أمام محطات المحروقات التي ستنفد خلال أيام معدودة بحسب المعنيين بهذا الملف فضلاً عن موجة غلاء جنونية للمواد الغذائية والسلع الأساسية التي عمد مصرف لبنان إلى رفع الدعم عنها من دون أي مسوّغ أو تشريع قانوني وقبل إقرار البطاقة التمويلية لحماية الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً بالتوازي مع ارتفاع إضافي بسعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وبحسب مصادر حكوميّة لـ«البناء» فإن «حكومة تصريف الأعمال والوزراء المعنيين بالأزمات باتوا عاجزين عن حماية المواطنين في ظل تخاذل القوى السياسية كافة عن تأليف حكومة جديدة وحماية التجار ومافيات وكارتيلات السلع المختلفة لا سيما المحروقات والأدوية والمواد الغذائية الأساسية كالحليب ومشتقاته والخبز فضلاً عن تلكؤ الأجهزة القضائيّة والرقابيّة عن أداء دورها ومسؤولياتها في ردع المحتكرين والمهرّبين وجشع التجار الذي لا يرحم»، وتوقع أكثر من وزير لـ«البناء» تفاقم الأزمات أكثر خلال الأسابيع المقبلة لا سيما أزمة السلع الحيوية كالكهرباء والمحروقات، الأمر الذي ينعكس سلباً على حياة وحركة المواطنين المعيشية اليومية وعلى الدورة الاقتصاديّة برمّتها، الأمر الذي سيخلق فوضى اجتماعيّة عارمة وتوترات وأحداثاً أمنيّة بسبب الجوع ونقص المواد واختفائها من الأسواق».
وانعكست أزمة المحروقات على المولدات الخاصة التي أطفأت في مناطق عدة لا سيما في مدينة صيدا وضواحيها بسبب عدم توافر مادة المازوت ما خلق حالة غضب شعبي عارم في الشارع. وتوقفت مولدات وزارة الخارجية عن العمل بعد فقدان المازوت ما تسبب بوقف معاملات المواطنين.
وحذّر رئيس «تجمّع أصحاب المولدات في لبنان» عبدو سعاده في بيان، أن «الوضع وصل إلى نقطة الصفر والحدود الحمراء، إذ بدأت المولدات تنطفئ، بعد فراغ خزاناتها من المازوت، الذي بات مفقوداً ولا سبيل لنا لتأمينه»، ودعا وسائل الإعلام والجهات المعنية إلى «الكشف على خزانات المولدات في كل المناطق اللبنانيّة للتأكد من خلوّها من مادة المازوت»، وشدّد على أن «هذا الوضع الخطير يرخي بظلاله على كل المستويات، لا سيما أن تداعياته وتأثيراته السلبية على المواطنين خطيرة، وقد تكون في بعض الأحيان مميتة، عندما يتوقف جهاز التنفس المخصّص للمرضى».
كما انعكست أزمة الكهرباء على خدمة الإنترنت بسبب التقنين القاسي الذي تشهده الإدارات والمؤسسات الرسميّة، وسط معلومات تتحدّث عن توجه لرفع أسعار بطاقات تشريج الخطوط الخليويّة، إلا أن مكتب وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال طلال حواط، أعلن في بيان، ان «الأسعار الرسمية لبطاقات إعادة التعبئة بكل فئاتها «التشريج» لا تزال على حالها، ولا يوجد أي رؤية لتعديل أسعارها حالياً».
بدوره، أشار رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي الى ان «المواد التي أصبحت حكماً خارج الدعم هي كل ما تضمنته مواد السلة الغذائية، التي توفيت سريرياً الى أن تعلن وفاتها رسمياً». وأضاف في حديث إذاعي «لا موافقة من قبل وزارة الاقتصاد على أي ملف جديد يحتوي بضاعة جديدة، وذلك بسبب عدم توفر الأموال لدى مصرف لبنان». كما أصدرت نقابة مستوردي المواد الغذائية برئاسة بحصلي بياناً طالبت فيه مصرف لبنان بدفع المبالغ المستحقة لمستوردي المواد الغذائية والعائدة لملفات الدعم المنفّذة منذ أشهر عدة والمقدّرة بنحو 75 مليون دولار. وأشارت النقابة الى «أنّ آلية دعم السلة الغذائية اليوم في موت سريريّ، فهي موجودة على الورق بحيث لم يتم وقف مفاعيل قرار وزارة الاقتصاد رقم 87 المعني بموضوع الدعم، إنمّا عملياً وعلى أرض الواقع الدعم متوقّف نتيجة عدم فتح مصرف لبنان الاعتمادات اللازمة».
في غضون ذلك، بقي مشروع البطاقة التمويليّة يدور في دوامة مفرغة بين المجلس النيابي والحكومة ومصرف لبنان في ظل خلاف بين هؤلاء على آلية البطاقة ومصادر تمويلها.
وأمس، عقدت اللجان المشتركة في المجلس النيابي جلسة برئاسة نائب رئيس المجلس ايلي فرزلي، وحضور الوزراء المعنيين، وقال الفرزلي بعد الجلسة: «كان النقاش حول موضوع مصادر التمويل ومنصة البيانات وحول القانون الذي سيرعى هذا الموضوع. هذا هو موضوع النقاش الدائر، وسيستكمل النقاش اليوم أو الأسبوع المقبل». وبحسب معلومات «البناء» فإن كل طرف يحاول التنصل من مسؤولية رفع الدعم الذي أصبح واقعاً في ظل العجز عن تأمين تمويل كافٍ للبطاقة التمويلية بالصيغة التي تطرحها الحكومة. وتظهّر هذا الخلاف بقول الفرزلي «مجلس النواب ليس بصدد النقاش حول رفع الدعم، او ان يكون رأس حربة رفع الدعم. لكن هناك أزمة حقيقية في البلد تحتاج الى بطاقة تمويلية. وهذا هو موضوع النقاش، والمجلس يحاول أن يساعد في السبل التي تؤدي الى اقرار هذه البطاقة التمويلية كمصادر دعم وكمنصة بيانات».
من جهته، أكّد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في تصريح تلفزيوني، بعد انتهاء الجلسة أنّ «إقرار البطاقة التمويلية يوقف الهدر الحاصل في الدعم، على أن تتمّ فقط مساعدة الناس المحتاجة». وعمّا إذا كان اقتراح القانون الّذي تقدّم به حول تأمين البطاقة التمويلية وتمويلها، يتضمّن إعطاء الشخص الّذي معه 1000 دولار في حسابه، 100 دولار من حسابه لتمويل البطاقة، نفى باسيل هذا الأمر.
وانعكس هذا المناخ الخلافي على اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة دراسة وإعداد مشروع البطاقة التمويلية، حيث عقدت جلسة أمس، برئاسة الرئيس حسان دياب في السراي الحكوميّ غاب عنها وزير المال غازي وزني، إلا أنها لم تصل الى توافق حول مشروع موعد وعلمت «البناء» أن الخلاف والتشنج بين أعضاء اللجنة كان سيد الموقف، حيث بدا التخبط والضياع واضحين وتم تأجيل النقاش بسبب عدم التوافق على مشروع موحد».
وكان المكتب الإعلامي في رئاسة الحكومة أصدر بياناً شديد اللهجة استهدف مختلف القوى السياسية قال فيه: «لقد قامت هذه الحكومة بواجباتها كاملة قبل استقالتها، ووضعت الخطط العلميّة التي عرقلتها الحسابات والمصالح، على الرغم من تأكيد الجهات المالية الدولية أهميتها وموضوعيتها وصوابيتها، وكان يمكن لها أن تضع لبنان على سكة الإنقاذ. كما أن هذه الحكومة تواصل عملها بجهد وهي في حالة تصريف الأعمال التي يفترض المنطق أن لا يستمر تصريف الأعمال ما يقارب 11 شهراً». وتابع «كنا نتمنى على المتشدّقين المنظرين أن يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية، لكن الطبع يغلب التطبّع في الممارسة السياسية التي ما تزال أفكار الماضي تتحكم بها». وأكد البيان «ان الحكومة، قبل وبعد الاستقالة، تلملم الركام الذي تركته السياسات المالية التي شاركتم فيها لسنوات طويلة، ولا يشفع لكم أنكم تحاولون التبرؤ منها بعد أن كنتم جزءاً منها». وختم «المحاسبة يجب أن تكون على الذين شاركوا في التسبّب بهذا الانهيار المالي، واللبنانيون لن يمنحوكم صك براءة من هدم الحجر والبشر سابقاً ثم هدم الاقتصاد ولقمة العيش اليوم».
على الصعيد الحكوميّ، تحدثت المعلومات عن لقاء عقد بين باسيل ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا مساء الثلاثاء لم يتم الإعلان عنه.
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إنه «وخلال التواصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر خلال اليومين الماضيين جرى طرح جملة أفكار واقتراحات حول تسمية الوزيرين المسيحيين ومنح تكتل لبنان القوي الثقة للحكومة، والتواصل سيستمر، ولكن حتى الآن لم يجرِ التوصل الى نتيجة».
وأوضحت مصادر إعلامية أن «اللقاء بين باسيل وصفا عقد مساء الأحد أي بعد مؤتمر باسيل، وقد جرى عرض كيفية حلّ الأزمة الحكومية، وعُلم أنّ باسيل ما زال متمسّكاً بموقفه لجهة صيغة «8- 8- 8» وتسمية الوزيرين المسيحيين. ولفتت الى أنه «من المفترض أن تتواصل اللقاءات بين باسيل وصفا لإيجاد مخرج قبل أيّ خطاب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مع تردّد معلومات عن خطوة سيقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون، وإمكانية أن تكون هذه الخطوة حول طرح آلية لسحب التكليف من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري».
ويتحدث السيد نصر الله في التطورات السياسية المحلية عند الساعة الخامسة والنصف من عصر غدٍ الجمعة.
على صعيد آخر، أشارت معلومات خاصة لقناة «OTV» الى أن «اجتماعاً عقد أمس عبر خدمة الـconference call، بين شركة «ألفاريز آند مارسال» ووزارة المالية ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، لبحث تفاصيل تقنية ومالية تتعلق بملاحظات أبدتها هيئة التشريع والاستشارات»، ولفتت إلى أن «المحور الأساسي الذي تم بحثه كان إشكالية دفع الدولة اللبنانية كامل عقد الشركة الذي يبلغ حوالي 2 مليون و750 ألف دولار بدل أتعاب ومصاريف عند التوقيع»، واكدت ان «البحث كان في إمكانية تقسيط المبلغ على ثلاث دفعات».
واوضحت أن «جو الاجتماع كان ايجابيًا على ان تعطي الشركة جوابها النهائي بهذا الخصوص بعد أيام، ليصار بعدها الى بت الأمور التقنية التفصيلية الاخرى، التي لن تكون عائقًا أبدًا امام التوقيع»، مبينة أن «لبنان يسير نحو الاتفاق مع ألفاريز وفق ملاحظات هيئة التشريع والاستشارات مع الأخذ بعين الاعتبار مسائل عدة».