ٍَالرئيسية

مصرف لبنان يرفض تأمين كلفة صيانة معامل الكهرباء: العتَمة بسبب 5 ملايين دولار!

(هيثم الموسوي)
الأخبار- إيلي الفرزلي

العتَمة شبه كاملة. 650 ميغاوط تنتج يومياً غير كافية لتأمين التيار الكهربائي لأكثر من ثلاث ساعات يومياً. لكن المشكلة هذه المرة ليست بالفيول. معملا الجية والزوق الجديدان أُطفئا، لعدم توفّر ثمن الزيوت التي تحتاج إليها المولدات. الكلفة لا تزيد على خمسة ملايين دولار، لكن مصرف لبنان يرفض دفعها!

 

طالما أن المشكلة مرتبطة بشح وتقنين الدولارات من قبل مصرف لبنان، فإنه عبثاً يُحكى عن استقرار التغذية بالتيار الكهربائي. كل فترة لا بد أن تنبت مشكلة جديدة تساهم في تخفيض معدلات الإنتاج المنخفضة أصلاً. لكن إذا كانت كهرباء لبنان قادرة على إنتاج 1800 ميغاواط من أصل نحو 3200 ميغاواط يحتاج إليها، فإن هذا المعدل صار صعب المنال. لا أحد في المؤسسة، في الظروف الحالية، يتجرأ على توقّع الوصول إلى 1200 ميغاواط. الأسباب عديدة، لكن أبرزها يتعلق بالنقص الدائم في إمدادات الفيول. هذا يُضيّق هوامش المخاطرة أمام المؤسسة. فهي لا تملك ترف استعمال المخزون الموجود وفق القدرة الإنتاجية القصوى، خوفاً من أن لا تتمكن، بسبب أي عقبة غير متوقعة، في إمداد المعامل بالفيول. عادة هذه العراقيل تكون على شاكلة نوعية الفيول لم تكن مطابقة، أو الشحنة تأخرت في الوصول بسبب حالة الطقس أو تأخر إجراءات الشحن والتفريغ… لكن منذ أكثر من سنة، صار أهم عامل يؤخر وصول الفيول هو تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات. أخيراً، وصل الأمر إلى حد التوقف تماماً عن فتح الاعتمادات إلى حين صدور قرار استثنائي موقّع من رئيسَي الجمهورية والحكومة والوزراء المختصين، يتعلق بالاقتراض من المصرف المركزي بالعملات الأجنبية (7 حزيران الحالي).
منذ ذلك الحين، وإلى أن تنتهي سلفة الـ 300 مليار ليرة التي أقرّها المجلس النيابي، فإن مشكلة الفيول أو وضع الاتفاق مع العراق قيد التنفيذ، تكون قد حلّت. لكن في المقابل، لم يؤدّ ذلك إلى حلّ أزمة الإنتاج، وبالتالي تحسين التغذية. ببساطة لأن حاجة الكهرباء للدولارات لا تقتصر على تأمين الفيول. قطع الغيار والزيوت والصيانة والمعدات، كلها تُشترى بالدولار. في شباط الماضي، أثيرت مسألة حاجة الكهرباء، بمختلف قطاعاتها إلى الدولارات. اجتماعات عديدة عقدت بين وزارة الطاقة ومصرف لبنان، تضمّنت طلب المصرف من الوزارة تحديد حاجته. وبنتيجة الدراسة التي أعدّتها كهرباء لبنان، تبيّن أن الشركات المشغّلة للمعامل وشركات التوزيع تحتاج إلى ما يقارب 300 مليون دولار خلال 2021. حينها لم يكتف «المركزي» بعدم دفع الأموال المطلوبة، بل رفض وضع ميزانية تناسبه، تحدّد كهرباء لبنان أولوياتها على أساسها. وحتى الآلية التي اتبعت مرات عدة في عام 2020، أي دفع المصرف الأموال مباشرة إلى المورّدين الخارجيين توقفت. بقي القطاع عملياً منذ شباط حتى اليوم يعمل بدون صيانة وبدون أي قطع غيار، علماً بأنه في ذلك الحين، برزت إشكالية تتعلق بانتهاء عقد شركة «برايم ساوث» المشغّلة لمعملَي دير عمار والزهراني، ورفض الأخيرة تجديد العقد بدون ضمانات بقبض مستحقاتها، وبدون ضمانات بتأمين كلفة الصيانة بالدولار. لكن على الطريقة اللبنانية، حلّت المشكلة وطلب من الشركة الاستمرار مع وعد بمتابعة طلباتها.

كلفة صيانة المعامل لا تزيد على ثلث ثمن شحنة مازوت

منذ أن صار المصرف المركزي يقرر من يحصل على الدولارات ومن لا يحصل عليها، ووزارة الطاقة تسعى إلى إقناعه بأن تأمين حاجة القطاع للدولارات يوازي أهمية الحصول على المواد والسلع الأساسية. أضف إلى ذلك أن حرمان القطاع من العملة الأجنبية لن يكون مفيداً حتى لمصرف لبنان. فانقطاع التيار لساعات طويلة سيُعوّض من المولّدات الخاصة التي تحصل على المازوت المدعوم، ما يعني دفع مبالغ أكبر من تلك التي تم توفيرها.
إذا كان الخطر يُلاحق معملَي دير عمار والزهراني مهدداً بإطفاء المحركات، فإن الإطفاء طال فعلياً معملَي الزوق والجية الجديدين. شركة MEP المشغّلة للمعملين اضطرت إلى إطفائهما، بسبب عدم قدرتها على صيانتهما وتأمين الزيوت وبعض الفلاتر الضرورية للحفاظ عليهما. تؤكد مصادر مطلعة أن المبلغ المطلوب لا يتعدى 5 ملايين دولار، وهو كاف لتشغيل المعملين لنحو ثلاثة أشهر، لكن بحسب المعلومات فإن وزارة الطاقة التي تتواصل مع مصرف لبنان في هذا الصدد، لم تلق أي إجابة بعد، لتكون النتيجة الوحيدة ما يعيشه الناس من عتمة متزايدة، تضاف إلى كل الإذلال الذي يرافقهم في يومياتهم. فالتقنين وصل إلى عشرين ساعة في اليوم، وهذا أدى تلقائياً إلى تقنين في المولدات، غير القادرة على تعويض ساعات القطع الطويلة. فما يُنتج حالياً لا يزيد على 650 ميغاواط، وفي حال تأمين الخمسة ملايين دولار، سيرتفع الإنتاج إلى 900 ميغاواط، بما يزيد التغذية بمعدل 3 ساعات يومياً، علماً بأن رفع المبلغ إلى 10 ملايين دولار، يمكن أن يضمن تأمين الصيانة الروتينية للمعملين لنحو عام. ولمعرفة تأثير هذا المبلغ، تكفي الإشارة إلى أنه لا يتخطى ثلث ثمن باخرة مازوت. الحسبة نفسها يكررها المعنيون أمام مصرف لبنان: لو دفعت هذه الملايين العشرة أو غيرها من حاجة قطاع الكهرباء بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج، سيقابله حكماً وفر في الأموال المخصصة لشراء المازوت للمولدات، حيث كلفة إنتاج الكيلوواط أعلى بكثير من كلفة الإنتاج عبر معامل الكهرباء. لكن أحداً لا يسمع، وسط تزايد التحليلات عن أسباب سياسية وأخرى مصلحية، تجعل مصرف لبنان يميل إلى خنق كهرباء لبنان، مقابل فتح خزائنه لاستيراد المازوت. لكن حتى ذلك لم يعد مضموناًَ، بعدما حذّر أصحاب المولدات من فقدان مادة المازوت من الأسواق، ما بدأ يتسبب بتوقف المولدات عن العمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى