كتبت صحيفة “النهار” تقول: قد يكون من المؤشرات المتقدمة جداً حول تسارع العد العكسي لاقتراب لبنان من مرحلة انهيارية بالغة الخطورة، والتي باتت تسمى وفق المصطلح الواسع النطاق بالارتطام، بروز ظاهرة لافتة في الأيام الأخيرة تمثلت في كثافة تركيز الاعلام الغربي ولا سيما منه الأميركي على الازمات السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان وما تنذر به من كوارث. يحصل ذلك وسط تصاعد مخيف في وتيرتين كأنهما في سباق جهنمي بكل ما للكلمة من معنى حقيقي وليس رمزياً”.
وتيرة القصور الرسمي والسياسي الآخذ في الانكشاف حيال طبقة كرست نفسها فعلاً انها الأسوأ اطلاقاً في تاريخ تعاقب العهود والسلطات والطبقات السياسية في لبنان لاستسلامها او لتسببها او لعجزها او لتبعيتها او لتحكيم مصالحها وأهدافها وسط أخطر مصير يواجهه لبنان. ووتيرة تلاحق مذهل يومي لشتى الازمات المعيشية والخدماتية والمالية والاجتماعية التي تبدو كأنها تفلتت تماماً من أي سيطرة او تحكم على الحد الأدنى من تداعياتها وبدأت تدفع لبنان نحو الإنزلاق الى الانهيار الشامل. ولعله لم يكن أدل على الاستخفاف بخطورة تعطيل أي جهد انقاذي لاخراج لبنان من هذا النفق القاتم المظلم سوى اللهو مجددا بأحاديث “الحوار الثنائي” بين الحليفين الركنين لتفاهم مار مخايل بعدما عقد الاجتماع الأول بين جبران باسيل ووفيق صفا ليل الثلثاء الماضي إيذانا ببدء الحوار التجريبي حول نداء باسيل للحزب وسيده لتحكيمه في ملف النزاع الحكومي.
واما مفاعيل اليأس الخارجي من الطبقة الحاكمة، فبرزت مع ما نقل عن اوساط فرنسية في قصر الاليزيه امس من ان ملف لبنان ليس مطروحاً في قمة الاتحاد الاوروبي التي تعقد اليوم وغدا خلافا لانطباعات ومعطيات سادت غداة زيارة الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزف بوريل لبيروت. ومع ان هذه المعطيات تحدثت عن امكان طرح بعض القضايا المتصلة بلبنان خلال مأدبة العشاء التي تقام للرؤساء المشاركين تبين ان البند الوحيد المتصل بلبنان المطروح على جدول اعمال القمة يتعلق بالمساعدات الاوروبية التي ستقدم لـ “المهاجرين- السوريين” بقيمة 5 مليارات دولار موزعة كالآتي: 2,3 مليار دولار لتركيا و2,7 للبنان والاردن وسوريا.
حوار الحليفين
اما على الصعيد السياسي الداخلي، فلم يطرأ أي جديد حول الازمة الحكومية فيما تحدثت معلومات عن لقاء اخر سيعقد (او ربما يعقد سراً) بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ومسؤول الارتباط في “حزب الله” وفيق صفا لاستكمال البحث الذي بدأ بينهما حول مناشدة باسيل للسيد حسن نصرالله التوسط في الازمة الحكومية. ووفق المعلومات الاولية التي توافرت لـ”النهار” فان الحزب كان بعث بعد اقل من 36 ساعة من “نداء” باسيل بالرسل الى الأخير بغية التنسيق. وفسر الامر بانه بهذه التلبية العاجلة للنداء يكون الحزب قد اسقط عن نفسه شبهة الوقوع في الحرج والارتباك من جهة، ودحض عن نفسه تهمة عدم فتح بابه لباسيل من جهة اخرى. وتحدثت المعلومات عن ان الحزب ينطلق في مسعاه من اعتبارين:
البناء على التقدم الذي تحقق في اللقاءات الثلاثة السابقة بين الخليلين وباسيل وصفا ، والمواءمة بين مسعاه وبين مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري ولكنه ليس في وارد ان يطلق أي توقعات من قبيل تحديد مهل زمنية ومن باب الوعد بان الانفراج حتمي. ولخصت المعلومات موقفه بانه ليس في وارد ترك باسيل وحيداً، لكنه حذر جدا من مغبة الانزلاق الى “نزاع ” من اي نوع كان خصوصا مع عين التينة.
وفي أي حال سيبرز موقف الحزب عبر كلمة يلقيها أمينه العام السيد حسن نصرالله في الخامسة والنصف بعد ظهر غد الجمعة .
مسار الاختناقات
ووسط هذه الأجواء تصاعدت وتيرة تفاقم الازمات المعيشية والخدماتية الخانقة، وبلغت ازمة فقدان مادة المازوت تحديداً مرحلة تنذر بتداعيات مؤذية للغاية سواء لجهة توقف معظم المولدات الكهربائية الخاصة او لجهة دورة العمل العامة في المؤسسات العامة والخاصة، فيما لم يسجل أي انفراج على صعيد البنزين والأدوية وسواهما من أزمات. وأفادت معلومات مساء ان اجتماعا سيعقد اليوم في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون ويضم رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ووزيري الطاقة والمال وحاكم مصرف لبنان لاتخاذ قرار بفتح اعتماد لاستيراد المحروقات بسعر مدعوم على 3900 ليرة للدولار.
وبقيت الاهتمامات ترصد مسار إقرار مسألة البطاقة التمويلية الذي يتسم ببطء سلحفاتي نيابياً وحكومياً. وعقدت امس جلسة للجان النيابية المشتركة برئاسة نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي الذي اعلن ان قانون البطاقة التمويلية “بدأ النقاش به وأرجئت الجلسة الى اليوم” . وقال “كان النقاش حول موضوع مصادر التمويل ومنصة البيانات وحول القانون الذي سيرعى هذا الموضوع ، وسيكون هناك نقاش غدا (اليوم) بعد الظهر او الاسبوع المقبل”. وأوضح ان “مجلس النواب ليس بصدد النقاش حول رفع الدعم، او ان يكون رأس حربة رفع الدعم. لكن هناك ازمة حقيقية في البلد تحتاج الى بطاقة تمويلية وهذا هو موضوع النقاش، والمجلس يحاول ان يساعد في السبل التي تؤدي الى اقرار هذه البطاقة التمويلية كمصادر دعم وكمنصة بيانات”.
كما رأس رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في السرايا اجتماعًا حول البطاقة التمويلية بحضور الوزراء زينة عكر، راوول نعمة ورمزي المشرفية الذين اطلعوا دياب على ما وصلت إليه مناقشات اللجان النيابية المشتركة بشأن البطاقة التمويلية. كما جرى البحث في التعديلات المقترحة من النواب على المشروع الذي أرسلته الحكومة.
ولكن عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص سارع بعد جلسة اللجان الى التحذير من ان “تكتلنا لن يسير في اي مشروع مجتزأ يحول البطاقة التمويلية بما تبقى من وقت الى بطاقة انتخابية”، معتبرا ان النقاشات التي حصلت امس تحت قبة البرلمان “معيبة حقا بحق الشعب اللبناني وبحق النواب، فاننا نبحث بين 93 دولارا و107 دولارات تعطى للاسرة. اين أصبح الشعب اللبناني المسؤول عما فعلته به الطبقة السياسية. لقد آن لهذه الطبقة السياسية ان تعترف بفشلها وترحل ونذهب الى انتخابات نيابية مبكرة تأتي منها سلطة جديدة تتصدى لهذه المشاكل. لذلك، نقول للشعب اللبناني لا تقبل بمسكنات تأتيك من هنا وهناك، وانت معك مرض عضال شبيه هذه الطبقة السياسية. اذهب وعالج هذا المرض العضال.”
في مقابل هذا الواقع القاتم والضاغط انبرت حكومة تصريف الاعمال مجددا ، للمرة الثانية في 3 ايام، الى نفضَ يدها من اي مسؤولية تتحمّلها في الانهيار الحاصل. واصدر المكتب الاعلامي في رئاسة الحكومة بيانا جاء فيه “فعلا من المعيب أن تنقلب المعايير وأن تتغير المفاهيم وأن تطمس الحقائق. واذا كنا نعمل بصمت، ونحرص على عدم الدخول في سجالات مع أحد، وخصوصا في ظل الأزمة الحادة التي يمر بها الوطن، فذلك لا يعني أن نسكت عن التزوير الذي يحاول رمي المسؤوليات وتحميل هذه الحكومة عبء الممارسات السياسية والكيدية والشخصية والميليشياوية التي تسببت أو ساهمت بهذا الانهيار الذي يدفع اللبنانيون ثمنه اليوم”. وأكد البيان “ان الحكومة، قبل وبعد الاستقالة، تلملم الركام الذي تركته السياسات المالية التي شاركتم فيها لسنوات طويلة، ولا يشفع لكم أنكم تحاولون التبرؤ منها بعد أن كنتم جزءا منها”.