النهار ــ ابراهيم بيرم
لعل آخر ما كان ينتظره “حزب الله” هو الموقف الذي وضعه فيه اخيراً رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عندما بادر الى “تحكيم” السيد حسن نصرالله في موضوع المساعي الرامية الى تسهيل استيلاد الحكومة. ومما زاد في دقة الموقف هو مجاهرة باسيل باستعداده سلفاً للنزول عند “حُكم” هذا الصديق أياً يكن.
لا ريب في ان الحزب وجد نفسه انه بات يتعين عليه مبارحة “منطقة الامان” التي لاذ اليها منذ انفجار ازمة تأليف الحكومة وتوعّر المسالك اليها على نحو غير مسبوق وما نجم عن ذلك من اشتباكات، خصوصا بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وبين الرئاسة الاولى واستتباعاً مع “التيار”.
فمن باب التذكير نجح الحزب في اجتياز اول اختبار واجهه ابان استشارات التكليف عندما انحاز الى جانب شريكه وامتنع عن تسمية الحريري رئيسا مكلفا. في حينه لعب الحزب لعبة التوازن والوسطية، فهو إنْ لبّى دعوة حليفه الى خفض لائحة المسمّين للحريري الذي خاض يومها بشق النفس لعبة مضادة، إلا انه (الحزب) لم يسلم من اتهامات وشبهات وُجهت اليه من بعض هذا الحليف بتهمة انه وإن استنكف عن تسمية الحريري إلا انه ترك لحلفائه (نواب الحزب القومي واثنين من نواب “اللقاء التشاوري”) حرية الانزلاق الى مربع الحريري ومحضه اصواتهم الخمسة مما أثقل موازين زعيم “المستقبل”.
وأبعد من ذلك، كان الحزب يوحي للمتصلين به انه وضع خريطة طريق سيسلكها من الآن فصاعداً، خصوصا بعد سقوط تجربة حكومة حسان دياب، وهي
• (الخريطة) تنهض على المرتكزات الآتية:
الحفاظ على متانة العلاقة التحالفية مع الرئيس بري مهما بلغت الاثمان.
– الابقاء على التحالف مع “التيار الوطني” وايضا مهما اقتضى الموقف.
– فتح آفاق التعاون مع الحريري والخروج من دائرة الاتهام بالتعويق والتعطيل.
هل كان موقف الحزب هذا نوعا من “ممارسة التقية” السياسية لادراكه ان الطريق الى التأليف بعيدة ومتعثرة فآثر ألا يكون المشاغب والمشاكس، ام ان الحزب اراد فعلا ان تبصر حكومة برئاسة الحريري دون سواه النور حتى وإن اقتضى الامر بعض التنازل؟ واستتباعا هل كان يراهن فعلا على لحظة ولادة حكومية طبيعية وشيكة؟
المشهود به ان الحزب اختار ان ينأى بنفسه عن مشهد التأليف ومفاوضاته ومشاوراته، وتملّكه امل في ان ينجح الحريري في مهمته لاعتبارين اثنين: الاول ان اي حكومة ستقيه الى حد بعيد كما ستقي سواه تداعيات الفراغ وارتداداته. والثاني ان التأليف سيقيه حتما تداعيات التعقيد وما يمكن ان يتحمله من تبعات، وهو الذي يجهد لكي يدرأ عن نفسه اتهامات شتى ارتفعت اكثر فاكثر بعد انفجار 4 آب.
وعليه ثمة اعتقاد في الحزب ان هناك فرصة كانت متاحة في الاسابيع الاربعة الاولى من التكليف لكي يقدم الحريري على التأليف، ولكن لاسباب عدة ضاعت، فعاد مسار الامورالى نقطة التأزم والاستعصاء، وتبددت الآمال التي لاحت في اللقاءات السبعة الاولى بين عون والرئيس المكلف. وكانت الدائرة المكلّفة متابعة موضوع التأليف ومقرها في الامانة العامة للحزب ويرأسها حسين الخليل وركنها الاساس وفيق صفا، قد سارعت على الاثر الى الدخول على الخط عبر اتصالات ثلاثية البعد تشمل رئيس “التيار البرتقالي” وبري والحريري بغية تدوير الزوايا وفكفكة العقد.
لكن ذلك كله على بلاغته لم يجنب الحزب تجرّع الكأس المُرة، اذ عاد الى صدارة المشهد وبات في موقع المطلوب للفعل من منطلق ان الاستمرار في لعبة الابتعاد يمكن إدراجه في موقع الذي لم ينصر الباطل لكنه خذل الحق، وهي مقولة تُنسب الى الامام علي، واستخدمها ايضا الرئيس عون في مقابلة سئل فيها عن تشخيصه لموقف الحزب الوسطي.
على الاثر تراجع الحزب الى موقع الناصح والمتمني، اذ انبرى رموزه الى تأكيد المؤكد وهو الحاجة الوطنية الى حكومة عاجلة مقرونة بضرورة تنازل كل الاطراف المعنية لمصلحة انقاذ البلاد مما هي منحدرة اليه بسرعة قياسية مما لو بقي الفراغ الحكومي مستداماً.
لكن الحزب وجد نفسه في موقع المطالَب باكثر من اسداء النصح، واستطرادا النزول الى ساح الفعل والتأثير وصرف الرصيد لحظة شرع بري في تشغيل محركات مبادرته اخيرا. والحزب كان على بيّنة سلفاً من ان بري كان يذخّر جهوده ويمضي في احتجابه للحظة اطلاق المبادرة. وهو كان ينطلق من جملة اعتبارات بالغة الاهمية في حساباته، ابرزها:
– انها “خاتمة” المبادرات بعد تعثّر سالفاتها تباعا.
– ان رئيس المجلس كان يفترض ان حال الاستعصاء الذي آلت اليه الامور سيكون سببا من اسباب نجاح مبادرته.
– ان المبادرة اياها تلقى دفعا خارجيا لا يستهان به.
العامل الاكثر تشجيعا هو ان بري استشعر ان عودة الحريري من غيبة صغرى اخيرة كانت بمثابة عودة الابن الذي طاشت رهاناته الخارجية فعاد ليضع اوراقه بين يدي المنتظر.
لذا لم يفاجأ الحزب كما سواه بردّ فعل سيد عين التينة على ما اعتبره تضييعا من باسيل والقصر لفرصة مهمة للانقاذ كان يترقبها، وان تؤول الامور الى هذا الاشتباك.
بعد هذه السردية، يبقى السؤال المحوري هو: على اي شاكلة سيكون رد الحزب على رسالة “استنجاد واستئناس” بلغته للتو من صديق؟
كعادته في مثل هذه المواقف المفصلية، يعتصم الحزب بالصمت والبرودة توطئة لاتخاذ القرار. ربما كان توجه باسيل اليه على هذا النحو ينطوي على إحراج كما يفسر البعض، لكنه ليس في مقدوره التعامل بسلبية والتفاعل مع الامر على انه “هدية مسمومة” بعث بها نزيل البياضة، وتاليا يتعين عليه ألّا يطيل الرد والمبادرة.
لذا فهو، وفق المعلومات الاولية المتوافرة، كشف انه بعث بعد اقل من 36 ساعة بالرسل بغية التنسيق.
وبهذه التلبية العاجلة للنداء يكون الحزب قد اسقط عن نفسه شبهة الوقوع في الحرج والارتباك من جهة، ودحض عن نفسه تهمة عدم فتح بابه لطارق من جهة اخرى.
ماذا بعد؟ المعلومات عينها تتحدث عن ان الحزب ينطلق في مسعاه من اعتبارين:
– البناء على التقدم الذي أُحرِز في اللقاءات الثلاثة.
– المواءمة بين مسعاه وبين مبادرة بري.
على بلاغة ذلك، فان الحزب ليس في وارد ان يطلق من الآن منظومة توقعات من قبيل تحديد مهل زمنية ومن باب الوعد بان الانفراج حتمي.
الثابت ان الحزب ليس في وارد ترك باسيل وحيداً، لكنه حذر جدا من مغبة الانزلاق الى “نزاع” مع ايّ كان خصوصا مع عين التينة.
وثمة في طيات تحركه وانطلاقته الوشيكة ثابتان ابلغهما عبر القنوات الخلفية الى من يعنيه الامر:
الاول ان تحركه لن يكون رفع عتب فحسب بل بنية ايجاد حلول.
الثاني انه ليس في نيته، لحد الآن، الافصاح عن موقفه النهائي من مآل الرئاسة الاولى، فتلك ورقة مخفية وثمينة عند الحزب. يبقى ان المسعى كله مرتبط بأمرين: جدية الحريري في قرار الإقدام على التأليف، وعدم عزوفه.
• هل يؤثّر انتخاب رئيسي على لبنان؟
“النهار” ــ مجد بو مجاهد ــ لم يكن استحقاق الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعيداً عن حسابات بعض القراءات والتحليلات السياسية اللبنانية التي كانت أدرجت هذا المعطى قبل أشهر في إطار العوامل المؤثّرة والمرتبطة بالاستحقاق اللبنانيّ المنتظر لجهة ولادة حكومة بعد أشهر من المراوحة الكاملة، لكن الأيام التي لحقت إعلان فوز رجل الدين المتشدد #إبراهيم رئيسي في انتخابات رئاسة إيران، لم تنذر بملامح تأثير أو تبدّل في المقاربة العامّة للسياسة الخارجية الإيرانية عموماً، وفق ما يستقرئ خبراء في الشؤون الدولية، باعتبار أن من يمسك مفاتيح السياسة الخارجية في إيران هو المرشد الأعلى علي خامنئي وليس رئيس الجمهورية. ولا يمكن الحديث عن دور خاص لرئيسي في السياسة الخارجية، إلا في حال تحوّل إلى مشروع خلافة لخامنئي كمرشد أعلى في مرحلة لاحقة، وهذا ما لا يزال من المبكر مقاربته أو توقّعه أو الحديث عنه في المدى القريب. ولا تزال الأهداف المرسومة على طريق السياسة الخارجية الإيرانية واضحة، استناداً إلى ما يؤكّده المسؤولون في كلّ من واشنطن وطهران، لجهة أن المرشد الإيراني علي خامنئي يريد استعادة الاتفاق النووي مع الغرب، وذلك من أجل رفع العقوبات الصارمة التي أبقت النفط الإيراني خارج السوق العالمية.
تُختضر الصورة التي تحيط مشهد انتخاب رئيسي بالقلق الذي تعبّر عنه دول العالم لناحية وصول أكثر الاسماء المتشددة في إيران إلى سدّة الرئاسة. وترتبط الهواجس خصوصاً بالمخاوف على حقوق الانسان في ايران. وارتبط اسم رئيسي فور إعلان انتخابه بتورطه في إعدامات جماعية بحق معارضين في ثمانينيات القرن الماضي، وفق منظمات حقوقية ومعارضة إيرانية. وكان مجلس صيانة الدستور قد أقصى عدداً من المرشحين الإصلاحيين الأقوياء، مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، الأمر الذي أفضى إلى مقاطعة واسعة للانتخابات. وقد أشار متحدث باسم الخارجية الأمريكية، في بيان، إلى أن الإيرانيين حُرموا من حقهم في اختيار قادتهم في عملية انتخابية حرّة ونزيهة. وأعربت فرنسا عن قلقها حيال واقع حقوق الإنسان في إيران، مؤكدة حشد كل جهودها الديبلوماسية لإنقاذ الاتفاق المبرم حول النووي الإيراني، بعد انتخاب المحافظ المتشدد رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية. ورأت إسرائيل أن انتخاب رئيسي، حريّ بأن يثير قلقاً بالغاً لدى المجتمع الدولي، مشيرة الى أنه الأشد تطرفًا بين رؤساء إيران حتى الآن، ومحذّرة من أن يكثّف أنشطة بلاده النووية.
في ما يتعلّق بالموضوع اللبناني، ثمّة من يستقرئ أن يرتبط هذا الملف بالمرحلة الثانية من المفاوضات على الاتفاق النووي الإيراني. ويعتقد الخبير في الشؤون الدولية وسفير لبنان سابقاً في واشنطن رياض طبارة أن “الاتفاق النووي سيكون طويل الأمد. وتتمثل المرحلة الأولى في العودة إلى الاتفاق ونزع بعض العقوبات قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية. وتسعى ايران إلى نزع عدد من العقوبات الموجعة المتمثلة بالعقوبات على البنك المركزي وعلى النفط الإيراني”. ويعتبر طبارة في حديث لـ”النهار” أنّ “إصرار واشنطن على إبقاء عدد من العقوبات، يرتبط ببحث قضايا متعلقة بالصواريخ البالستية والميليشيات المتحالفة مع إيران في المنطقة”. ويشير إلى أن “المفاوضات كانت استغرقت في مرحلة سابقة سبع سنوات، وتالياً فإنه إذا كان ثمة من ينتظر الاتفاق النووي في لبنان، فإن المسألة قد تستغرق سنوات”. ويرى أن “المشكلة الحكومية في لبنان مرتبطة باعتبارات داخلية في الوقت الحاضر ومنها الإصلاحات التي لا بدّ من تطبيقها من خلال اختيار شخصيات لبنانية مستقلّة باستطاعتها فتح ملفات مغارة علي بابا. ولا تأتي عدم الرغبة في تأليف حكومة من عدم رغبة الطبقة السياسية اللبنانية بقطع باب الرزق والتنازل عن المكتسبات فحسب، بل تخشى من المحاسبة”. ويخلص طبارة إلى أن “المجتمع الدولي، من أميركا إلى أوروبا وروسيا، لا يريد سقوط لبنان أو انهياره، من دون أن يعني ذلك أنه يعتزم إعادته إلى سويسرا الشرق. وتنتج عدم الرغبة في الانهيار عن اعتبارات ومصالح المجتمع الدولي، فيما عدم الانهيار يعني ضرورة تنفيذ الإصلاحات”.
وبدوره، يرى القارئ في الشؤون الدولية والسفير اللبناني السابق بواشنطن عبدالله بو حبيب أن “المراوحة الحكومية مرتبطة بسببين على الأقل. ويكمن السبب الأول بأنه اذا قامت الطبقة السياسية اللبنانية بإصلاحات، سيكون ذلك مؤلماً على الصعيد الداخلي وينعكس على نتائج الانتخابات. وإذا لم تقم الحكومة بإصلاحات، ستشكَّل حكومة فاشلة بما ينعكس ذلك أيضاً على وضع الأحزاب في الانتخابات. الأحزاب الداخلية خائفة من تشكيل حكومة، فيما ولادة حكومة مستقلة تعني تنفيذ الاصلاحات والاشراف على الانتخابات ونزع دور الطبقة التقليدية”. ويستبعد بو حبيب عبر “النهار” أن “يؤثر انتخاب رئيس إيراني جديد في الوقت الحاضر على لبنان، في غياب ولادة حكومة لها سياستها الداخلية والخارجية والدفاعية”. ويرى أن “المجتمع الدولي، من أميركا إلى أوروبا، يريد تشكيل حكومة ولا مصلحة له في الانهيار. وهو مستعد للمساعدة، إذا كان لبنان مستعداً لمساعدة نفسه. وحتى ايران لا مصلحة لها في الانهيار. ويتوجب على اللبنانيين تأليف حكومة وطلب المساعدة، والمساعدة تأتي”. وينقل بو حبيب، في خلاصة حديثه، مقاربة ديبلوماسي أميركي التقاه حديثاً في لبنان، والذي أكّد ضرورة تشكيل حكومة تنفّذ الاصلاحات سريعاً، متسائلا: “كيف يمكن أن نساعد حتى تتشكل الحكومة؟”.
• صفا لباسيل المحكوم بحزب الله: ما هكذا يُخاطَب نصرالله
منير الربيع|المدن ــ ازدواجية “كلام النواعم وكلام المظالم” غير مقبولة. والمساس بنبيه برّي من المحرمات. وما قَبل تفويض برّي من قِبَل حسن نصر الله غير ما بعده.
• 3 رسائل
هذه رسائل ثلاث سياسية وأساسية، حملها مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، إلى جبران باسيل. حصل لقاؤهما بعد موقف عنيف أطلقه باسيل، فُهم منه أنه يخيّر حزب الله بين التحالف معه أو مع رئيس مجلس النواب. وهذا يعتبر من الكبائر لدى حزب الله، لأنه يحاول زرع الفتنة داخل البيئة الشيعية.
“شكر” صفا باسيل على “محاسن” موقفه يوم الأحد الفائت، وأكد له أن حزبه فوجئ بالكلام الذي أطلقه. فحزب الله يعمل على طي صفحة الخلافات القابلة لإثارة التوتر والتشنج، اللذين ينعكسان سلباً على الستاتيكو القائم.
ولم يرق لحزب الله كذلك مواقف قياديين في التيار العوني، لكنه تغاضى عنها. أما ما لم يتمكن من التغاضي عنه، فهو مخاطبة باسيل نصرالله عبر الإعلام في مواضيع حساسة تطال المعضلات الراهنة. وكان لا بد من أن يضع حزب الله النقاط على الحروف، على قاعدة القول المأثور: “ما هكذا تورد الإبل يا جبران”. ونصرالله لا يمكن مخاطبته بهذه الطريقة، مهما كانت الظروف.
• دفاع باسيل
حاول باسيل الدفاع عن نفسه. قال إنه أعلن في مؤتمره الصحافي ثقته الكاملة بنصرالله. وحاول أن يعكس الجو الداخلي في تياره، الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول أداء حزب الله. وشدد باسيل على حرصه على علاقة التحالف المتينة بين تياره والحزب إياه.
لكن جواب حزب الله كان واضحاً: لا يمكن قول الكلام الجميل في اللقاءات البينية المغلقة، وإذاعة المواقف التصعيدية في العلانية الإعلامية، وبأسلوب شعبوي لا يمكن حزب الله قبوله.
• برّي يمثل نصرالله
النقطة الثانية التي أكد عليها حزب الله، هي رفضه المساس بأي شكل وتحت أي ذريعة بنبيه برّي. ولا يمكنه أن يرضى بما أطلقه باسيل وفريقه السياسي. مع تأكيد على ضرورة وقف هذا الأسلوب الخطابي الشعبوي، وخصوصاً عن رئيس المجلس الذي لم يرد لا هو ولا نوابه أو كوادر حركة أمل على ما قاله باسيل.
وشدد حزب الله على القول: على التيار العوني وسواه من الأطراف ألا يتناسوا أن ما بعد تفويض نصر الله لبرّي غير ما قبله. وبري في مبادرته لا يمثل ذاته فقط، بل يمثل حزب الله ونصر الله شخصياً.
• لا حكومة
وسأل صفا باسيل ما إذا ما كان جدياً في البحث عن معالجة المشاكل، وتشكيل حكومة؟
وحاول باسيل شرح وجهة نظره بأنه جاهز ويريد حكومة برئاسة الحريري، ولم يقصد الإساءة لأحد، ولكنه يرفض انحياز برّي إلى الحريري. لذا لا يمكنه تقديم التنازلات التي يطلبها الآخرون، خصوصاً تسمية الوزيرين المسيحيين.
هذا كلام في غاية الوضوح. وبمعزل عن السعي لمعالجة المشاكل التي ظهرت مؤخراً، يبقى تشكيل الحكومة مؤجلاً، بسبب استمرار التعقيدات على حالها.
وتستمر المساعي لوقف التشنج الإعلامي والسياسي بين برّي ورئيس الجمهورية وفريقه. ولكن من دون الوصول إلى تشكيلة حكومية. ويستمر برّي بمبادرته. ويستمر الحريري على موقفه رئيساً مكلفاً: إما إلى أن تحين لحظة تسوية تفرض تشكيل حكومة، أو تفرض الاتفاق على شخصية يوافق عليها الحريري وحلفاؤه، وتعمل على تشكيل حكومة ترضي الجميع.
• محكوم بحزب الله
ويريد حزب الله دوزنة العلاقة بين حلفائه وموازنتها، كي لا تنفجر ولا يُحرج أكثر. وهو حتماً لا يريد أي خلاف داخل البيئة الشيعية. ولا يريد أي صدع يصيب علاقته بالتيار العوني. فهو متمسك بالتحالف وحريص عليه، وعلى يقين بأن باسيل محكوم بحزب الله.
ذلك لأنه غير قادر على الخروج من تحت مظلة الحزب إياه. فالخروج يضعفه ويقوي خصومه على الساحة المسيحية. وباسيل غير قادر حتماً على التلاقي مع خصومه في الساحة المسيحية، أو في سواها من الساحات، لتشكيل جبهة ضد حزب الله.
• ما علاقة إيران وحزب الله ودمشق بتفحيرات الخُبر السعودية؟
المدن – بعد ربع قرن على تفجيرات أبراج الخُبر في السعودية والتي هزّت مراكز سلاح الجو الأميركي في المدينة، كشف الباحث بروس ريدل أن لإيران و”حزب الله” اللبناني دوراً في الهجوم الذي دُبر في دمشق.
وتعرضت أبراج الخُبر حيث يعمل عسكريون أميركيون في قاعدة عسكرية أميركية لتفجير ضخم في 25 حزيران/يونيو عام 1996، بواسطة شاحنة مفخخة.
ووصف ريدل الذي كان يعمل نائباً لمساعد وزير الدفاع الأميركي وقتها، التفجيرات بأنها “من أشد الهجمات الدموية التي تعرضت لها القوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، والتي أدت إلى مقتل 19 طيارا أميركياً وإصابة 500 آخرين”.
وقال ريدل في مقال له على موقع معهد “بروكينغز” الأميركي، إن السعودية كانت لديها معلومات عن وجود “منظمة إرهابية سعودية” مدعومة من إيران كانت تهرّب متفجرات إلى منطقة الظهران. وأضاف أن “المؤامرة خُطط لها قبل عامين في دمشق من قبل 3 أطراف: المخابرات الإيرانية، “حزب الله” اللبناني، إلى جانب مجموعة من الميليشيات السعودية الشيعية بأسماء مختلفة”.
وتابع أن السعوديين لم يشاركوا هذه المعلومات مع الأميركيين حينها “خوفاً من نشوب حرب أميركية-إيرانية، تدفع السعودية ثمنها”.
وذكر ريدل أنه رغم الدور الكبير الذي لعبته إيران في التفجيرات، إلا أن مسؤولية التنفيذ كانت بيد “حزب الله”، الذي قام بتجنيد صانع قنابل ليتولى تجميع المتفجرات في الشاحنة، مشيراً إلى أن “السعوديين تمكنوا عام 2015 من اعتقال أحد الشيعة السعوديين المتواطئين، ويدعى أحمد المغسل”.
وتابع أن رئيس المخابرات السعودية السابق بندر بن سلطان كان حريصاً على عدم التصريح بشكل قاطع بأن إيران هي المسؤولة عن الهجوم، مؤكداً أن بن سلطان “أشار بالتأكيد إلى هذا الاتجاه”.
وأكد ريدل في مقاله أن “إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة بيل كلينتون كانت يومها مستعدة لضرب إيران إذا ثبت تورطها في الهجوم، ولذلك فإن السعوديين ترددوا في مشاركة المعلومات مع واشنطن”.
وعوضاً عن الحرب، تولّت الولايات المتحدة فضح مجموعة واسعة من عملاء الحرس الثوري الإيراني الذين يعملون سراً كدبلوماسيين في مختلف أنحاء العالم، ما أجبر طهران على إعادة هؤلاء إلى البلاد، وعطل عدداً من الخطط التي كانوا يشرفون عليها، بحسب ريدل.
وقال ريدل إن واشنطن أرسلت رسالة إلى الرئيس الإيراني حينها محمد خاتمي، مفادها أننا نراقبكم عن كثب، واتصل عملاء المخابرات الأميركية المركزية بعدد من عملاء الاستخبارات الإيرانية الذين يعملون تحت غطاء دبلوماسيين وهددوا بفضحهم، كما أرسلوا رسالة إلى إيران عبر سلطنة عمان مفادها أنه يجب تسليم المتورطين إلى السعودية.
ومن الجانب الإيراني، لفت ريدل إلى أن طهران أنكرت أي دور لها في التفجير، وهو أمر توقعه الأميركيون.
وعام 2020، قضت محكمة أميركية بإلزام الحكومة الإيرانية بدفع مبلغ 879 مليون دولار تعويضات لضحايا الهجوم. واعتبرت القاضية بيريل هويل استناداً الى أدلّة سابقة، أن إيران “ساعدت “حزب الله” في تنفيذ هجوم عنيف ومروع، إلا أن طهران ترفض دفع أي تعويضات.