ألان سركيس-نداء الوطن
تميّز رؤساء الجمهوريات في لبنان في فترة ما بعد الإستقلال، بصوغ تحالفات داخلية متينة إضافة إلى علاقات من الندّ إلى الندّ مع دول عالمية فعالة.
لم يكن موقع رئاسة الجمهورية في أي وقت مضى “مكسر عصا” أو “إجر كرسي” أو مطيّة لأحد، بل شكّل بحدّ ذاته قيمة مضافة للبلد، حتى في فترة الحرب والإحتلال السوري كان رئيس الجمهورية يتميّز بهيبة، ولم يصل إلى ما وصل إليه اليوم.
كان الرئيس بشارة الخوري حليف البريطانيين ونجح بفضل دعمهم في نيل الإستقلال عن فرنسا ومن ثمّ التمديد له، وأتى الرئيس كميل شمعون ناسجاً أفضل العلاقات مع البريطانيين واستغلّ حاجة الأميركيين له ليصبح لاعباً دولياً بارزاً يُخطّط للمنطقة ويقيم الأحلاف العابرة للحدود.
واختار الرئيس فؤاد شهاب سياسة “لا غالب ولا مغلوب”، ونسج أفضل العلاقات مع مصر ورفض التنازل عن السيادة اللبنانية، فكان لقاء الخيمة الشهير مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر على الحدود اللبنانية – السورية، وأكمل الرئيس شارل حلو على نهج شهاب، في حين أن عهد الرئيس سليمان فرنجية كان عهد بحبوحة ورفض تسليم الدولة للفلسطينيين فاندلعت الحرب.
وأتى الرئيس “الآدمي” الياس سركيس ليُعيد ترميم مداميك الدولة، وتأكيداً على سيادته رفض التجاوزات السورية التي كانت تحصل تحت مسمّى “قوات الردع العربية”، في وقت لم يقدّم الرئيس أمين الجميل تنازلات كبيرة على رغم مراوغته في السياسة.
وشهدت فترة ما بعد “الطائف” إنتخاب الياس الهراوي رئيساً، وعلى رغم بسط السوريين نفوذهم على لبنان إلا أنه كان يواجه في بعض الأماكن، في حين دعم الرئيس إميل لحود “حزب الله” إلى أقصى حدود وأخذ السوريون راحتهم في الإستبداد، ولكن بقي هو الرئيس ولم يشاركه أحد موقع الرئاسة ولو شكلياً.
وكان إنتخاب العماد ميشال سليمان تاريخاً مفصلياً بين حقبة الإحتلال والتحرّر، وتميّز عهده بالبحبوحة وتدفقت الأموال الخليجية إلى لبنان قبل أن ينقلب “حزب الله” على حكومة الرئيس سعد الحريري، ونجح في إبرام “إعلان بعبدا” الذي كان يهدف إلى تحييد لبنان عن الحرب السورية، لكن “حزب الله” لم يحترمه ما دفعه إلى الإنتفاضة على سلوكه في آخر عهده مطلقاً شعار “المعادلة الخشبية” على معادلة “حزب الله”.
لكن يبقى السؤال: ماذا فعل رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل يوم الأحد بمطالبته بوساطة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله؟
وفي السياق، فإن القراءة الموضوعية لكل ما يجري تدلّ على أن باسيل هو أكثر من أساء إلى موقع رئاسة الجمهورية، إذ إنه يوحي أو يقول إن الرئيس ميشال عون موجود في بعبدا أما ختم الرئاسة فهو في يده، وبالتالي يحضر السؤال عند الكثيرين عن الرئيس الحقيقي.
أما النقطة الأخطر، بحسب السياديين، فتتمثّل في تخطّي باسيل موقع رئاسة الجمهورية والطلب من نصرالله إستعادة حقوق المسيحيين، بينما الحقيقة أن الرئيس يجب أن يكون أميناً على حقوق المسيحيين والمسلمين وجميع اللبنانيين، وبالتالي فإن باسيل صوّر الرئيس عون في موقع العاجز والضعيف وغير القادر على فعل شيء، وبالتالي فإن الأقوى في هذه البلاد هو الأمين العام لـ “حزب الله” وليس رئيس الجمهورية.
وأمام كل هذه الوقائع، يتّضح أن باسيل يضرب كل ما تبقّى من هيبة وصلاحيات في يد الرئيس، وهو يعترف بأنه يُسيطر على قرار الرئاسة، بينما “حزب الله” يستطيع فرض كل ما يراه مناسباً لسياسته، وبالتالي فإن موقع الرئاسة “مُغيّب” والحسم هو للقوى الخارجة عن القانون.