نصري الصايغ
خذ حصتك من القهر. انصرف إلى وحدتك، اذ، لا أحد معك. ما كان ماضياً واعداً، مات. وحدها الارتكابات لا تموت، بل تميت. الأفضل أن تتدرج بأحزانك. لست وحيداً. كومة البائسين واليائسين تدلك إلى المريع الآتي. ممنوع أن تتفاجأ. لبنان كله، من أصله إلى نحره، ماضٍ لا يغتفر. تربى على أن يكون في صف الفشل والعجز والعقم. لم يتعامل مع ناسه كبشر. كنا بضاعة مغشوشة، موجودات مفضوحة، قيادات مزيفة. لم نلتئم مرة كشعب. كنا قطعاناً تساق إلى المعلف. من رفض أن يكون في صف القطيع، نجا بنفسه ولم يربح وطناً. كان نظيفاً مضاداً لأذكياء العهر والقهر والاستتباع. لا. لسنا كلنا مذنبين. احلام كثيرة راودتنا. عبث. لنا مخيلة سليمة تحبل بمخاضات ضحلة. إذاً، خذ حصتك من الذكاء، وتناسى أنك في لبنان او من لبنان. لبنان الذي احببت، ليس لك. يخونك. ينام في فراش العهر الطائفي والمذهبي، متسلحاً بمباركة وقداسىة سدنة الدين وامراء الهيكل وادعياء الصلوات. الأفضل أن لا تقيم في الخطأ. إنسَ أنك لبناني، لأنك لم تكن كذلك، ولم يُسمح لك بذلك. اللبنانية مهانة ومذلولة. النصر كان من حصة قراصنة المال والذمم والمناصب والزيف. زعماؤنا، ليسوا مخلوقات بشرية. سيرتهم الذاتية، “فوتو كوبي”، عن سيرة القتلة، ممتهني الموت، بخيط الحرير مرة، وبطعنات الخيانة مراراً. اذاً، علينا أن نكنس الطريق المديد من الذين اقاموا على جنباتها، مآثرهم التي تفوقت في الاغتصاب، إلى حد خنق وطن، وتشريد مواطنين، وإفقار عاملين، إن لم نفعل ذلك، فمن منا يضمن أنه سيطيق نفسه. هم ليسوا بحاجة إلى أن تدل عليهم، او تشير إليهم. انهم معروفون، اباً عن جد عن جدود. أقدامهم في لبنان، وأياديهم تتسوّل الأموال والدعم والإستقواء. إنهم مختلفون جداً، ويتقاتلون باتزان، ولكنه يشبهون بعضهم بعضاً. حذو النعل بالنعل. خذ حصتك من الجنون وكن قبضة قاسية وليكن صوتك سوطاً في رقابهم. لم يكن لبنان وطناً لهم. كان جائزة لخيانات متناسلة، منذ القرن التاسع عشر. أمنا الحنون فرنسا، اهدتنا مكاناً لممارسة افدح تجارة: تجارة الاوطان. لبنان كان مصيدة لقلة مختارة بعناية، وقبولها تم بعد النجاح في امتحان الطاعة “على العمياني” “الكتابة، اليست هي القفز خارج صف القتلة؟” (كافكا). اذاً اكتب. بعّثر المعاني. إفضح تراثهم النتن. هؤلاء ليسوا مخلوقات بشرية. هم من سلالة الإرتكاب. لا حاجة ابداً لبراهين. لبنانهم هذا يقتلنا. يجوعنا، يهجرنا. يعدمنا الأمل. يصوب علينا وباله. يغتال أخلاقنا. يصيب صبرنا. يدفعنا إلى الفاقة. يذلنا على الأبواب. يهددنا بالرغيف والحليب والماء والعتمة. لا يقيم وزناً لأحزان نبيلة. وفي غاية الصدق. لا يعير اهتماماً لدموعنا، لصدور جفّ حليبها، لقلوب مقتولة بغصة الفقدان. هؤلاء ليسوا بشراً. لبنان الجميل هذا، بات لا يُطاق. انه موبوء وملوث، مفضوح، مقرف، كريه. لم يعد لنا منه البؤساء. اننا عن جد بؤساء. اين انت يا هوغو؟ انهم يقتلوننا ببطء. يكذبون كأنهم يصلون، يعترفون باللصوصية المستفحلة. ويلجأون إلى صمت القضاء، كي يخلع عليهم رداء الكتمان. هؤلاء القتلة، قتلونا عن جد. القتلى هنا، ليس استعارة او مبالغة. المرفأ شاهد في الرابع من اب/ أغسطس، على المجزرة. ما بعد ذلك فراغ. لم يصب أحد بعد باتهام. الشر أساس عندهم. إنهم من عائلات الشرور كلها. الكتابة لم تعد فناً أبداً. يلزم أن تصير مقصلة او منصة لمحكمة العدالة. هل نحلم؟ ربما. انه خير من أن نلعن الظلام. يجب أن يصاب هؤلاء اصابات تخرجهم عراة، فنشاهد عوراتهم الاخلاقية على الأرصفة “في الزوايا الملوثة”. يلزم أن تكون شريراً، لمطاردة الاشرار. لم نصل بعد إلى مرتبة الشر الحاسم، والجميل. حتى الآن، هم يتمتعون بحمايات الجراد المطيعة، وحمايات اهل الصلاة والدعاوات الكاذبة. لبنان الاخطاء، مزمن. هذا ليس جديداً. منذ استولدته فرنسا، اهدته لزبانية السياسة وعائلات موغلة في التبعية، وتعرف من اين تؤكل الكتف. لم يكن لبنان وطناً لهم. كان جائزة لخيانات متناسلة، منذ القرن التاسع عشر. أمنا الحنون فرنسا، اهدتنا مكاناً لممارسة افدح تجارة: تجارة الاوطان. لبنان كان مصيدة لقلة مختارة بعناية، وقبولها تم بعد النجاح في امتحان الطاعة “على العمياني”. فيا أيها “اللبنانيون” المطيعون أنتم العميان المبصرون فقط للجائزة. خذ حصتك من الجرأة. قل للبنان الزاحف إلى حتفه. هؤلاء هم القتلة. إذا لم نقطع اياديهم، سيمارسون القتل بعناد وتصميم لا يوجد هواء في الذاكرة. خذ حصتك من الماضي واسأل. غريب. كم كذَّب الشعراء. لقد صنعوا مجداً مزيفاً للبنان. قصائدهم مدائح مترعة بالمغالاة والشعوذة والبرودة. جعلوه كذا: “لبنان يا قطعة سما”. ولو! تواضعوا قليلاً. ألا ترونه اليوم يبحث في كوم المهملات عن قطعة خبز. خففوا من كذبكم. لبنانكم، غير جدير بالاحترام والتمجيد فليعذرنا سعيد عقل. فليغفر لنا الاخوان رحباني. فلننس شبلي ملاط، فلنهمل “الجبل الملهم”، فلنصم آذاننا عن قصائد واشعار مفضوحة، لا تشبه لبنان البتة. لعل الشعراء المحدثون كانوا أكثر صدقاً. لقد اقاموا بينهم وبين لبنان الكذبة، جداراً سميكاً. فضحوا الكيان. لم يجدوا فيه وطناً. لم يكتشفوا فيه انساناً. محمد الماغوط عرانا، وعرّى بلاداً مزدانة بالعار. إقرأ على موقع 180 حوار إفتراضي حول “المتوسط”: نعيش معاً أو نموت معاً خذ حصتك من الجرأة. قل للبنان الزاحف إلى حتفه. هؤلاء هم القتلة. إذا لم نقطع اياديهم، سيمارسون القتل بعناد وتصميم. انظروا إليهم، أمس واليوم ومن قبل عام وقبلها اعوام. لقد قامروا وكسبوا. قشوا جميع اموالكم ومدخراتكم. قمارهم يتجدد. سيقامرون بالناس. بحلقوا جيداً. إن إضباراتهم الطائفية تمتلئ بالاتباع والزبائن والبلطجية. حول طاولة القمار، رهانات على من تبقى من البشر. حول الطاولة مقامر سني، بتأييد سني مبرم. ومقامر شيعي بتأييد شيعي مزدوج. ومقامر ماروني ينافس مارونياً آخر، على جعبة التأييد. ومقامر درزي لا يتوانى عن ممارسة الصولد. إلى آخره.. وتأكدوا، انهم لن يخسروا ابداً. سيربحون. سيعيدون الكرة بعد الكرة. طائف واحد لا يكفي. لم لا يكون هناك ثان وثالث. طالما أن المدعوين إلى مائدة التفاوض حول “النظام”، لن يستبدلوا المقاعد. سيحوّلون الطاولة إلى خنادق، تنتهي بوئام طائفي.. واعزفي يا موسيقى النشيد الطائفي اللبناني. كلنا للوطن؟ عجّلوا. غيّروا النشيد الوطني اللبناني. تراتيل دفن الموتى أكثر صدقاً.