التعاون الاقتصاديّ السوريّ ـ اللبنانيّ

 غالب قنديل-البناء

اللقاء الرفيع الذي عقدته في دمشق قيادات عليا من الفريق الوطني اللبناني مع الوزير فيصل المقداد يكتسب أهمية خاصة من كونه مكرّساً، في جانب رئيسي منه، للتعاون الاقتصادي بين البلدين، ورغم التداول الدائم في هذا الأمر فإنه هذه المرة تحوّل إلى جدول مهامّ تمّ التفاهم عليه بين الفريقين، وفي توقيت حرج بعد الانهيار الاقتصادي والمالي الحرج، الذي شدّ خناقه وخلّف نتائج خطيرة اقتصادياً ومالياً في لبنان، الذي يشكو من موجة انهيار غير مسبوقة، وما يصاحبها من انكماش وتراجع في ظلّ حالة متفاقمة من الشلل السياسي والعجز عن الابتكار والمبادرة، مما يحوّل الركود إلى انحلال وتعفّن في مستنقع كريه ومؤلم.

أولاً: المبادرة الريادية لبحث التعاون بين البلدين في هذا الظرف الحرج تستحقّ التنويه والرعاية والاهتمام، وينبغي استكمالها وإزاحة جميع العقبات من طريقها في لبنان، حيث تواجه كلّ مبادرة خلّاقة جدراناً شاهقة وسميكة من التكلّس والتخلّف والعنصرية والتحجّر العقلي في استلاب التبعية للغرب ومصالح براغيث العمالة المتعيّشين على فتات فضلات الأجنبي، والمصفّحة عقولهم السميكة المتخلّفة بشتى مصنّفات أمراض الكراهية والعنصرية نحو الشقيقة سورية بالذات، وهم تصحّ بهم جميع المقارنات الساخرة في تراثنا الشعبي عن تغطية العيوب بالصراخ والفجور والادّعاءات الكاذبة. واليوم يقف النظام اللبناني وأهله في وادي الحقائق القاسية، وتنفضح عورات النموذج الكسيح، بعدما زال الورم، وانكشف الوخم، وباتت النجدة الممكنة من أيّة جهة متاحة ضرورة حياة وانتعاش، تمنع تمادي الكارثة.

المبادرة على خطّ التنسيق اللبناني – السوري والاجتماع الثنائي الذي انعقد لهذه الغاية مع قيادات لبنانية رسمية وشعبية شكل خطوة نوعية مهمة، وما صدر بعده يشكّل تحوّلاً مهماً وواعداً، يبنى عليه إذا شقّ طريقه بقوة وبالسرعة المطلوبة، وأزيحت من طريقه العقبات والعراقيل المتوقّعة.

ثانياً: مصادر التخريب والعرقلة معروفة، وهي قوية وفاعلة في بنى نظامنا السياسي بدءاً من أجهزة الدول الغربية، التي تخشى حسم لبنان توجّهه المشرقيّ من البوابة السورية، مع توافر فرصة عراقية لم يستطع الأميركيون والغرب كلّه تعطيلها، كما فعلوا في التعامل مع العلاقة اللبنانية – الإيرانية، التي جمّدوها، واعترضوها بالتهويل والتهديد بالعقوبات. والعلاقات اللبنانية – السورية ستواجه تشويشاً وتهويلاً سياسياً في الداخل اللبناني من سائر أبواق الهيمنة الغربية وطوابير العمالة داخل الواقع السياسي وفي المؤسسات الإعلامية. وقد شرعت بعض الصحف والمؤسّسات المرئية والمسموعة بتنظيم حملات التحريض الاستباقي ضدّ التعاون اللبناني – السوري، وهي تخالف القوانين والأنظمة، وتعاكس نزعة البقاء الغريزية. وليس في الأمر حَوَلٌ عقلي أو عجز عن الفهم، بل عمالة صارخة ومقرفة، خصوصاً حين يتحصّن أصحابها خلف صفات إعلامية وسياسية، هي من عدة النصب الاحترافي في بلد منخلع مكشوف للأسف، رغم أنه بلد المقاومة المنتصرة. إنّ مفارقتنا المأسوية تتحوّل إلى فجيعة تامة وكاملة بفضل حفنة من العملاء المنخلعين من زعماء الصدف وتجار النخاسة والرقيق الأبيض وعملاء السفارات الأجنبية، يتحصّنون بألقاب وصفات في غفلة من الزمان، وهم علامة مقيمة على شدّة التخلّف والتردّي وغيبوبة «الشعب العظيم».

ثالثاً: الخطوة التي بادر إليها السفير علي عبد الكريم وتجاوبت معها قيادات وطنية لبنانية رئيسية، هي عمل طليعيّ رياديّ، نحفظ للقيادة السورية وللرئيس بشار الأسد كلّ الفضل في رعايتها والتجاوب معها، ولا ينبغي أن يغفر اللبنانيون لكلّ من يعترضها أو يشوّش عليها، فهي فرصة إنعاش في ظرف شديد القسوة والحرج، يفترض بنا العمل بكلّ الوسائل لاستكمالها وتحصينها. ولذلك ندعو إلى عقد لقاءات وتحريك نقاش هادئ على الصعيد الشعبي والسياسي والإعلامي في سبيل تعيين الخطوات الممكنة لتفعيلها وإزاحة جميع العقبات من طريقها.

الأولوية العاجلة ستكون لخنق طابور العمالة، الذي باشر حملات التحريض والتشويه، كعادته مع أي خطوة على طريق التعاون اللبناني – السوري. ونتوجه اليوم إلى جميع السلطات المسؤولة بأنها ستكون مدانة في التراخي مع أيّ تحريض أو شحن عدائيّ، يعترض الفرصة السورية المهمة والنوعية. وندعو الفريق الوطني إلى شرح التفاصيل للناس، ولاستنهاض الرأي العام للتحرك بكلّ الوسائل لإخراس الأبواق المشبوهة، ولشلّ طوابير التخريب والعرقلة، ومعاملة رموزها بوصفهم خصوماً وأعداء مكشوفين لكلّ لبناني يعاني اليوم من وطأة الاختناق، ويخشى على حياة عائلته من ويلات زاحفة.. لقد حانت ساعة الحقيقة فلنُخرس الأوباش والجواسيس، ولننطلق إلى العمل.

Exit mobile version