تشهد خلدة يوم السبت المقبل لقاء درزياً جامعاً سيضم كلّاً من رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” النائب طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب رئيس “حزب التوحيد العربي”، وهو، كلقاء ثلاثي، الأول منذ وقوع سلسلة أحداث أمنية تنقلت في الجبل في السنوات الأخيرة، أرخت بثقلها على البيت الدرزي الداخلي بعدما تركت أحداث الشويفات والبساتين تردداتها، التي انعكست على العلاقات الداخلية في أكثر من استحقاق.
يأتي اللقاء على أثر المصالحة التي جرت بين جنبلاط وارسلان في قصر بعبدا برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وذلك في التاسع من آب العام 2019، ليعود بري ويجمع الرجلين في عين التينة في 16 حزيران من العام الماضي، قبل أن يزور “المير” جنبلاط في كليمنصو في 13 آذار الماضي ويستقبل جنبلاط أيضاً وهاب في 19 أيار. وبذلك يكون اللقاء المنتظر، أقله في الشكل، بمثابة ردّ من جنبلاط لزيارة ارسلان، فيما تأتي مشاركة وهاب ضمن السياق الطبيعي لعلاقته الجيدة مع رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني”، فيما قال جنبلاط في فيديو مسرّب له خلال لقائه مع مرجعيات دينية أنّه طلب من وهاب المشاركة في اللقاء، من باب “مساعدته” على حلّ اشكالي البساتين والشويفات.
أما في المضمون فلا يمكن عزل هذا اللقاء الأول من نوعه منذ سنوات، عن رياح المتغيّرات التي تحصل على المستوى الدولي كما على المستوى الاقليمي، فيما معروف عن سيد المختارة أنّه الأبرع في مجال السباحة مع تيار المتغيّرات. فالاتفاق النووي على وشك الولادة مرة ثانية، والعلاقات السعودية – السورية تأخذ منحى انقلابياً يتوقع أن يشهد الكثير من التطورات في المدى القريب.
كذلك لا يمكن تجاهل السياق السياسي للقاء الذي يأتي بعد أيام قليلة لزيارة ارسلان إلى دمشق وهي الأولى لمسؤول لبناني، قدم التهنئة للرئيس السوري بشار الأسد بإعادة انتخابه.
كما لا يمكن فصله عن التطورات الدراماتيكية والمأسوية التي يشهدها الوضع الداخلي المتقلّب على نار البركان الاجتماعي والاقتصادي، والذي قد ينفجر في أي لحظة مخلّفاً أحداثاً أمنية سيصعب تطويقها ولجمها. وعادة ما تدفع الظروف المماثلة، الأقليات إلى تجاوز حساسياتها وصغائر خلافاتها لمواجهة التحديات الصعبة.
كما لا يمكن وضع حدّ فاصل بينه وبين المشاورات الحكومية حيث قيل يوماً أنّ العقدة الدرزية هي التي تحول دون ولادة الحكومة، إلى أن سلّم جنبلاط ورقة الميثاقية التي كان يحرص رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على وضعها في جيبه من خلال الاصرار على حكومة 18 وزيراً.
كما لا يمكن تجاهل الواقع السياسي المأزوم الذي يعاني منه جنبلاط داخلياً لناحية علاقاته غير المستقرة مع معظم القوى السياسية باستثناء صديقه نبيه بري، فيما تشهد علاقته مع رئيس “تيار المستقبل” نزلات أكثر من طلعات، ومع رئيس حزب “القوات” سمير جعجع صارت “على القطعة”، أما مع الفريق العوني فمرّها أكثر من حلوها!
كل هذه الظروف تجعل من الاجتماع الثلاثي محط متابعة دقيقة لا سيما من جانب الدروز، خصوصاً وأنّ المرجعيات الروحية تؤيد لا بل تشجع كل خطوة تقرّب بين القيادات السياسية، وهذا ما سمعه جنبلاط وارسلان خلال اللقاءات التي أجرياها خلال الأيام القليلة الماضية.
كذلك قد تدفع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يدرك تماماً أنّ رياح التغيير لا تهب كما تشتهي سفنه، إلى مدّ يد التعاون مع أبناء طائفته وهو المقتنع أنّ وحدة الصف الدرزي هي ضمانة ثمينة لا يجب التفريط بها في الأوقات المصيرية. من هنا، تبدو الطريق بين كليمنصو وخلدة سالكة وتشي بتحسّن في العلاقة وفي التنسيق، للجم أي تطور أمني قد ينتج عن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
وعليه، يمكن القول إنّ الظروف المحيطة والتي تدفع باتجاه تنقية العلاقات الدرزية – الدرزية من شوائب الخلافات، وما أكثرها بين القيادات الدرزية، تجعل الحاجة إلى تفاهم، ماسة، ولو بحدوده الدنيا خصوصاً وأنّ بين هذه القيادات الكثير من القضايا العالقة والخلافات المتراكمة على مر السنين، سواء تلك المتصلة بمشيخة العقل، المجلس المذهبي، الأوقاف… ولهذا من المتوقع أن تحضر هذه القضايا، فضلاً عن الاشكالات الأمنية، على طاولة النقاش وأن يصار إلى تفعيل اللجنة المشتركة التي شكلت في عين التنية (غازي العريضي وصالح الغريب)، من باب العمل على توسيع قاعدة التلاقي بين الأطراف الثلاثة.