محمد صادق الحسيني-البناء
إنه الرجل الذي سيحمل راية الجمهورية الثوريّة الثانية بكل ثقة وثبات.
لم يسمع بالفقر في المواعظ المنبريّة، بل عاشه ولمسه منذ الصغر.
عاش يتيماً بعد أن فقد أباه وهو في سن الخامسة. لم تكن عائلته تتمكّن من شراء كيلو رز دفعة واحدة ولا كيلو كامل من اللحم، بل كانوا يشترون من ذلك بمقدار ما يصلهم من رزق.
أمه أرسلته مبكراً الى البازار ليعمل فيه عاملاً بسيطاً يبيع سجادات الصلاة ليساعدها وأهله في تحصيل معاشهم اليومي.
أمه لا تزال تعيش في بيت تحت المتوسط في إحدى نواحي مشهد الفقيرة وترفض الانتقال لطهران العاصمة.
هذا هو الرئيس الإيراني الجديد، المنبعث من بين جمهور الناس، وليس من طبقة الأشراف التي تستمتع بالسلطة منذ النطفة…
لذلك عندما يقول رئيسي إنه سيشكل حكومة ثورية مناهضة للفساد كما ورد في أول تصريحاته بعد فوزه بالرئاسة، فهو صادق وجادّ وسيفعل ذلك بالتأكيد.
رئيسي ليس «محافظاً» كما يوصف في وسائل الاعلام، بل هو أصلاً لا ينتمي لأيّ من الأجنحة السياسية في البلاد.
انه من جنس الشهيد رجائي والشهيد بهشتي والشهيد قاسم سليماني…
إنه من جنس الفقراء، من الناس الذين يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام…
دعوني أحاول أن ألخص لكم ماذا يعني تسلم السيد إبراهيم «رئيس الساداتي» الحكومة في إيران، بلغة متفاوتة، كما أراها ـ من وجهة نظري ـ المنتمية إلى عالم ما فوق الميول والاتجاهات السياسية الإيرانية:
فأن يتسلّم السيد رئيسي السلطة التنفيذية في البلاد يعني ذلك ما يلي بلغة الناس:
أولاً ـ إنه سيحبط مشروع إسقاط النظام بالجمهور. وهو الأمر الذي فعله في يوم الانتخاب والذي سيسقطه يومياً في أدائه العملي، كما سيطيح بمقولة الفصل بين الدولة والدين او بين السياسة والدين أو بين رجل الحكم ورجل الدين التي لطالما حاولوا فرضها على إيران، مرة والى الأبد…
لقد حاول الأجانب جهدهم منذ أول الثورة ان يقولوا للشعب الإيراني أنّ رجال الدين يجب ان يذهبوا الى المساجد ويتركوا الحكم للأفندية، ومن ثم تصاعدت المؤامرة وتشعّبت لتقول للأمة الإيرانية بأنّ هؤلاء (أيّ رجال الدين) لا يفقهون بعلوم العصر، ولا بالتعامل مع الدنيا، وأخيراً باتهامهم بأنهم يريدون مصادرة كلّ أشكال الديمقراطية الحديثة وعلوم الحداثة لصالح «الحكومة الإسلامية» المعادية للحريات وحقوق الإنسان والمرأة، فإذا برئيسي وعلى نهج رئيسه وقائده وقائد الثورة والأمة الإسلامية يفاجئهم بحرص مضاعف لا نظير له على كلّ هذه الأمور واعتبارها جزءاً أساسياً من مشروعية النظام، لا مفهوم للجمهورية الإسلامية ولا معنى لها ولا تستقيم من دون الجمهور وصناديق الاقتراع التي حرصوا على احترامها لمدة أربعة عقود متتالية حتى وسط حروب مدمرة للمدن والبلدات، وأن يظهر لهم رئيسي وزوجته جميلة علم الهدى متعلمين ومتبحّربن بالعلوم الحديثة أكثر من سائر المرشحين، بل وأعمق من مرشحين في ديمقراطيات عريقة بينها لندن وباريس وواشنطن.
ثانياً ـ إنه سيحبط مشروع فرض النظام السياسي والاقتصادي النيوليبرالي على إيران. أيّ انه سيعمل ليل نهار على مكافحة الفساد والرشوة ونظام البنوك الروتشيلدية، ويقارع مقولة «أنّ الغرب وحده بيده مفتاح الازدهار والتنمية السياسية والاقتصادية» للبلدان النامية والصاعدة ويطيح بها في الداخل الإيراني بنظرية ومشروع الاقتصاد المقاوم الذي يعتمد الدورة الاقتصادية الإنتاجية الداخلية أولاً، ومن ثم التوجه شرقاً والخروج على هيمنة الدولار الأميركي من خلال إقامة تعاون استراتيجي عميق مع الصين وروسيا وكلّ بلدان العالم المناهضة للاحادية الأميركية.
ثالثاً ـ سيحبط بحزم مشروع فرض «أوسلو» نوويّ على إيران الذي كانوا يعدّونه ويعملون عليه بقوة منذ أيام أوباما ولا يزالون.
وما فرضوه على إيران من شروط حتى الآن لم يكن سوى مقدّمة وتمهيد (من وجهة النظر الغربية) لفرض شروط إضافية تتعلق بفرض محدوديات على المنظومة الصاروخية الإيرانية، وإخراج إيران من المعادلة الإقليميّة من خلال فرض شروط ضرورة تخليها عن حركات التحرّر العربية والاسلامية لا سيما في فلسطين ولبنان وسورية واليمن والعراق.
سيكون رئيسي حازماً كما يريد الإمام الخامنئي، في تعامله مع ما يُسمّى بـ المجتمع الدولي الانتهازي والمنافق، ولن يسمح له لا باستنزاف الديبلوماسية الإيرانية في مفاوضات لا طائل من ورائها، ولا بعزله وحشره في زاوية إما القبول بشروط «أوسلويّة» أو الصدام، بل انتهاج نظرية حليفه الثوري سعيد جليلي الذي ربما تسلّم الخارجية الإيرانية والتي تقضي بإنهاك المفاوض الغربي وجعله هو مَن يلهث وراء المفاوض الإيراني كما فعل به جليلي يوم كان رئيساً لمجلس الأمن القومي في حكومة نجاد.
تذكروا انّ الإمام السيد علي الخامنئي لطالما كرّر بعض الثوابت في هذا السياق ستكون بمثابة قناديل مضيئة لرئيسي في هذا المضمار وهي:
1 ـ إذا أراد الغرب تمزيق الاتفاق فنحن سنحرقه.
2 ـ إذا تطلّبت حاجاتنا ومصالحنا التخصيب بنسبة 90 بالمئة فسنخصّب ولن نفاوض أحداً.
3 ـ نستطيع ان نطوّر صواريخنا إلى مديات 5 آلاف لكننا فعلاً لا نقوم بذلك الآن، وعندما نريد سنفعل ولن نفاوض أحداً.
4 ـ إحباط مفعول العقوبات أهم من إنجاز رفعها.
وبالتالي في زمن رئيسي أظننا لم نعد بحاجة لأمنية عودة واشنطن الى الاتفاق ولا لرفع العقوبات عنا…
تذكروا أنّ السيد رئيسي في مناظراته الانتخابية أعلن بوضوح:
أنه مع المفاوضات حول النووي ولكن بشروط القائد التسعة (الخطوط الحمر المشهورة)، وانّ هذا لن تتمكّن منه إلا حكومة قوية وحازمة.
لقد تخطّت إيران المنعطف التاريخي الداخلي على طريق دخول الجمهورية الثورية الثانية، بقي تحدّي المنعطف التاريخي الدولي وهو الذي ستتخطاه مع مجموع قوى محور المقاومة، باذن الله.
وعليه نستطيع أن نلخص ربما بلغة أكثر قرباً للغة الناس أقول:
السيد ابراهيم رئيسي «الحزب اللهي»، سيتخذ سياسة ثورية حازمة متحركة واضحة شفافة تريد التعامل مع الدنيا بعقل منفتح نعم، وغير منعزلة عن العالم نعم، ولكن ايضاً ليست هجينة ومتردّدة و»رجل بالبور ورجل بالفلاحة» على طريقة:
«هذا قبر سيدنا حجر بن عدي رضوان الله عليه قتله سيدنا معاوية رضوان الله عليه»!
لا أبداً، هذه السياسة ستنتهي وإلى الأبد، وستتمّ تسمية الأشياء بأسمائها، ما يثلج صدر الثوريين الداخليين ومن محور المقاومة.
بعدنا طيّبين قولوا الله…