الحدث

باسيل في الميزان… هذه هي خسائره وارباحه

“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى

تقاطعت أوساط سياسية عند تشخيص تظاهرة الإتحاد العمالي العام، أمس الخميس، بأنها خجولة جداً وخارجة عن المتوقّع، خلافاً للإنطباع الذي أُعطي لها، ولهذا الإضراب الذي كان يُفترض، وفق التوقعات، أن يكون صاخباً، لأسباب ثلاثة أساسية:

ـ السبب الأول، يعود لقرب الإتحاد العمالي من رئيس مجلس النواب نبيه بري ومعرفة مدى تأثير الأخير عليه، وبالتالي، فإن بري يريد استخدام الشارع للضغط على الرئيس ميشال عون.

ـ السبب الثاني، يكمن في التراشق بين الرئاستين الأولى والثانية، وبيان بري العنيف الذي أوحى بإعطاء الضوء الأخضر للنزول إلى الشارع.

ـ السبب الثالث، فهو الدعوة المعلنة للرئيس المكلّف سعد الحريري تشكيل الحكومة للمشاركة في الحراك. وبالتالي، أُعطي الإنطباع من خلال هذه الأسباب الثلاثة، وكأنها ساعة الصفر قد أُعدت لقلب الطاولة على عون حكومياً، في الشارع.

وفي موازاة هذه القراءة، هناك من يعزو فشل هذا الاضراب أو الحراك إلى ثلاثة احتمالات أساسية أيضاً. الإحتمال الأول يتمثّل في محاولة الحريري تحريك الأرض، إلاّ أنه لم يفلح، إذ أعلن المشاركة مباشرة وعبر منسقيات تيار “المستقبل”، فيما كان الأجدى عدم الإعلان، ذلك أن عدم تأثير إعلانه، يعني أنه غير قادر على التحريك.

والإحتمال الثاني، يكمن في احتمال أن يكون “حزب الله”، قد تدخل لدى بري من أجل عدم الحشد، وأن تبقى الأمور على ما هي عليه. وبالنسبة للإحتمال الثالث، قد يكون في دور الوساطات السياسية، التي نشطت من أجل إبقاء الصراع السياسي في الداخل وعدم نقله إلى الأرض.

وفي معزل عن هذه الإحتمالات مجتمعة، يعتبر “التيار الوطني الحر”، أنه خرج منتصراً من هذا الإشتباك، باعتبار أن بري والحريري، أعطيا عون مادةً أساسية هو بحاجة إليها، وهي الصراع الطائفي ونقل المشكلة إلى الملعب الذي يريده النائب جبران باسيل وهو الشحن الطائفي، إذ أُعطي انطباع أن هناك تحالفاً إسلامياً بوجه رئاسة الجمهورية، الأمر الذي استخدمه العهد من أجل تعزيز موقعه ووضعيته. وجاء انزلاق بري، علماً أنه لم يجب حصول ذلك، باعتبار أن رئيس البرلمان يتمتع بحنكة سياسية، بقوله إنه لا يحق لرئيس الجمهورية تسمية وزراء، وهو لا يصوّت داخل مجلس النواب. وفي هذا الإطار، برز من يقول إن موقف بري يعبّر حقيقة عن موقفه، وجاء رداً على رفض باسيل عروض معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، وبالتالي، إجهاض وإسقاط مبادرة بري. وهناك من قال، إنه فعلها عن سابق تصوُّر وتصميم من أجل تعزيز وضعية عون المسيحية، بسبب الحالة الإنهيارية على المستوى المسيحي وتقدُّم حزب “القوات اللبنانية” بشكل كبير، وبالتالي، تمّ مدّه بهذا الخطاب من أجل تعزيز وضعيته.

وفعلاً، استخدم التيار العوني هذا الموقف وذهب باتجاه تغريدات متواصلة عبر وزرائه بتعليمة واضحة من قبل باسيل لاستخدام هذا الواقع من أجل تعزيز موقعه، والتظهير بأنه مستهدف من قبل هذه القوى السياسية مجتمعة.

لكن في واقع الحال، أي واقع الخسائر والأرباح، حاول “الوطني الحر” وضع هذا التطور في جيبه، من أجل تسجيل انتصار بأنه مستهدف ومعزول من قبل الرباعية الإسلامية (الثنائي الشيعي وتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي)، لكنه لم يتمكن من الحصول على التأييد المسيحي لثلاثة اعتبارات أساسية:

-الإعتبار الأول يكمن في اهتمام الناس المعيشي، إذ يقفون في طوابير على محطات البنزين، كما يخشون على صحتهم في حال احتاجوا للدخول إلى المستشفيات، أضف إلى فقدان الأدوية، لذلك لم يهتمّ هؤلاء لكل هذا الخطاب الطائفي ولم تعره أي أهمية، خصوصاً أنه بالنسبة إليها، خطاب قديم ولا يمت إلى الواقع الحالي بأي صلة، لذلك، لم يكن هناك أي اهتمام شعبي بالكلام الطائفي الذي حاول استخدامه باسيل، لتعزيز شعبيته، فالناس بوادٍ وباسيل والعهد في وادٍ آخر، وبالتالي، المسيحيون أصبحوا بعيدين تماماً عن العهد.

-الاعتبار الثاني يتمثّل في عدم تعاطف بكركي مع رئاسة الجمهورية، بعدما دخلت على خط الوساطة وأدركت تماماً أن المعطّل لعملية التأليف هو العهد، وهذا الأخير يحاول شدّ العصب المسيحي لتقوية وضعيته، فيما أولوية بكركي تأليف الحكومة لإبقاء المسيحيين في لبنان، بينما سلوك العهد، بالنسبة لبكركي، أدى وسيؤدي إلى تهجير المسيحيين وإضعافهم، دوراً وحضوراً، وهو يهمّشهم على مستوى الحياة السياسية والإقتصادية والمالية، في حين أن أولوية المسيحيين اليوم هي في المؤسّسات لا الخروج عنها، وأمنيتهم البقاء في لبنان لا المغادرة إلى الخارج.

-الإعتبار الثالث هو لدى “القوات”، التي كان واضحاً بالنسبة لها أن الصراع ليس طائفياً ولا على الصلاحيات، إنما هو صراع بين أجنحة محور واحد وهو 8 آذار، وعون شريك أساسي في الإفلاس الذي وصل إليه البلد، بسبب ممارسة هذا الفريق. وبالتالي، “القوات” تعتبر أن كل هذا الكلام هو خارج عن اللحظة وسياق الأولوية الحالية، وأنه يتحمّل ضرب الحضور والدور المسيحي في الدولة وعلى مستوى لبنان، والأولوية في إعادة إنتاج سلطة من أجل التخلُّص من هذه الطبقة وفي طليعتها عون، و”القوات” التي تجسّد وتعبّر عن المزاج المسيحي، لم تذهب باتجاه تأييد أحد، لأن هذا المحور يتصارع على أولوية سلطوية نفعية زبائنية لا علاقة لها بالمسيحيين.

ولكل هذه الأسباب، يعتقد باسيل أنه حقّق انتصاراً، لكنه في الواقع يحصد هزيمة بعد أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى