حسن فحص – بغداد -أساس ميديا
عندما تدخل عليه، يستقبلك بابتسامته المعتادة، لكن عندما تشاهده تدرك حجم التحدّيات التي يتحمّلها، ويحضر إلى المشهد قول المتنبّي “على قلقٍ كأنّ الريح تحتي … أوجّهها جنوباً أو شمالاً”.
ببساطة وسهولة يمكن أن تضيف إليها رياح الجهات الأخرى، التي قد تأتي من الشرق أو الغرب، مع ما تحمله أيضاً من وعود بالهدوء والعواصف. فهي رياح قد تكون أشدّ عصفاً وترفع منسوب القلق، ما لم يكن متيقّظاً وقادراً على تطويعها لتكون صبا عليلاً في صباحات بغداد ودساكر العراق، بانتظار أن يصل إلى مرحلة يكون قادراً على سدّها ومنعها من التسلّل إلى تفاصيل العراق، أو هكذا يأمل.
هذا هو رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي تولّى موقعه في أكثر مراحل العراق تعقيداً وتوتّراً، وقرباً الى الانهيار والتفكّك، وعلى مشارف حرب داخلية لا تُبقي من الدولة والمؤسّسات بقيّة. أزمة يصفها بأنّها ليست نتاج الحراك التشريني الذي بلغ ذروته عام 2019، بل نتيجة تراكم سنوات من تراجع الإدارة والإهمال والفساد وتراجع دور المؤسسات لحساب القوى السياسية والأحزاب والمحاصصة.
أمام حجم التحدّي، ينطلق الكاظمي منذ البداية في توصيف الظروف التي جاءت به إلى رئاسة الحكومة، ويؤكّد أنّه رفض كل المقترحات التي قدمت له لتولّي منصب رئاسة الحكومة بعد اندلاع أحداث تشرين واستقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، بالتزامن مع الأسماء الأخرى التي طُرِحت في البازار السياسي، مثل محمد شياع السوداني وقصي السهيل وأحمد العيداني وعدنان الزرفي.
أمام حالة الرفض التي واجهت هذه الأسماء، خصوصاً من منتفضي تشرين، رسا الخيار على اسمه ليتحمّل مسؤولية المرحلة الانتقالية بمحدّداتها القائمة على إجراء انتخابات برلمانية جديدة، ومحاربة الفساد، وإعادة هيبة الدولة، ومحاكمة مرتكبي عمليات قتل المتظاهرين، ومعالجة أزمة السلاح المتفلّت وتهديده للأمن والاستقرار، بالإضافة إلى إقرار قانون جديد للانتخابات.
لا يتردّد الكاظمي في الدفاع عن إنجازاته، خصوصاً على صعيد مكافحة الفساد واعتقال الفاسدين، لكنّه يعترف بأنّ هذه المعركة ليست سهلة، بل شديدة التعقيد ووضعته في مواجهة متّهمين كبار في الدولة والقوى السياسية. ويعتقد بأنّ الدخول في مواجهة مباشرة معهم قد ينتهي إلى أزمة سياسية وأمنيّة لا أحد يريدها، لذلك عمد إلى آليات غير مباشرة، من خلال استهداف مفاتيح ترتبط بهؤلاء المشاركين في العملية السياسية ووضعهم في السجن ومحاكمتهم على ما ارتكبوه من فساد ونهب للأموال العامة. ويؤكّد أنّه حقّق نجاحات مهمّة في هذا الإطار بدأت تظهر آثارها.
أمّا على الصعيد الاقتصادي والمالي، فيلفت إلى أنّ “الأمور في دائرة سيطرة سياسات الحكومة والبنك المركزي في ما يتعلّق بالوضع المالي أو ما يعرف بمزاد العملة، وهذه السياسة استطاعت تقليل حجم تهريب العملة، الذي كان يجري تحت عناوين اقتصادية وبحجّة الاستيراد من الخارج. خفّضنا الرقم من نحو 8 مليارات إلى نحو 3 مليارات دولار أميركي شهرياً، ومن المفترض أن ينخفض إلى ما دون المليارين، وتنوي الحكومة رفع المزاد للبنوك من 125 مليون دولار إلى 250 مليون دولار يوميّاً”.
ويضيف أنّ “المزاد للعمليات الخارجية، الذي كان يتمّ تهريبه والتحايل به، لا يصل إلى مليار ونصف مليار الآن، وباقي المزاد هو للداخل”.
ويشدّد الكاظمي على أنّ “الدولار لن ترتفع قيمته، ولن نسمح بأن تتأثّر الطبقات الفقيرة. ولهذا خصّصت الحكومة 2 مليار دولار لدعم هذه الطبقات”، لافتاً إلى أنّ “الحكومة أقرّت سعر الصرف عند 1500 دينار للدولار الواحد، في حين أنّ البنك المركزي يبيع للبنوك بسعر 1480 ديناراً للدولار الواحد، وسعره في السوق، كما نتوقّع، يراوح بين 1480 و1510”.
في الموضوع الإقليمي، يؤكّد الكاظمي أنّ “العراق إذا استطاع توظيف الدور الذي يقوم به حالياً على الصعيد الإقليمي، من حيث التقريب بين دول المنطقة، فإنّه سينتقل من دائرة الوسيط إلى مستوى الشريك الفاعل في العلاقات الإقليمية والدولية”، معتبراً أنّ “المسار الذي بدأ مع اللقاء الثلاثي أو القمة الثلاثية بين العراق والأردن ومصر، يُفترض أن يؤسّس مساراً جديداً في الشرق لن يقف عند حدود هذه الدول، بل سيمتدّ إلى سوريا ولبنان، ولاحقاً إلى أوروبا”.
وكشف الكاظمي أنّ “القمّة الثلاثية العراقية المصرية الأردنية أثارت حساسيّات الكثير من الدول الإقليمية، وليس فقط الجانب الإيراني”، لكنّ التحرّك الذي قام به باتجاه هذه الدول “أوصل رسالة طمأنة لها”. وأكّد لـ”أساس” أنّ “هذا التقارب لن يكون في وجه أيّ منها، بل يصبّ في إطار بناء دور العراق الجديد، والتأسيس لتعاون إقليمي على أسس جديدة”.
وعن العلاقة مع سوريا، يقول الكاظمي إنّ “العراق تأخّر في المبادرة نحو دمشق، لأنّ الانفتاح العربي والدولي على سوريا كبير وسريع”، مشيراً إلى أنّ “الانفتاح الخليجي خاصة، والعربي عامة، على سوريا ما زال دون المستوى المطلوب، باعتبار أنّ هذه الدول تنتظر خطوة سعودية أكبر في هذا الاتجاه، على الرغم من اللقاءات الثنائية التي انعقدت بينهما في دمشق والرياض”.
وتخوّف الكاظمي على مصير هذه الجهود المتعلّقة بالدور العراقي في المرحلة المقبلة، وتشكّك في قدرة رئيس الحكومة المقبل أو القيادات السياسية العراقية على استكمال الدور الذي بدأه العراق على الصعيدين الإقليمي والدولي، معتبراً أنّ “رئيس الحكومة العراقي المقبل سيكون أمام مسؤوليات كبيرة على هذا الصعيد، وعليه أن يثبت قدرته على الاستمرار في هذا المسار والنهوض به واستكماله”، خصوصاً أنّ العامل الأساس في الانفتاح الذي حصل في السنة الماضية كان يرتكز على الموقع الشخصي الذي يتمتّع به والثقة التي أسّس لها مع قيادات المنطقة والعالم.
وشدّد الكاظمي على أنّ “العلاقات العراقية مع دول العالم والإقليم جيدة”، مؤكّداً أنّ “الدور الذي يقوم به العراق على مستوى الحوارات الثنائية بين القوى المتصارعة لا يقتصر على الحوار السعودي الإيراني”، كاشفاً أنّ “لقاءات حوارية بين العديد من الدول الإقليمية والدولية تجري على أرض العراق”، من دون الكشف عن طبيعة هذه اللقاءات، ومن هي الدول المتحاورة.
وعلى الرغم من مرور نحو شهر على آخر جلسة حوارية بين السعوديين والإيرانيين في العراق، وهي الجلسة السادسة، وتراجع الحديث عن جلسات جديدة، والحديث عن أنّ الطرفين (السعودي والإيراني) اتّفقا على نقل اللقاءات إلى خارج العراق، يؤكّد الكاظمي أنّ العراق ما زال البلد المضيف لهذه اللقاءات والحوارات، نافياً أن تكون قد انتقلت إلى أيّ عاصمة أخرى.