وفي عصر الثورة التكنولوجية والمعلوماتية قد يكون اعلان مماثل أخطر من وباء عالمي، فأزمة “الانترنت” تتعدى منعنا من نشر صور أو تغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى خطر انهيار وزوال مؤسسات وشركات وقطاعات بأكملها، ما قد يؤدي إلى عمليات طرد جماعية لعدد ضخم من الموظفين والى ارتفاع في نسب البطالة والفقر ومضاعفة حجم الأزمة الحالية. فأي عطل طارئ صغير على الشبكة العنكبوتية، كفيل بإحداث فوضى وارتباك وضياع داخل الادارات العامة والمؤسسات الخاصة وكل ما يتصل بقطاعات الانتاج فكيف لو كنا نتحدّث عن ازمة فعلية وخطر حقيقي بانقطاع الانترنت بشكل كليّ؟
ومن جهّة ثانية قد تنضمّ أزمة الانترنت في حال وقوعها، إلى مجموعة الأسباب التي تهشّل المستثمرين وكبار الشركات وتحول دون انشائهم مشاريعهم في لبنان او فتح فروع لشركاتهم، كما تعرّض النظام المصرفي والمؤسساتي الحالي لخطر الزوال، حيث أنّ معظم عمليات قطاعات المعلوماتية ترتكز على “الانترنت”.
لبنان يواجه شبح العزلة عن العالم
وبالرغم من كلّ مساوئ الأزمة التي يعيشها لبنان، إلا أنه أمام فرصة حقيقية للنهوض باقتصاده من جديد، حيث أنّ انهيار العملة مقابل الدولار جعل منه “أرضاً خصبة” جاذبة للمستثمرين بعد أن أصبحت الأيدي العاملة اللبنانية رخيصة نسبياً، كذلك كلفة الانتاج. وبفضل التحولات العالمية في سوق العمل والتوجه الذي يسلكه هذا الأخير نحو العالم الرقمي، قد يكون الاستثمار بالقطاع التكنولوجي هو الحلّ الأمثل لتأمين مدخول من العملات الصعبة والانفتاح على دول الخارج. فقطاع التكنولوجيا يضمّ أكثر من 800 شركة، وهو يؤثر في الناتج المحلي بشكل كبير، علماً أن صادراته شكّلت نحو 34.8 % في عام 2013، وذلك بالرغم من كل الأوضاع الأمنية التي كانت تهدد استمراريته وعلى الرغم من إهمال الدولة وتهميشها له لأكثر من 30 عاماً، إلا أنه وفي حال وقوع أزمة الانترنت سيواجه لبنان شبح العزلة عن العالم، وستنهار جميع قطاعاته.
لا شحّ في المازوت… بل ضغط على المولدات!
من المعروف ان عملية استجرار الإنترنت الى لبنان، تتم عبر كابل بحري يؤمن وصل لبنان بالشبكة العنكبوتية وتدفع الدولة اللبنانية كلفته بالدولار، وهو يصل عبر “أوجيرو” المزوّد الوحيد لهذه الخدمة التي تقوم بدورها بتوزيعها في لبنان مباشرة أو عبر شركات الاتصالات وشركات تقديم الخدمات. و”لتتمكن الشركة من توزيع الانترنت تحتاج إلى طاقة”، بحسب مدير عام شركة أوجيرو عماد كريدية الذي لفت في حديث لصحيفة “نداء الوطن” أنّ “التقنين القاسي للكهرباء أثّر على عمل الشركة وخدماتها، فبالرغم من وجود مجموعات لتوليد الكهرباء لحالات الطوارئ، وللسماح باستمرار عمل المراكز، إلا أنه وبسبب كثافة التقنين الذي استمر لساعات طويلة ارتفع الضغط على المراكز ما أدى إلى توقف المولدات ونزول الناس عن الخدمة فمولّدات الهيئة غير مُعدّة لأن تحلّ مكان ساعات تغذية كهرباء لبنان، وهي ممكن أن تلبي من طاقتها الذاتية لمدة أقصاها 8 ساعات، حيث أنّ مولّد 100 kVA لا يمكنه تحمّل 20 ساعة تغطية من دون انقطاع”.
وأكّد كريدية أنّ “المشكلة ليست في شحّ مادة المازوت أو بحجم الكمية التي تتسلمها الشركة والتي تصل الى الـ70 ألف ليتر في اليوم وهو ثلاثة أضعاف الكمية المستهلكة قبل زيادة التقنين”، باشارة إلى مدى قساوة تقنين كهرباء لبنان، “لأنّ الهيئة تستلم من المنشآت النفطية ما يكفيها لإنتاج الطاقة، بل إنّ المشكلة تقنية تتعلّق بمدى قدرة المولدات على تحمّل ساعات انتاج طويلة وما يترتب عنها من أعطال في المولدات وتكاليف عالية لتأمين قطع الغيار والصيانة، الأمر الذي يتطلب وجود أكثر من مولّد في المراكز لتوزيع ساعات الانتاج “.
استجرار الانترنت مكفول من مصرف لبنان
وتعليقاً على كلّ ما يشاع حول تخلّف هيئة أوجيرو عن دفع مستحقاتها للخارج يردّ كريدية “استجرار الانترنت من الخارج مكفول من مصرف لبنان وحاكم مصرف لبنان أكد لنا استمرار دعم هذا القطاع حيث انقطاع الانترنت يهدد الامن القومي ويعرضه للخطر ويشلّ القطاعات”، مشدداً على أنّ “كل المتوجبات المالية مدفوعة حتى الفصل الرابع من السنة الحالية وكل ما يقال عكس ذلك هدفه خلق المزيد من التشنج والضغوطات على الشعب اللبناني”. ووصّف كريدية الوضع بـ”الحالة الاستثنائية غير المسبوقة تاريخياً”، محذّراً من “تأثير عدم ايجاد حلول في أسرع وقت ممكن على عمل المصارف والاجهزة الامنية”، لافتاً إلى أنّه “وبحال اللجوء الى الاتصال على الساتيلايت كبديل فهذا الأخير وبالاضافة إلى كلفته العالية إلا أنه يحتاج إلى طاقة أيضاً”، إذاً تبقى المشكلة في توليد الطاقة!.
هل من بديل؟
وعن البديل يرى كريدية أنّ “الحلّ الوحيد يبقى في مساعدة مؤسسة كهرباء لبنان لتأخد دورها الطبيعي بامداد الشعب ومؤسساته بالطاقة، مهما كان الثمن”، معتبراً أنّ “مشروع الطاقة البديلة غير وارد بسبب كلفته المرتفعة وحاجته إلى الكثير من الوقت”، فبرأي كريدية لا بديل عن “الطاقة التقليدية اليوم”. في المحصّلة يبقى الحلّ الوحيد لمعظم أزمات هذا البلد هو بتصحيح واقع قطاع الكهرباء في لبنان، هذا القطاع الذي أثقل ميزانية الدولة وأوصل مستوى العجز فيها الى52%.
فأي قطاع اقتصادي نريد النهوض به ونحن نعاني من أزمات لا تعدّ ولا تحصى، كهرباء، مياه، محروقات، مواد غذائية، مواد طبية، أدوية، مستشفيات، مصارف… ولتكمل “ازمة انترنت”!، وأيّ استثمارات هذه التي نريد جذبها وسلطتنا تمعن في إذلال مواطنيها وخراب هذا البلد؟!