حرب «زواريب» في بيروت… وتحديات استراتيجية على الحدود
ابراهيم ناصر الدين- الديار
تعليق «تفاهم مار مخايل» على الطاولة في «ميرنا الشالوحي»!
مزايدات داخلية «اسرائيلية» تزيد مخاطر اشتعال الجبهة اللبنانية؟
دخلت البلاد زمن التحشيد الطائفي والمذهبي، تحضيرا لانتخابات نيابية «فضائحية»، لن تكلف الكثير من الاموال في زمن انهيار العملة الوطنية، وبعد تحويل الناخبين الى «شحادين». لا حكومة ولا من «يحزنون»، وحرب البيانات بين بعبدا وعين التينة لم تكن مفاجئة، بل المفاجىء كان تأخر اندلاع «شرارة» المواجهة بين خصمين لدودين لا «كيمياء» بينهما منذ عودة «الجنرال» الى بيروت من منفاه ، وتمرير رئيس المجلس النيابي نبيه بري مسألة تنصيبه رئيسا للجمهورية على مضض، معبرا عن ذلك بالامتناع عن التصويت له…
هذه الخلاصة، لاوساط سياسية بارزة، اشارت الى ان الخلاف لم يكن يوما على «الاصلاح او التغيير»، فكلا طرفي النزاع مسؤولان كجزء من الطبقة السياسية عن «الخراب» والتدمير الممنهج للدولة ومؤسساتها، فلا بري ادعى يوما «العفة»، فهو صاحب نظرية «عالسكين يا بطيخ» الشهيرة، ولا احد يصدق ادعاء «العفة» من قبل العهد والتيار الوطني الحر، بعد ان ضاعت سنوات الرئاسة في التحضير للخلافة بتسويات وصفقات خدمة لتحويل النائب جبران باسيل الى «زعيم يناطح» اقرانه الذين سبقوه بنحو 15 عاما، وبدل استعادة حقوق المسيحيين ضاعت حقوق اللبنانيين، وبات الجميع اليوم يواجه «تفليسة» سياسية، واجتماعية، واقتصادية، واخلاقية، لكن وعلى عكس الدول التي تحترم نفسها، وتعيش فيها شعوب تقدر انسانيتها، يبدو ان الحل للخروج من «الورطة» لن يكون في محاسبة من ورّطوا البلاد في اكثر ازماتها سوءا، بل تتجه الامور نحو مزيد من «التحشيد» الطائفي لشد عصب جمهور اصاب «العمى» غالبيته، وهذا ما سينعكس انقسامات وتحالفات جديدة لزوم المعركة.
اما اكثر المشاهد الدالة على هذا التوجه، عودة «التيار البرتقالي» الى التصويب على حليفه الوحيد المتبقي في «الميدان»، حزب الله، واتهامه بالحياد او «اللاموقف» في المعركة التي يخوضها ضد كل القوى السياسية في البلاد، واذا كان تردد الحزب في الحسم في الشؤون الداخلية يحسب عليه، ويضعف موقفه السياسي لان «انصاف الحلول» ساهمت في تسريع الانهيار، فان التيار الوطني الحر يحتاج الى اعادة تقييم لمواقفه وسياساته التي لم تبق له «صاحبا» بعد تسويات انتهت بخلاف على تقاسم الحصص وتناتش الدولة، الا ان الاتجاه الان، ينحو بحسب مداولات داخلية في «التيار»الى تبني استراتيجية «المظلومية» والتعرض للاستهداف باسم حقوق المسيحيين، لتكرار «تسوماني» العام 2005، حتى لو تطلب الامر «تعليق تفاهم مار مخايل» الى ما بعد الانتخابات النيابية، وهو طرح موجود على «الطاولة» في ميرنا الشالوحي، وبدأت مقدمات تفعيله بالحملات الممنهجة من قبل «صقور» و»حمائم» «البرتقالي» على حزب الله، والمفارقة الابرز كانت انضمام رئيس الجمهورية ميشال عون الى حملة الانتقادات العلنية… لكن ثمة مفارقتين اساسيتين ستؤديان الى فشل هذا الرهان الجديد، بحسب مصادر نيابية بارزة، الاولى تجربة الحكم الفاشلة «للتيار» التي لا تشفع لها نظرية «ما خلونا»، والثانية ان جبران ليس ميشال عون!
وفي انتظار نتائج حرب «الزواريب» اللبنانية التي ستنتهي بمأساة جديدة، لان الرهان على الشعب للتغيير لا يبدو في مكانه، وسط العجز التام عن فهم عدم ترجمة «غضب اللبنانيين في الشارع «الى واقع، بعدما تعرضوا لكافة انواع «الذل»، ما يعني حكما انه لن يترجم في «صناديق الاقتراع»، تبدو الدولة اللبنانية امام استحقاقات لا تقل خطورة عن الازمة الداخلية التي حوّلت المؤسسة العسكرية الى «متسول» على ابواب الدول الاقليمية والدولية، واذا كانت المؤسسات الدولية وعواصم غربية قد حذرت من انهيار الجيش كمقدمة لدخول البلاد في «الفوضى»، فان تلك الجهات ايضا حذرت في الايام القليلة الماضية من خطر قد يكون «داهما» على الحدود الجنوبية، حيث تواجه حكومة نفتالي بينيت ويئير لبيد في كيان العدو تحديات استراتيجية كبيرة، ومنها الجبهة الشمالية مع حزب الله.
ووفقا للتقديرات، سيكون لبنان بعد غزة، وليس ايران في اول سلم الاوليات «الحكومة الاسرائيلية» الجديدة، فنتانياهو سجل خلال 12 سنة المتواصلة لولايته، فشلا كبيرا في الموضوع الإيراني، على الرغم من عدم اقراره بذلك، لكن عمليا، لم ينجح في تجسيد طموحاته حول ضرب المشروع النووي، والعمليات السرية المنسوبة «لإسرائيل» لم توقف تقدّم المشروع النووي..وفي هذا السياق، اكدت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، ان نقطة الضعف الرئيسية لبينيت تتعلق بتجربته القليلة نسبياً؛ إذ لا تكفي بضع سنوات من العضوية في «الكابينت» ونصف سنة في «وزارة الدفاع»، من أجل إعداد شخص لثقل المسؤولية الذي يكتنف قيادة «دولة» معقدة مثل «إسرائيل».
ووفقا لتقديرات الصحيفة، فان هذه الحكومة «الهشة» القائمة على العداء لنتانياهو، تبحث عن «انجازات» ترتبط بصورة قوة «إسرائيل» في المنطقة.وبحسب زعمها، اذا كان الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب قد قدم إسهاما حقيقيا في تأمين الهدوء، لان إيران وحزب الله كانا حذرين من الاحتكاك المباشر من «إسرائيل» لأنهما يجهلان الشيك المفتوح الذي وقع عليه ترامب لنتنياهو ضدهما، فان الامور الآن تغيرت، ويحتاج رئيس الحكومة الجديد لاثبات نفسه. واذا كانت المشكلة الأكثر إلحاحاً على جدول أعمال الحكومة الجديدة هي قطاع غزة، فان لبنان سيكون مجددا على «الطاولة» وليس ايران كخطر استراتيجي.
وفي شرحها لتبدل الاولويات، تشير الصحيفة الى ان بينيت غارق أقل من سلفه في النضال ضد المشروع النووي، والتقدير المرجح هو أن إسرائيل ستحتج على الاتفاق، لكنها فعلياً ستضبط نفسها… اما التحدي الأمني الحاسم الذي يمكن أن يواجه بينيت ولبيد وغانتس، من الآن وحتى السنة القادمة، فهو مشروع زيادة دقة صواريخ حزب الله. ومنذ اللحظة التي سيكون فيها لحزب الله قدرة صناعية على إنتاج سلاح دقيق على أراضي لبنان، فستقف «إسرائيل» أمام معضلة ملحة، هل يجب عليها تدمير هذه القدرة والمخاطرة باندلاع حرب؟ ام نتجاهل الامر؟
انه سؤال محوري، والاجابة عنه ستكون التحدي الاكبر للحكومة الوليدة «المهزوزة»، وهذا ما يدفع الى القلق اكثر برأي مصادر لبنانية معنية بالملف، لان حجم ارتكاب الاخطاء من قبل قيادات غير مجربة في الحكم تبدو كبيرة، خصوصا ان زعيم المعارضة الجديد بنيامين نتانياهو، يعايرها بضعفها اتجاه ايران وحزب الله، وكأنه يضغط عليها لارتكاب الاخطاء تمهيدا لمحاسبتها واسقاطها، وهذا ما قد يجعل لبنان «ضحية للصراعات الاسرائيلية الداخلية»، خصوصا ان التوليفة الجديدة تحتاج «لانتصارات» لتثبيت موقعها السياسي، وقد تندفع نحو مغامرات «غير محسوبة»، يعرف نتانياهو مسبقا، انها ستكون مؤلمة وفاشلة الى ابعد الحدود، لكنه لن يتوانى عن الضغط على الحكومة الجديدة لارتكاب الاخطاء خدمة لمكاسبه الشخصية، حتى لو كان ذلك على حساب «الامن الاسرائيلي». وهو «بنرجسيته» وانانيته، يشبه الكثير من القيادات اللبنانية التي تراقب «غرق» «السفينة»، دون ان يرف لها «جفن»، لتحقيق مصالح ضيقة ونفعية، وليس ابدا دفاعا عن الصلاحيات او حقوق الطائفة!