محمد بركات – أساس ميديا
لا يوجد عاقل يمكن أن يستنتج أنّ التجاذب السياسي، أمس، الذي كسر الرقم القياسيّ في تبادل البيانات القاسية بين رئاسة الجمهوريّة ورئاسة مجلس النواب، يمكن أن يؤدّي إلى استيلاد حكومة تُخرِج لبنان من أزماته.
حرب البيانات كانت تجري، أمس، على إيقاع الشارع، وعلى إيقاع استعدادات الاتّحاد العمّالي العامّ، ومن ورائه حركة “أمل” وتيّار المستقبل وكلّ القوى العمّاليّة المحسوبة عليهما، لتحرّك كبير في بيروت اليوم.
كما لو أنّ بيروت “الغربيّة” كانت، ليل أمس، تستعدّ لـ”6 شباط” جديد، تتمرّد فيه على استبداد رئيس الجمهوريّة، واحتجازه تشكيل الحكومة في جارور قصر بعبدا، وتجرُّئه على محاولة كسر تكليف الرئيس سعد الحريري واستبداله بتكليف شخصيّة سنّيّة أخرى، من دون أيّ احترام لمجلس النوّاب، وللأكثريّة النيابيّة التي سمّت الحريري، ولاتّفاق الطائف الذي سحب صلاحيّة تعيين رئيس الحكومة من رئيس الجمهوريّة، وأعطاها لمجلس النوّاب مجتمعاً، الذي يمثّل اللبنانيّين الذين انتخبوه.
هو تمرّد في الشارع، على رئيس جمهوريّة مستبدّ. لكنّها نصف الصورة. الصورة تكتمل حين يُقال إنّ كلّ الأطراف المشاركة في مشهد اليوم ستكون رابحة، وتحديداً في الانتخابات النيابيّة المقبلة.
فالرئيس عون وصهره النائب جبران باسيل سيستثمران في المشهد للقول إنّ المسلمين يتكتّلون ضدّ رئاسة الجمهوريّة، لاستنفار العصبيّة المسيحيّة مجدّداً إلى جانب باسيل، عدوّ الشعب رقم 1 منذ 17 تشرين الثاني 2019.
والرئيس الحريري عاد واستجمع بعضاً من شعبيّته، على الرغم من أزماته الداخليّة والخارجيّة، وها هو اليوم يشارك متأخِّراً في حملة الدفاع عن الرئاسة الثالثة.
والرئيس برّي يعود ليؤدّي الدور الأساسي في الدفاع عن الطائفة الشيعيّة، وعن صلاحيّات مجلس النوّاب ورئاسته، وهي فرصة مؤاتية لإعادة ترسيم الحدود مع حزب الله، والقول إنّ برّي كان على حقّ في سعيه إلى منع انتخاب ميشال عون رئيساً، الذي أصرّ الحزب على انتخابه، وليقول إنّه لا يزال الطرف الأقوى في الدفاع عن مصالح الشيعة داخل النظام.
الخاسرون هم قوى “17 تشرين” الغائبون عن الساحة وعن النقاش. وهم القوى المسيحيّة التي كانت تربح من خسائر جبران والعهد، والشخصيّات المسيحيّة القريبة من برّي والحريري، والتي ستبدو في جيب “الغربيّة”، المنتفضة ضدّ بيروت “الشرقيّة”.
المشهد اليوم لا يشبه السياسة. بل هو أقرب إلى “6 شباط” في الشارع. انتفاضة دفاعاً عن صلاحيّات الرئاستين الثانية والثالثة، بوجه الرئاسة الأولى. والرئاسات الثلاث تربح في سعيها إلى تحسين حظوظها استعداداً للانتخابات النيابيّة.
لا حكومة. “مطوّلة” كما قال الأمين العامّ لحزب الله. والأخير ينظر إلى المتقاتلين داخل عباءته، مرتاحاً إلى أنّ “كلمة السرّ” الإيرانيّة لم تأتِ بعد، وإلى أنّ حلفاءه، في استعراضاتهم الانتخابيّة، لا يزعجونه، ولا يشوّشون على مشروعه، بانتظار تسلّم إبراهيم رئيسي الرئاسة في إيران، وتوقيعه على الاتّفاق النوويّ، ثمّ يأتي “وقت الجدّ” في بيروت، فـ”يتضبضب” الجميع في حكومة انتخابات.
إنّها الانتخابات… من الشارع اليوم، إلى حكومة آب أو أيلول. وكلّ ما عدا ذلك، ضوضاء في الشارع، لفرزها في صناديق الانتخابات، محليّاً وإقليميّاً.