اندريه قصاص -لبنان24
بعد بياني بعبدا وعين التينة الناريين أصبحت كل الإحتمالات واردة، ومنها ما يدخل في حيّز الإيجابيات على اساس “إشتدّي أزمة تنفرجي”. ولكن في الظاهر فإن الحرب التي فُتحت بين الرئيسن ميشال عون ونبيه بري قد تعيد خلط الأوراق الحكومية من جديد لجهة تأكيد المؤكد، وهذا ما حرص رئيس مجلس النواب على التشديد عليه بإصراره على التمسّك بالرئيس سعد الحريري كرئيس مكّلف وحيد لتشكيل الحكومة، وليس أي حكومة، وذلك بعدما وضع النقاط الدستورية على حروف المغالطات والإجتهادات والتفسيرات الخاطئة، والتي لا يمكن أن تؤدّي إلى أي نتيجة عملية “في الوقت الذي تتهاوى فيه أسوار القسطنطينية”، التي تلتهي في البحث عن “جنس الوزراء”.
ولأنه حريص من موقعه الوسطي في الخيارات وفي النهج وفي الممارسة حاول الرئيس نجيب ميقاتي بالأمس أن يضع الأمور في نصابها الصحيح والمستقيم، إذ أثنى على موقف الرئيس بري بشأن تشكيل الحكومة والقواعد الدستورية التي تحدد هذه العملية، بحسب ما نص عليه اتفاق الطائف، “بعيدا عن الاجتهادات الشخصية”. وقال “إن الموقف الذي اعلنه الرئيس بري وضع النقاط الاساسية على الحروف بعيدا عن كل الاجتهادات التي دأب البعض على اسقاطها على عملية التأليف الحكومي، واعاد تصويب الاتجاهات الدستورية المطلوبة”. ودعا جميع الاطراف الى تسهيل مهمة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة وفق القواعد الدستورية الواضحة، “لأن المماطلة والتأخير ووضع الشروط يتسبب بمزيد من الاستنزاف الذي لا قدرة لاحد على تحمّله، كما أن بوادر التحرك الشعبي مؤشر الى أن المعالجات باتت اكثر من ملحة وبشكل عاجل قبل بلوغ المحظور”.
فهذا الموقف المتقدّم للرئيس ميقاتي من شأنه أن يعيد تصويب البوصلة، خصوصًا وأنه يشدد دائما على تطبيق الدستور وعدم التلاعب على حباله بإجتهادات في غير مكانها الصحيح، ولا ينتج عنها سوى المزيد من التأزيم، في الوقت الذي يحتاج فيه البلد إلى كل جهد إيجابي من أجل التخفيف عن الناس معاناتهم بعدما بلغ الإهمال حدوده القصوى، وبعدما بلغت الأمور إلى دفع البعض بالدعوة إلى التصرف بالإحتياطي المتبقي لمصرف لبنان، وهو المخزون الأخير كأمل وحيد لإمكانية إستعادة اللبنانيين إلتقاط أنفاسهم.
وبين هذا الكمّ الهائل من الأسلاك الشائكة التي يُجبر المواطنون على السير فوقها ثمة محاولات إنقاذية يقوم بها من يعتبرون أنفسهم معنيين أكثر من غيرهم بالحل المنشود، وذلك كونهم يرون الأمور بشفافية وبعيدًا عن أي غرضية أو مصلحة شخصية، وفي طليعتهم الرئيس ميقاتي. ومن بين جملة الإقتراحات التي تطرح على بساط البحث أن يكون لمجلس النواب دور الحكم والحكيم، وأن تُعطى لمبادرة الرئيس بري فرصة النجاح، في محاولة أخيرة قبل سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، بعدما أطيح بكل المبادرات الأخرى.
فالمواطنون سيتقولون كلمتهم اليوم في الإضراب الشامل الذي دعا إليه الإتحاد العمالي العام، والذي أدخل البلاد في حال شلل تام، ولكن هل من يسمع، وبالتالي هل ستلقى المساعي التي سيقوم بها “سعاة الخير” آذانا صاغية، أم أنها ستصطدم، كما المحاولات السابقة، بجدار المواقف المتعنة المانعة لقيام حكومة “الفرصة الأخيرة”.